أسكت وإلا قتلتك
تقوم حكايات ألف ليلة وليلة على معادلة الحكي مقابل الحياة، وهي معادلة يوجزها عبد الفتاح كيليطو في عبارة “احك حكاية وإلا قتلتك !”، فلكي تحافظ شهرزاد على حياتها لجأت إلى الحكي اللانهائي الذي يجعل الحياة مستمرة والموت أمرا مؤجلا.
في الأوضاع المزرية التي يتخبط فيها المسلمون اليوم، انقلبت الآية، فأصبح الكلام مؤذنا بالنهاية، وأصبح الصمت “حكمة” تضمن الفوز والنجاة، هذه الوضعية تختزلها العبارة الإرهابية “أسكت وإلا قتلتك! “، التي جعلت الكثير من المثقفين والسياسيين والنقابيين والفنانين وعناصر القوى الحية ملزمة بالتزام الصمت أمام زحف الظلام والتخلف على مجتمعاتهم، بل وأكثر من ذلك، على مجتمعات العالم.
في حالة العديد من الكتاب والفنانين والمثقفين المغاربة والمغاربيين، يتضح أن هناك من يبشر بتجارة الموت ضدا على العقل وملكة الإبداع المتأصلة في النفس البشرية، فيعمد إلى التهديد والتحريض بكل الأساليب غير الشريفة، فهذا أحد المعتوهين من التيار السلفي المتطرف (والذي تبيّن في الصحافة الجزائرية بأنه كان عميلا للمخابرات) يدعو الدولة الجزائرية إلى قتل الكاتب كمال داوود الفائز بجائزة كونكور الأدبية الرفيعة، لمجرد أنه عبّر عن رأيه ضدّ التشدّد الديني في حوار تلفزي بوضوح وصدق، والإرهابي يعلم بأن الدولة الجزائرية لا يمكن أن تقتل الكاتب المذكور بسبب آرائه، وأن زمن القتل المشرعن بالطريقة التي يريدها المتطرفون قد ولت ولن تعود، ولكنها طريقة لتأليب الآخرين من الأفراد عليه، وقول: أسكت وإلا قتلتك !
التقيت أمام محطة القطار بمواطن لا أعرفه، شدّ على يدي بحرارة وتلفظ ببعض عبارات التشجيع، قبل أن يردف متسائلا في لهجة ساخرة: لماذا الإسلاميون وحدهم من يهدّد بالقتل دائما، ويعتبرون اغتيال الآخرين حقا من حقوقهم ؟ لماذا لا يقوم مواطنون من التيار العلماني بدورهم بوضع لوائح لاغتيال الإسلاميين حتى نتعادل ؟ قلت هذا غير ممكن وغير ضروري لسبب بسيط: لأن قوتنا في بقائهم، ومصداقيتنا في حريتهم، فهم الذين يعطون حياتنا وكفاحنا معنى، وكلما ازداد شغبهم علينا كلما ازددنا إصرارا على إظهار أخطائهم، وكلما مارسوا التحريض والتهييج جعلونا نبحث عن الحجة بالعقل، فترجح كفتنا على كفتهم، وهم يلجئون إلى العنف اللفظي والمادي من منطلق الشعور بالضعف لا بالقوة، فهشاشة الرأي والموقف، مع أعطاب الفكر، وغياب النموذج الإيجابي، وفشل التجارب المتلاحقة، تجعلهم يعتقدون بأن الأسلوب الوحيد الذي يمكنهم من فرض رأيهم على الناس هو انتهاج طريق العنف، وهم بذلك يمارسون انتحارا جماعيا، فسواء منهم الممارسون الفعليون للعنف، أو الصامتون من التيار الانتخابي السياسي الذين يستفيدون من الإرهاب ولا يقومون أبدا بإدانته، فإن أول ضحايا العنف هم القائمون به والمبادرون إليه.
“أسكت وإلا قتلتك !” رمز لمرحلة خبا فيها نور العقل، واستأسد الجهل مدجّجا بسلاحه القديم: العنف والترهيب، وبسلاحه الجديد: أموال البترول. لكن التاريخ علمنا أن النكسات ليست نهاية التاريخ، وأن بعد كل عاصفة عابرة يوجد خصب وصفاء، وبعد اكفهرار الأجواء تنبلج الشمس ساطعة لينعم بدفئها جميع أبناء الأرض، سواء منهم الذين لعنوا الظلام، أو الذين بشروا به.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.