أسطورة “حمو أنامير” و قضيتنا الوطنية .
أزول بريس – الحسن زهور. //
قد يتساءل القارئ : ما علاقة أسطورة حمو أنامير الامازيغية بقضيتنا الوطنية؟ نعم له الحق في ذلك، لأن اساطيرنا المغربية لا تدرس في المدارس، فلو درست لناشئتنا الى جانب تدريس تاريخنا المغربي قبل الاسلام لما رأينا الكثير ممن دوختهم ايديولوجية الشرق القومية منها و الاسلامية يديرون الآن ظهورهم لمصلحة وطنهم العليا مفضلين عليه مصلحة وطن آخر يدينون له بالولاء الايديولوجي القومي او الديني. ف ” الشعب الذي لا أساطير له يموت من البرد” كما قال الشاعر الفرنسي باتريس دولاتور دوبان.
أسطورة “حمو أنامير” او “حماد أنامير” الأمازيغية التي رويت لنا و نحن صغار -و ما زالت تروى- و تشبعنا بتمثلاتها و بقيمها التي تغرس في الانسان طفلا او بالغا حب الارتباط بأرضه و بوطنه.
تتحدث هذه الأسطورة الامازيغية عن قصة إنسانية و سماوية ربط فيها الحب الاسمى بين حمو أنامير الانسان و “تانيرت” الملكة السماوية. تحن الملكة الى سمائها و تترك حمو أناميرا وحيدا يقتله الحب، و بلغ به سمو الحب وجنونه الى ان يهجر بلده و امه و اهله منتديات حصانه قاطعا الجبال و السهول و البراري باحثا عمن يحمله الى السماء السابعة حيث حبيبته، واثناء تيهه و بحثه يجد عقابا و يشترط عليه الاخير ان يضحي بفرسه العزيز عليه ليوصله الى السماء السابعة.
هنا يقف أنامير حائرا بين حب أحبائه في الارض و حب حبيبته السماوية, لكن حب من في السماء ينتصر على حب من في الارض. و بعد مخاطر يوصل العقاب ” أنامير” الى السماء السابعة, فيلتقي مع ملكته و يعيش معها في قصر من قصور الجنة. هنا يقف الزمن في هذه السعادة السماوية التي يعيشها أنامير، لكن في لحظة ما من لحظات حب الاستطلاع و المعرفة التي تمتلئ “أنامير” الانسان – مثلما انتاب امه الاولى حواء التي دفعها حب المعرفة و الاكتشاف الى أكل التفاحة، فخدمت بذلك البشريةاعظم خدمة، إذ لولا حب المعرفة هذه لما وجدت البشرية على الاطلاق – أطل ” حمو أنامير” في ثقب في حديقة القصر، سبق لملكته ان حذرته من الاقتراب منه، فماذا رأى؟
رأى تحته الارض و أمه الحزينة تمسك كبش العيد تنادي على ابنها حمو أنامير باكية، فنزع عمامته فاسقطها علها تصل اليها كعلامة منه، فلم تصل، و أسقط خنجره الامازيغي ” تازيت” فلم يصل، و أسقط جلبابه فلم يصل، إذ ذاك لم يجد بدا من ان يسقط ليصل إلى امه، لكن هيهات، و هيهات فطول المسافة بين السماء و الارض حالتي دون الوصول، لم تصل الى الارض الا نقطة دم من حمو أنامير.
العيش في الجنة بنعيمها و ابديتها مع حبيبته لم يشغل حمو أنامير عن حب امه الارض، لذلك ضحى بالجنة و بحبه و بنفسه من اجل أمه الارض و من اجل وطنه. فإذا كان الشاعر احمد شوقي في احد ابياته الخالدة يقول:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني اليه في الخلد نفسي.
حمو أنامير، لم تنازعه نفسه في جنة الخلد الى وطنه فقط ، بل تخلى عن الخلد و عن الحب و عن حياته و وهبها لأرضه ولوطنه، و هذا هو اسمى علاقة تربط الانسان بالارض و الوطن كما تعلمه هذه لنا الأسطورة.
لتكن هذه الأسطورة درسا وطنيا و انسانيا لهؤلاء المغاربة المهووسين ايديولوجيا بالشرق و بقضاياه على حساب مصلحة وطنهم. ليحمل كل منا نفحة من ” حمو أنامير”, و لتدخل هذه الأسطورة الى مدارسنا و مؤسساتنا التعليمية ليتعلم منها وبها ناشئتنا حب الارض و حب الوطن. فالوطن ليس راية، و لا بطاقة و لا هوية في ” الحالة المدنية” إنه انتماء الى هذه الارض والى ثقافتها و حضارتها، و لا مصلحة تعلو على مصلحته و حبه.
ملاحظة:
هذه الأسطورة من اشهر الاساطير الأمازيغية دونها المستمزغون ك” إميل لاوست” و غيره، و دونها الاستاذ عبد العزيز بوراس في كتاب سماه ” أسطورة حمو أمير” 1991؛ و اعادة تدوينها العديد من الباحثين و وظفها العديد من الكتاب في ابداعاتهم، و تخصص في دراستها الاستاذ الحسين باحسين الذي كتب عنها الكثير من المقالات و الدراسات…
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.