أعطاب المنظومة التعليمية..وصف تشخيصي ووصفة علاجية

ملامسة أولية لكتاب الأستاذ حسن أوريد «من أجل ثورة ثقافية في المغرب»

أزول بريس – بقلم ذ. حميد منسوم

ورقة قُدّمت في اللقاء الثقافي المفتوح الخاص بكتاب «من أجل ثورة ثقافية بالمغرب» والذي نظم يوم الجمعة 4 يونيو2021 من طرف مركز التنمية لجهة تانسيفت، وجمعية تراثيات بشراكة مع المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمراكش. وساهم في التأطير إلى جانب الأستاذ حسن أوريد كل من الدكتور محمد الطوكي، والدكتور جمال الدين الأحمدي، والأستاذ حكيم الصراخ، والأستاذ حميد منسوم.

من اجل ثورة ثقافية ..حسن أوريد

1) دواعي الاختيار: في الثقافة لا يكون اختيار كتاب معين اعتباطيا، بل تتحكم فيه اعتبارات معينة. والكتاب المشار إليه أعلاه لا يشذ عن هذه القاعدة. إذ تحكمت في اختياره بعض الاعتبارات نذكر منها:

*الاعتبار الأول : مرتبط بالمؤلف. فالأستاذ حسن أوريد يتفرد بتعاطيه مع إشكالياتنا المصيرية بالجمع بين برودة البحث الأكاديمي، وحرارة الصدق الوطني، مع تسلحه بعتاد معرفي متين وتكوين علمي رصين. زاد من عمقه حسه التاريخي وتجربته الديبلوماسية، فضلا عن حذقه لأربع لغات. دون أن يكون كل ذلك مدعاة للانتفاش والتطاوس.

*الاعتبار الثاني : وهو مرتبط بالكتاب. إذ خلافا للمقاربة الانتقادية ذات النبرة الاحتجاجية فقط، تميز الكتاب بمقاربة تنتقد بالبدائل الاقتراحية، وتجمع بين الوصف التشخيصي والوصفة العلاجية لبعض أعطابنا الثقافية والتربوية وبيان ذلك كالاتي:

2) بعض أعطابنا الثقافية: وهي ترد في الكتاب إما تصريحا أو تلميحا ومن مظاهرها:

*تطهير الذات وإلقاء المسؤولية على الآخر.

*ممارسة تدين بدون أخلاق مدنية.

*التعايش مع شكيزوفرينيا غير مفهومة، تعتبر تقنية الغرب نعمة والفكر الذي كان وراءها نقمة وهو ما يعني الرغبة في قطف الثمار والرهبة من زرع البذور. يقول الأستاذ حسن أوريد: «نتقن بعض التقنيات ونهزأ بالقوام الفكري» ص26

*التطبيع مع الاحتيال والغش ومحاربة ثقافة الاستحقاق. يقول في ص 132: «لا مكان للعيش سوى للشطارة (التنوعير) والخديعة والاحتيال (التقوليب) أما الذين يؤمنون بقيم الجد والإخلاص، فيشعرون وكأنهم غرباء، وينظر إليهم نظرة ملؤها الزراية (كامبويات )…»

3) بعض أعطاب منظومتنا التعليمية في كتاب الأستاذ حسن أوريد. يمكن أن نذكر منها:

* الاستمرار في دورة سيزيفية ابتذل معها مفهوم الإصلاح منذ المبادئ الأربعة (تعميم، توحيد، مغربة، التعريب)، ومناظرات المعمورة، وايفران1و2 ، وانتهاء بالقانون الإطار، مرورا بميثاق التربية والتكوين والرؤية الاستراتيجية.

* تكييف الزمن التعليمي الطويل الأمد والمرتبط برهانات كبرى مع الزمن السياسي القصير الأمد والمحكوم بحسابات صغرى. ومن أمثلة ذلك: إغلاق معهد السوسيولوجيا، وحذف تدريس الفلسفة خلال فترة المد اليساري، ووضع مادة التربية الإسلامية تحت المجهر مع صعود الإسلام الحزبي. وها نحن اليوم- والحدث لازال طازجا- نحذف  في الجامعة مادة حقوق الإنسان لنعوضها بدروس حول العيش المشترك!!!!! بعد التطبيع الرسمي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

* استمرار التجاذبات السياسية في تناول بعض القضايا المرتبطة بمنظومتنا التربوية مثل تموين التعليم، ولغة التدريس وتدريس اللغات حيث يحضر العويل الإيديولوجي ويغيب النقاش العلمي.

* عدم الحسم في وظيفة معينة للمدرسة هل هي تكوين للأطر، أم سلم للارتقاء الاجتماعي وتوسيع وعاء الطبقة الوسطى، أم فضاء للتربية على قيم السلوك المدني، أم قاطرة للتنمية، أم استجابة لحاجة السوق؟؟؟

*إخضاع المنظومة التعليمية لإملاءات واشتراطات صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي، وانتداب (خبراء) محليين أو دوليين لتسويغ ذلك بمقاربة تكنوقراطية أو تجزيئية أو استنساخية.

* اتساع الفجوة بين مدارس تستثمر آخر الصيحات الرقمية واللوحات الإلكترونية. ومدارس تفتقر إلى أدنى التجهيزات الأولية والمرافق الضرورية.

*تحول الجامعة إلى فضاء لاحتضان من رفضتهم المؤسسات والمعاهد ذات الاستقطاب المحدود.

*السعي الحثيث نحو تسليع التعليم تحت يافطة (المقاولات التربوية)

4) الوصفة العلاجية أو البدائل الاقتراحية عند الأستاذ حسن أوريد:

يقول في ص 338 «إن عملية التربية مرتبطة بطموح جماعي. وإن هذا الطموح الجماعي لا يعفي من أسئلة وجودية. وإننا إذ نحدد الغاية ننكب على الوسيلة. ثم نعرض لوظائفها وأعضائها، دون أن نذهل عن السياق العام. وبعدئذ نعرض لمكونات التربية ونفككها ونقف على مواطن قوتها وضعفها. مع العلم بأنها متداخلة فيما بينها. ومهما أوتينا من وسائل فإن ذلك لن يفيد إن انتفت العزيمة وذوت القريحة».

هذه الفقرة في نظري المتواضع تختزل من جهة هندسة الكتاب بأبوابه الخمسة وفصوله التسعة والعشرين، ومن جهة أخرى تقدم الوصفة العلاجية والبدائل الاقتراحية عند الأستاذ، والتي يمكن الوقوف عند بعضها كالاتي:

أ) الانطلاق من أسئلة وجودية من قبيل : من نحن؟ وماذا نريد؟ ترسم لنا هوية مرنة وغاية محددة وتجعلنا نعيش أصالتنا بدون انغلاق وحداثتنا بدون تغريب، حتى«نكون جزءا من التجربة الكونية ونستوعب ما انتهت إليه» ص 25.

ب) ربط إصلاح المنظومة التعليمية بثورة ثقافية ناعمة أساسها منطق العصر الحديث، وبوصلتها الموجهة ما سماه الأستاذ أوريد بالطموح الجماعي الذي يساهم فيه الجميع بحماس تهييئا ونقاشا وإنجازا وتتبعا وتقويما. ولِمَ لا مساءلة ومحاسبة.

ج) الربط المتماسك بين الإيقاعات المدرسية والحياة المدرسية، وبين المناهج والتقويم وبين كفاءة المدرس وأخلاقيات المهنة، وبين المردودية والارتقاء المهني.

د) جعل الإداريات في خدمة التربويات وليس العكس والاشتغال بيداغوجيا وديداكتيكيا بعقلية الفريق التربوي مع استثمار العلاقة مع هيئة المراقبة التربوية في تجويد الممارسة الصفية عوض الاقتصار على الزيارات الروتينية.

ه) فرض تعليم مدني معمم وترك التربية الدينية اختيارا أسريا مع تتبع مسار التلميذ من الروض إلى الثانوي التأهيلي بتوجيه محكوم بضوابط بيداغوجية وليس بتقويمات دورية، أو رغبات أسرية، أو اختيارات مزاجية.

و) يستحسن أن تكون للمدارس ذاكرة تربوية عبر حملها لأسماء من مَرَّ منها من النّبغاء أو العلماء أو المبدعين أو أسماء تنتمي للفكر الإنساني بقطع النظر عن دياناتهم وأعراقهم.

ز) اعتبار المتعلم إنسانا وليس آلة مبرمجة، وعلى المدرسة أن تربي فيه الانضباط والأخلاق المدنية والحس النقدي ومراجعة المسلمات. يقول الأستاذ حسن أوريد «ينبغي أن نضع نصب أعيننا أن المتعلم إنسان وليس آلة…..من أجل ذلك توجب أن تكون المدرسة إطارا للتنشئة على الأخلاق وأداة للتفكر وإعادة النظر في المسلمات. عوض الارتكان لحقائق مطلقة» ص 134.

ح) التمييز بين التعليم الذي يستهدف تلميذ اليوم، والتربية التي تستشرف مواطن الغد بمواطنة كاملة لا تستقيم إلا في دولة ترتكز على القانون والمؤسسات وليس على مزاج الأوامر والتعليمات. يقول الأستاذ حسن أوريد «لايمكن أن نتحدث عن مواطنة في ظل مفهوم الرعية: يعزل شخص لغير سبب، وتمنح إكرامية لغير وجه، ويغتني شخص بناء على ريع تم التفضل به عليه، وليس جهدا قام به» ص133.

الخلاصة:

لا إصلاح تربوي بدون ثورة ثقافية تغير الذهنيات والسلوكيات، ولا ثورة ثقافية بدون طموح جماعي.

ذلك ما أوصلتني اليه امكانياتي المتواضعة في ملامسة هذا الكتاب النوعي الذي توأم بين دقة التشخيص وجدة الاقتراح ،مستلهما تجارب تاريخية جعلت من لحظة انكسارها حافزا لإطلاق نهضتها (بروسيا+فرنسا+اليابان). فهل يمكن أن ينسحب الأمر على مغربنا الحبيب؟

بتواضع المثقف النقدي يجيب الأستاذ حسن أوريد بأن الأمر ممكن، اذا انطلقنا من استقامة وطنية جماعية وغلبنا إرادة التفاؤل على تشاؤم العقل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد