أمازيغية القرن 21 : دلالات الترسيم و سبل إنجاح التفعيل وتدارك التأخير؟
الحسين بويعقوبي
لا يختلف اثنان في أن ما حققته الأمازيغية خلال نصف قرن من النضال، وخاصة حصولها على وضعية “لغة رسمية” في دستور 2011 يعتبر انجازا كبيرا لم يكن الجيل الأول المؤسس للخطاب العلمي والنضالي حول الأمازيغية يتوقع أن يحصل في حياتهم. ولذلك يمكن القول بأن هذا الجيل نجح في مهمته ونجح في إعادة التوازن للعقل المغربي من خلال خلخلة العديد من المفاهيم والتصورات التي كادت أن تكون من المسلمات، وكادت أن تفقد المغرب تميزه عن الشرق الذي سعى للتماهي معه وعن الغرب الذي كان يئن تحت وطأته.
لقد نجحت الحركة الأمازيغية في أن تغير تمثل المغاربة لأنفسهم، واكتشفوا أن تاريخهم يمتد لأكثر من 33 وثلاثين قرنا، وهو ما أكدته الاكتشافات الأثرية الأخيرة في جبل “ايغود” نواحي أسفي وموقع “بيزماون” نواحي الصويرة، وتأكدوا أن أجدادهم الأمازيغ بنو حضارة كبيرة و عاصرو كبريات الحضارات الإنسانية من فرعونية وفينيقية ولاتينية، وقاوموا مختلف الغزوات المتتالية على وطنهم، قبل أن يدخلوا في المجال الإسلامي بعد مقاومة عتيدة امتدت لعقود، ليبلوا فيه البلاء الحسن ويؤسسوا إمبراطوريات كبرى يشهد التاريخ على عظمتها.
وفي خضم هذا التاريخ الطويل ورغم معاشرتهم لأقوام عدة بلغاتهم وثقافاتهم ذات التقاليد العريقة في الكتابة، وتبنوها وأبدعوا فيها، فقد حافظوا على لغتهم الأمازيغية، رغم ما قد أصابها من وهن في مستويات معينة، خاصة تراجع عدد الناطقين بها، وعدم مجاراتها للتطور الحاصل على مستوى المعجم الحديث، ثم بسبب عدم مأسستها في العقود الأولى للاستقلال، حتى بدأ البعض في سبعينيات القرن الماضي يتنبأ بإمكانية انقراضها في المدى القريب، وظهرت أصوات أخرى تنادي بذلك مرتاحة الضمير ودون أي إحساس بالذنب.
ولذلك، فما تحقق للأمازيغية اليوم يعتبر”عودة من بعيد”، كما يقال بالفرنسية، ليس للأمازيغية فقط كما قد يظن البعض، بل للمغرب ككل، لكن في الوقت نفسه يطرح الاعتراف الرسمي بالأمازيغية تحديات كبرى يحتاج تجاوزها للكثير من الجرأة السياسية وللكثير من العمل البيداغوجي.
- ضرورة الوعي بالدلالات العميقة لترسيم الأمازيغية:
يعتقد البعض أن موضوع المطالب الأمازيغية يقتصر فقط على الجانب اللغوي والثقافي، وهذا صحيح إلى حد ما، حيث أن اللغة كانت في قلب النقاش منذ أواخر الستينات من القرن الماضي، باعتبارها العنصر الأساس في الهوية الأمازيغية والمهددة أكثر بالانقراض، كما أنها حظيت بالجزء الأكبر من الاهتمام في الدراسات الأكاديمية منذ فترة الحماية الفرنسية واستمر ذلك خلال العشريات الأولى للاستقلال. لكن تطور الخطاب المنتج حول الأمازيغية مع دخول علوم جديدة كالأنثربولوجيا والسوسيولوجيا وقراءات جديدة للتاريخ وكذا علم السياسة جعل موضوع الأمازيغية يتجاوز الحقوق اللغوية والثقافية ليؤسس لمنظور حديث للذات المغربية ويؤسس لتصور جديد للأنا وللآخر، وكذا للمعايير المحددة للانتماءات الإقليمية والجهوية للمغرب.
تطورت هذه الأفكار شيئا فشيئا لتعطي أرضيات إيديولوجية لمشاريع سياسية حطمت بعض المسلمات وسعت لتقديم قراءة مغايرة لتاريخ المغرب ولحاضره ومستقبله. لقد نجحت الحركة في التأثير في خطاب المجتمع السياسي المغربي ودخلت أفكارها ومفاهيمها لبيانات الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية، ثم للخطب الملكية منذ 1994، وخاصة ابتداء من 2001، إلى أن وصلت للنص الدستوري سنة 2011.
إن الدلالة العميقة لترسيم الأمازيغية في دستور المملكة المغربية تتجاوز بكثير الاعتراف بحق لغة في التواجد، إلى إعادة بوصلة المغرب ليفكر في شخصيته وما يميزه عن العالم وليبحث في تاريخه العريق عن المقومات التي تسمح له بتحقيق الإقلاع المنشود والتموقع في العالم دون تبعية لا للشرق ولا للغرب.
- تحدي العقليات:
إذا كانت الحركة الأمازيغية من خلال عملها الترافعي المدني موازاة مع العمل البحثي العلمي قد نجحت في إقناع الفاعل السياسي بعدالة المطالب الأمازيغية، نتج عنه تحقيق مكاسب لصالح اللغة والثقافة الأمازيغية، فان هذه المكاسب لم يوازيها تغيير بعض العقليات المتواجدة في مختلف مناصب المسؤوليات، والتي لم تكن تعتقد أنه سيأتي يوم سيطالبون فيه بالتعامل مع الأمازيغية باعتبارها “لغة رسمية” للدولة المغربية، حسب منطوق الدستور والقوانين التنظيمية المتعلقة بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية المصادق عليها سنة 2019.
هذه العقليات هي التي تقف حجر عثرة أمام كل تفعيل حقيقي للطابع الرسمي للأمازيغية، إذ نجد أنفسنا أمام وضعية » الموظفون ضد الدولة«Les Fonctionnaires contre l’Etat ، كما عنونت Agnès Verdier-Molinié كتابها الصادر سنة 2011. ولتجاوز هذه الوضعية، نحتاج اليوم لحملة تحسيسية مستمرة وطويلة الأمد في كل وسائل الإعلام الوطنية للتعريف بالوضعية الدستورية الجديدة للغة الأمازيغية، وتداعياتها، كما يجب تنظيم دورات تكوينية لكل العاملين في الإدارات المغربية، عمومية كانت أو خاصة، في موضوع رسمية اللغة الأمازيغية وتبعات ذلك عمليا.
- تحدي “اللهجات” و”اللغة المعيار”، شفويا وكتابة.:
سيظل موضوع “اللهجات” و “اللغة الموحدة” في الأمازيغية مطروحا لعدة عقود، وهذا ليس غريبا، فهو حال كل اللغات المشابهة للأمازيغية، والتي ظلت أساسا طوال تاريخها لغة محكية في شكل “لهجات” و”تنويعات” ولم تخضع قط لمسار التهيئة، كي لا نقول “التوحيد” أو “المعيرة”، كما هو الحال بالنسبة للعربية أو الفرنسية، كما أن مسار “المعيرة” نفسه لا يتم بنفس الطريقة من لغة لأخرى، والتجارب الدولية في هذا المجال متعددة ويمكن الاستئناس بها.
والواضح أن الدولة المغربية استجابت لمطلب الحركة الأمازيغية في السعي ل”معيرة” و”توحيد” اللغة الأمازيغية، من خلال ما يقوم به رسميا المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ تأسيسه سنة 2001، وما قام به بعض الباحثين و المبدعين قبل ذلك من خلال انفتاحهم على باقي اللهجات الأمازيغية، سواء في المغرب أو في باقي بلدان شمال إفريقيا، وسعيهم لاستقراء أمازيغية موحدة من اللهجات المحلية، كما سعى لذلك الأستاذ محمد شفيق منذ مشاركته في الدورة الأولى للجامعة الصيفية سنة 1980، ورسخه في معجمه العربي الأمازيغي في ثلاثة أجزاء.
فاختيار الدولة لنهج “اللغة الأمازيغية المغربية المعيار” يقيها من الإشكالات المحتملة المرتبطة ب”اللغات الجهوية”، وما قد ينتج عنها من نزوعات هوياتية جهوية، تذكرنا بها مناطق مجاورة كالقبايل بالجزائر أو كاطالانيا باسبانيا. فالنص الدستوري وان كان يعترف ب”التعابير اللسنية” الجهوية إلا أنه ينحو منحى “مغربة الأمازيغية”، في شكل (وطنية-nationalisme) مغربية جديدة تجد فيها الأمازيغية مكانتها إلى جانب باقي المكونات والروافد (الإسلام والعربية والحسانية والعبرية والأندلسية…).
يطرح إشكال (اللهجات – اللغة المعيار) في جميع القطاعات، ولتجاوزه لابد من منهجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار سيرورة انتقال الأمازيغية من “المحكي” إلى “المكتوب”، ووجود تنويعات لغوية محلية-جهوية مترسخة، والسعي للوصول مستقبلا للغة معيار ذات عمق مجتمعي، وفي الوقت نفسه ضمان التواصل مع المواطنين لتحقيق أغراضهم. ولابد من التمييز في عملية التواصل هذه بين “الشفوي” و”المكتوب” في الأمازيغية، و يحتاج هذا العمل لجدولة زمنية تعتمد على التدرج لتحقيق الأهداف المسطرة.
فعلى مستوى التواصل الشفوي، الذي يستوجب الفهم الآني، فلامناص من “مقاربة ترابية” باستعمال اللهجات و التنويعات المحلية، حسب ما هو متعارف عليه اليوم من تحديد ثلاثة إلى أربع لهجات كبرى، مع الوعي التام بصعوبة التحديد بدقة للمجال الجغرافي لكل لهجة، وكذا الوضع الخاص للمدن الكبرى كالدار البيضاء أو الرباط التي يصعب إدراجها ضمن مجال لهجة دون أخرى، ويجب أن يؤخذ هذا بعين الاعتبار خلال التعيينات في الإدارات والمؤسسات.
لقد أظهرت تجربة ترجمة الندوات الصحفية الأسبوعية للناطق الرسمي باسم الحكومة الحاجة للتواصل الفوري مع المستمع وإيصاله المعلومة في اللغة التي يفهمها، وفي غياب ذلك فالترجمة لن تؤدي دورها في الإخبار والإعلام وضمان “الحق في المعلومة”. ولتحقيق هذا الهدف لابد من تحديد سقف استعمال الدخيل من العربية أو اللغات الأخرى، الذي يساعد على الفهم، وكذا حدود استعمال المعجم المنقرض أو في طريق الانقراض أو المستحدث.
أما على مستوى المكتوب، فلغة وأسلوب الوثائق الإدارية غير موجودين في أي لهجة أمازيغية، وبالتالي فلا مناص من استحداثه، وهنا يمكن الاعتماد على مقترحات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، باعتباره المؤسسة الوطنية الرسمية المكلفة بالموضوع، أو مقترحات المؤسسات الجامعية بعد الحصول على تأشيرة المعهد، وكذا ما يقترحه المهتمون وما يساهم به المبدعون. كما أن المكتوب يضمن للقارئ فترة زمنية للاستعانة بالمعاجم للبحث عن المضمون. وفي هذه المرحلة لابد من مرافقة الوثائق الأمازيغية بنظيرها بالعربية، كإجراء مرحلي ضروري.
- تحدي تكوين الإداريين في الأمازيغية:
يعتبر تأهيل العنصر البشري الأساس في تفعيل رسمية اللغة الأمازيغية، لكن المسؤول والاداري والموظف و الأعوان يحتاجون للتكوين في هذا المجال. والتكوين في الأمازيغية يمكن أن يتم من خلال عدة مداخل : المدخل القانوني، المدخل الحقوقي و المدخل اللغوي. فالمدخل القانوني يسمح بمعرفة الترسانة القانونية التي على أساسها بدأ استعمال الأمازيغية في الإدارة المغربية وفي كل مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
ومن خلال هذا المدخل يعي الموظف أن استعماله للأمازيغية فيه احترام للقانون. أما المدخل الحقوقي، وله علاقة بالمدخل السابق، فيسمح بمعرفة علاقة استعمال الأمازيغية في الإدارة باحترام حقوق الإنسان والمواطنة كما تضمنها المواثيق الدولية، وليس عملا احسانيا اتجاه شخص لا يتقن العربية. فاستعمال الأمازيغية في الإدارة ليس إجراء استثنائيا موجها لمن لا يتقن العربية، بل تفعيلا لنص دستوري الذي يعطي للأمازيغية وضعية “لغة رسمية”. أما المدخل اللغوي فيسعى لإعطاء الموظفين دروسا في اللغة الأمازيغية، كما يجب أن تدرج هذه المادة في كل المدارس العليا والمعاهد التي يتخرج منها الإداريون.
- تحدي إنجاح ورش تدريس الأمازيغية:
يبقى ورش تدريس الأمازيغية من أهم الأوراش التي يجب بالضرورة إنجاحها، لأن في ذلك تأسيس حقيقي لتفعيل رسمية الأمازيغية. فليست هناك لغة رسمية في العالم لا تدرس في مختلف مستويات التعليم، كما أن مختلف الإشكالات المرتبطة ب”اللهجات”” واللغة المعيار” تحل أساسا من المدرسة. وقد بينت تجربة تدريس الأمازيغية بين 2003 و 2008 إمكانية إنجاح هذا الورش قبل أن تعود بعض العقليات التي لم تستوعب بعد الموضوع فبدأت عرقلة هذه التجربة الرائدة. وهي نفس العقليات التي أخرت المصادقة على القوانين التنظيمية لتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية طيلة 9 سنوات (2011-2019).
وفي هذا الإطار لابد من فتح شعب الدراسات الأمازيغية في كل الجامعات المغربية وفي المدارس العليا للتربية والتكوين لتخريج الأطر الكفيلة بإنجاح تعميم تدريس الأمازيغية في الآجال المحددة في القانون التنظيمي. ولا يمكن لهذا التدريس أن يحقق أهدافه إذا لم يتم ربطه بسوق الشغل وبالترقية الاجتماعية.
- أي دور للإعلام؟
من سوء حظ الإعلام الأمازيغي اليوم أن وجد في سياق وطني ودولي يتسم بالمنافسة الشديدة بين مختلف القنوات والإذاعات. إنها منافسة غير متوازنة بين إعلام بلغات معينة، مدعم سياسيا واقتصاديا وإعلام غير مدعم وناطق بلغات محددة يعاني الأمرين ليجد لنفسه مكانا في السوق الإعلامية. والإعلام الأمازيغي في صيغته الحالية لا يمكنه دخول غمار المنافسة لا وطنيا ولا دوليا. ولعل حرمان الإعلام الأمازيغي من الدعم اللازم والتكوين الضروري جعل تنافسيته ضعيفة جدا، ويكاد يكون موجها لمن لا يتقن إلا الأمازيغية، وهم قلة.
لا أتحدث هنا عن الإعلام المكتوب لضعف (أو انعدام) المقروئية بالأمازيغية، بل عن الإعلام المسموع والمرئي. ولذلك نحتاج في إطار هذه “النهضة الأمازيغية” لإعلام أمازيغي قوي وبمعايير دولية يساهم من جهة في لعب دوره الإعلامي ومن جهة أخرى في تنمية وتطوير اللغة الأمازيغية، خاصة في ما يخص تدريس الأمازيغية و التقريب بين لهجاتها، والمساهمة في تهيئتها وبذلك سيساهم بدوره في المسار الساعي لمعيرة اللغة الأمازيغية.
- من المستهدف؟
غالبا ما نتجنب طرح هذا السؤال أثناء الحديث عن ترسيم الأمازيغية، وان كان الجواب المضمر هو “الناطقون بالأمازيغية” وأحيانا “الناطقون بالأمازيغية فقط”، أي الذي لا يتقنون لغة أخرى غير الأمازيغية، التي تحيل عمليا ل “إحدى لهجاتها”، لكن هذا الطرح “اثني” ويحيل على وجود مجموعة بشرية لها لغتها الخاصة، متميزة عن باقي أعضاء المجتمع. لقد انتبه المشرع لهذا الأمر، ولذلك تحدث الدستور عن الأمازيغية واعتبرها إرثا لجميع المغاربة وتجنب كل حديث عن الأمازيغ باعتبارهم مجموعة بشرية. ومن هذا المنطلق فالمستهدف في ترسيم الأمازيغية، وان طرحه بدءا الناطقون، هو مجموع المغاربة. وعليه فالأفق المنشود هو أن يعرف جميع المغاربة اللغتين الرسميتين، العربية والأمازيغية، وآنذاك سيكون لهم الاختيار في استعمال إحداهما أو كلاهما في الحياة العامة.
لكن إذا كان هذا هو المأمول فالواقع السوسيو لسني اليوم شيء آخر. فالذين لا يتقنون إلا الأمازيغية (في إحدى لهجاتها) قلة قليلة، وأغلب الناطقين بالأمازيغية يتقنون أيضا الدارجة المغربية، أي مزدوجي اللغة، وقد يتقنون العربية الفصحى ولغات أخرى. وفي المقابل غياب الأمازيغية في المسار الدراسي للمغاربة حرم غير الناطقين من تعلم هذه اللغة، كما تعلم الأمازيغ العربية من المدرسة. وبناء عليه، فالمستهدف مرحليا من ترسيم الأمازيغية هم أولا الناطقون بالأمازيغية والراغبين في استعمالها في مختلف مجالات الحياة العامة، شفويا وكتابة.
لكن التحولات التي تعرفها الأمازيغية اليوم ورغبتها في أن تكون لغة الإدارة، فرض استعمال لغة مليئة بالمستحدث من المعجم مما يعيق التواصل مع المرتفق ولو كان ناطقا بالأمازيغية. ولذلك فالنوع الثاني من المستهدفين هم المواطنون الذين سيدرسون الأمازيغية في مسارهم التعليمي وسيتمكنوا بذلك من معجمها القديم والحديث. هؤلاء نظريا سيوجدون مستقبلا.
- تشجيع الإنتاج الثقافي الأمازيغي:
لا يجب الاعتقاد بأن وجود نص دستوري يعترف بالأمازيغية على أهميته قد يحل كل المشاكل المرتبطة بهذه اللغة، فقد يتم التراجع عن ذلك في أي وقت، كما أن الكتابة بالأمازيغية لا يضمن بالضرورة بقاءها مستقبلا، فاللاتينية كانت لغة مكتوبة ومع ذلك لا تستعمل اليوم إلا في مجالات جد محدودة، ولا يتقنها إلا المتخصصون، والشيء نفسه يمكن قوله عن لغة الفراعنة. أما وضعية اللغة العربية، ذات الدعم السياسي والمالي والديني، فتستحق الكثير من الانتباه. ولذلك مستقبل الأمازيغية رهين أيضا بوجود حاضنة اجتماعية ودينامية إبداعية في مختلف المجالات، بدءا بالأنماط الثقافية التقليدية، ووصولا لمختلف الإبداعات العصرية، مع ضرورة الاستفادة مما توفره التقنيات الحديثة.
ختاما لابد من التذكير بأن موضوع تنمية وتطوير لغة ما لتكون لغة رسمية فعليا يحتاج لصيرورة زمنية قد تكون طويلة، لكن تتحكم فيها الاختيارات السياسية والديناميات المجتمعية وطبيعة التنافس في السوق اللغوية، والرهانات الاقتصادية، كما قد تلجأ بعض الدول، المعتزة بلغاتها، لخيار اللغات الوظيفية، فتحدد لكل لغة وظيفة معينة في المجتمع، فتضمن لها شروط البقاء والتطور.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.