قد لا أعترض أو أشتكي حتى ممن حولي من المدخنين ومن اختناقي بسجائرهم، لكنني حقا أعاني وأعترض من وعلى ذاك الغباء الذي ينتشر في الهواء من حولنا كفيروس انفلونزا قاتل، أعاني من أولئك الأغبياء الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا وقد ضل سعيهم في الحياة الدنيا. لله ذر أبي العلاء المعري حينما قال:
“ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا
تجاهلت حتى ظن أني جاهل
فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص
ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل”
فابتلينا بقوم جعلوا من الغباء صناعة، وحفزهم تجاهل العالمين والمدركين، ولم تنفعهم سير الأوليين، ولا اتعظوا بنصائح المجربين، وتراهم يرونك تتجاهل، ليس حبا فيهم ولا حفاظا على مستوى عقولهم بل راحة لنفسك وذرءً لجهد سيضيع منك هباء، فيجعلونك غبيا ويستغبونك… وابتلينا بقوم جعلوا التكنولوجيا وسيلة للتكاثر الغبائي، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى البحث ومشاركة محتويات مفيدة تخرجنا من ظلمات الجهل وغياهب التخلف إلى الركب الحضاري الذي كان الأولى ان نكون في مقدمته، وليس المشكل في صناع المحتوى بل من أولئك المتتبعين الذين يتحكمون في هذا التدفق التكنولوجي ويحرفونه إلى روتين يومي عاهر!
وابتلينا بمسؤولين تحسبهم منتشين من الهرطقة التي بها ينطقون ويسيسونها ويدبرونها، وفي حين يحسنون رسائلهم وخطاباتهم بكل البدائع والمصطلحات الممكنة ويستعملون مصطلحات رنانة ضخمة شديدة ينتهون بفعل عكسها ضاربين ذكاءنا الرياضي والمنطقي عرض الحائط… أعدوا فعلا العالم ليسقط تحت قبضة التافهين، ويأسسوا لنظام تفاهة ثقافته الانحدار كما سماها ذات يوم أستاذي الدكتور حنون… لو أنفقت عليهم أموال وخزائن قارون، وأعطيتهم من ملك فرعون وثمود، وأيدتهم بقوة الجن والنمرود فإنهم سيعيدونك قرونا إلى الوراء… بلادنا أصبحت تتقدم فعلا خطوة إلى الأمام لكن مقابل خطوتين إلى الوراء.
أصبحنا في عالم يرتقي فيه التافهون والأغبياء، ويزجر فيه وينبذ من فكر أو قدر، عالم نعمة للأغبياء ونقمة على الأذكياء، وكأن المتنبي يمشي بيننا ويقول:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.