جبهة العمل السياسي الأمازيغي، هي مبادرة جماعية خلقت من قبل مجموعة من فعاليات الحركة الأمازيغية بالمغرب، تتلخص غاياتها او استراتيجتها على المدى القريب، في التحسيس بمنسوب المخاطر التي تزداد حدتها ضد حياة الأمازيغية والحركة الأمازيغية معا، بالرغم من دسترة الأولى وعراقة نضالية الثانية، من جهة. ومن جهة، اخرى ستسعى الى توسيع فضاءات النقاش العام حول ملحاحية أو لنقل حتمية الحسم الآن وليس غدا في سؤال المشاركة السياسية المباشرة للحركة الأمازيغية، أو التحول الى الإنخراط في العمل السياسي المباشر بآفاقه التنظيمية والمؤسسايتة، والغاية الكبرى هي ضمان وتيرة قوية للعمل الأمازيغي داخل المؤسسات، الأمر الذي من شأنه أن يعطي أيضا قوة رمزية ومادية لعموم مكونات الحركة الأمازيغية.
في هذا السياق، نظمت ” جبهة العمل السّياسي الأمازيغي ” عدة لقاءات ومشاورات دورية منتظمة، ضمت مجموعة من مناضلي القضية الأمازيغية على المستوى الوطني، تناولت فيها ومن خلالها وضعية القضية الأمازيغية بالمغرب في إرتباطاتها بمختلف اطياف المجتمع ومؤسسات الدولة، و ما يرافق ذلك من تراجعات خطيرة تحاول إقبار كل إنصاف حقيقي للأمازيغية لغة و ثقافة وهوية.
وقد توقفت جبهة العمل السياسي الأمازيغي بشكل عميق عند الهوة الكبيرة بين الخطابات الرسمية وشبه الرسمية، والممارسات التي تناقض ذلك على المستوى المؤسساتي، كما توقفت عند الأسباب التي طبعت سلوكات بعض الهيآت الحزبية ومعه عدد من مؤسسات الدولة اتجاه الأمازيغية كلغة وثقافة وحضارة وكحق من حقوق الإنسان العادلة والمشروعة و كونها رصيدا مشتركا لكل المغاربة، ومع تواتر هذا التعاطي و الممارسات السلبية مع القضية الأمازيغية بقيت معه مؤسسات الدولة على علاقة جد متوترة وصدامية مع مختلف أطياف الحركة الأمازيغية بالمغرب، كما سجلت جبهة العمل السياسي الأمازيغي أن توتر هذه العلاقة ليس وليد ما بعد مرحلة الإستقلال 1956، وإنما تتجاوزه إلى مرحلة أعمق في تاريخ المغرب المعاصر إلى مرحلة الحماية 1912. فإبان هذه المرحلة بالذات بدأت عمليات تفتيت وتفكيك وتدمير البنيات الإجتماعية والثقافية الأمازيغية بالمغرب، حيث راهن نظام الحماية إذ ذاك على نخب إختارها بعناية كبيرة من الفئات المؤيدة لمعاهدة الحماية و من المحميين القنصليين، وصعد بها إلى واجهة الساحة السياسية في الثلاثينيات الأربعينيات، وفي الخمسينيات على وجه التحديد. وإتخذ نظام الحماية من هذه النخب السياسية والحزبية المطيعة محاوراً ومفاوضا له لوضع ترتيبات وإجراءات إنهاء نظام الحماية ليسلمها سنة 1956 مغرباً يضمن للطرفين مصالحهما السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية…
الآن، وبعد ترسيم الأمازيغية لغة رسمية بما له وما عليه، علاوة على صدور القانون التنظيمي لتفعيلها، يمكن لأي متتبع ان يلاحظ القصور الحاصل في سيرورة العمل الأمازيغي وخاصة الجمعوي منه، لأسباب عدة اهمها ارتهان خطابها بمرحلة ما قبل دستور 2011، وتواتر تراجع اداء الجمعيات في مجال الترافع على الأقل بالنسبة للثلاث سنوات الأخيرة، علاوة على البلوكاج الحاصل في اختراق مطالبنا وانتظاراتنا للنسيج الحزبي والمؤسساتي، ولعل ما يحدث للأمازيغية بمختلف المؤسسات المنتخبة منها والمعينة لخير دليل على ذلك.
هذه الخلاصة التاريخ- سياسية التي خلصت لها جبهة العمل السياسي الامازيغي، تطرحها وتعرضها على كل مكونات الحركة الأمازيغية وعموم الشعب المغربي ومؤسساته السياسية والحزبية والجمعوية، قصد الإطلاع عليها ومناقشتها، والتفكير في أزيد من قرن من معاناة وتفقير للأمازيغية وإحتقارها ونزع الأراضي وتهجير وتهميش الامازيغية في شموليتها بدءاً مع نظام الحماية وإنتهاءا مع النخب السياسية والحزبية التي تولت تدبير وتسيير الشأن العام بالمغرب في مرحلة الإستقلال، مرحلة طبعتها مواقف سلبية صريحة عبّر عنها عدد من الرموز الذين صنعتهم فرنسا وقلدتهم مقاليد الإدارة و بعض الأحزاب بعدما فشلوا في انتزاع مقاليد الحكم، مواقف صادرة عن شخصيات رسمت معالم الهوية الوطنية للمغرب الرسمي ووجهته إلى الإهتمام بالمشرق ثقافيا وصوب فرنسا إقتصاديا و بينهما ضاعت الهوية المغربية الحقيقية و معها النموذج التنموي المأمول.
وعليه، فإننا نرى في جبهة العمل السياسي الأمازيغي أن الشعب المغربي قد تعرض لأكبر عملية قرصنة وسطو هوياتي أسست له فرنسا خلال الحماية و أكمله أبناؤها من التشريقيين و التغربيين بعدها، الأمر الذي يدفعنا للقول بأن المغرب صار ملزما الآن و قبل الغد بتعاقد إجتماعي وسياسي جديد، يعيد ربط خيوط الماضي بالحاضر وإستعادة هوية البلد وعمقه الحضاري الأمازيغي الإفريقي الأصيل من إجل إستشراف مغرب جديد قوامه التعددية والتنوع في إطار الوحدة بغية التأسيس لنموذج تنموي جديد ورائد يستحضر أسس العمق الهوياتي للمغرب وخلفيته التاريخية والجغرافية والحضارية، لضمان إندماج إجتماعي وثقافي لجميع مكونات وطاقات وكفاءات البلد على قدم المساواة و لا تفضيل لأحد على الآخر الى بمبدأ الإستحقاق و الوطنية الحقة، نموذج تنموي جديد يربط الماضي المجيد بالحاضر لاستشراف المستقبل المبني على أسس العمق الهوياتي الأمازيغي الإفريقي لبلادنا.. والقطع مع كل إديولوجيات الإقصاء و دعاة الإنغلاق وسرقة الإرث الثقافي والحضاري وإسهامات المغاربة في الحضارة الإنسانية العالمية.
في هذا السياق، لابد من التذكير بان الحركة الأمازيغية انبثقت كحركة رافضة لكل محاولات النفي والإستيلاب الضاربة في التراكم الحضاري المغربي عبر إلحاقه بكيانات هلامية و جعله تابعا للشرق أو الغرب، هذا الرفض الأمازيغي اتخذ أوجها عدة ما بين الأكاديمي العلمي و النضالي الإحتجاجي وكذا الجمعوي الترافعي… مع دعوات متكررة لفتح جبهة العمل السياسي – الحزبي – سواء من خلال انخراط بعض المناضلين سابقا في بعض الأحزاب أو من خلال محاولات متكررة لتأسيس حزب بمرجعية أمازيغية، لكن هذه الأخيرة لم يكتب لها الى الآن التحقق على ارض الواقع، لدواعي ذاتية و أخرى موضوعية، الأمر الذي جعل الأمازيغية او بالأحرى مناضليها غائبين عن الميدان المؤسساتي و الذي دفعت الأمازيغية ضريبته غاليا ( مجمل السياسات العمومية ، قرارات وتدابير الجماعات الترابية ، الجوانب التشريعية ومنها على سبيل المثال؛ القانون التنظيمي، القانون الإطار للتربية والتكوين، قانون بنك المغرب، القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات، …) حيث تكررت التراجعات والتأويلات المغرضة لأعداء الأمازيغية للسياسات العمومية وللنصوص التشريعية قصد كبح كل تصالح للمغرب مع هويته الحقيقية.
وإذ تستحضر جبهة العمل السياسي الأمازيغي كل هذه المحطات و ما سبقها و ما قد يلحقها في حالة ترك المعترك السياسي المباشر فارغا، فإنها أصبحت ترى أن الوقت قد حان و قبل أي وقت مضى من أجل أن يتحلى مناضلوا القضية الأمازيغية المؤمنون بالعمل السياسي المباشر المؤسساتي، إلى فتح جبهة جديدة من جبهات النضال الأمازيغي الطويل و الشاق دون تبخيس أو انتقاص من حقول النضال الأخرى، فالجبهة بذلك ليست بديلا لأية تصورات أو مبادرات أمازيغية أخرى، ولكنها في الجوهر سد لثغرة كبيرة طالما عانت الأمازيغية بسببها، كما أن الجبهة و سياقها هي تعامل مع ما هو كائن دون نفي لما هو ممكن، و تبقى هذه المبادرة مفتوحة أمام كل الذوات الأمازيغية المناضلة بشتى تلاوينها و التي ترى في العمل السياسي واجهة مهمة لتصريف الخطاب والمطلب الأمازيغي و تنزيله عبر المؤسسات.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.