أدلجة الوسيلة: تجزئة الفرد ورقمنة الواقع*

توطئة:

يوجد ما يشبه الإجماع أن وسائل التواصل الاجتماعي

لها تأثير عميق جداً على حياتنا الراهنة

يوجد ما يشبه الإجماع أن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير عميق جداً على حياتنا الراهنة؛ يختلف عن كل ما شهدته أجيال عن الحقب التاريخية الماضية من مؤثرات. فالعالم، الذي نراه على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي ليس واقعاً حقيقياً ولا تجسيداً نموذجياً لحياتنا، وإنما هي ملاذات “هشة” يجري رقمنتها عبر مواضعات معيارية نقحم فيها ذواتنا الحقيقية بنوايا مختلفة؛ لتنقسم إلى صور رمزية عبر الإنترنت. وإذا كان مارشال ماكلوهان قد استخدم مصطلح “الوسيلة هي الرسالة” للإشارة إلى أن كل وسيلة تستحدث تخلق “بيئة ثقافية”، أو أيديولوجية، جديدة لأنها وسيط يحمل رسالة مصدر قد لا يكون معلوماً في كل الأحوال. وتستغل الوسيلة للدلالة على كل من محتوى رسالة الوسيط “الوسيلة”، التي يمكن استيعابها بسهولة، وخصائص الوسيط “المصدر” كرسالة أخرى يمكن التغاضي عنها بقرار المتلقي. وما يمكن إعفاء ماكلوهن عن تداركه هو أن الترابط الوثيق، الذي أوجدته وسائل التواصل الاجتماعي بين الوسيطين؛ الوسيلة والمصدر، وتسخير الثاني للأولى في إحداث الأثر التحويلي بعيد المدى، والذي يبقى في وعي الأفراد والجماعات، ويشكل تصوراتهم للواقع. فقد جعلت وسائل التواصل الاجتماعي شعور الأفراد بـ”ّذواتهم” الخاصة غير واضح، إذ أصبحت في واقع أعمق تجزئة، يطفو فوق هالات من الحواضن الافتراضية. وبينما تعد مواقع التواصل الاجتماعي؛ مثل، فيسبوك، وتويتر، ولينكدن، مجرد أدوات، ووسائط محايدة، إلا أن التجربة تثبت كل يوم أنها قوية بما خَلَّفَتهُ من بيئات ثقافية “أيديولوجية”، وما تمثله من “وسيط” لـ”وسطاء” يبثون من خلالها تصوراتهم السياسية، التي لديها القدرة على تغيير مجتمعات وتحطيم أخرى، لما تطلقه من عدد لا يحصى من الرسائل المؤدلجة، التي تستهدف تغيير ارتباطنا الجماعي بالواقع الحقيقي.

لهذا، فإن الدراسة تقترح قراءة جديدة تتقصد التوازن بين نظرية أن “الوسيلة”، التي تهيئ بيئة الانتقال من عالم الضرورة الواقعية إلى الملاذات الافتراضية، وبين تلك “الرسالة”، والتي صممت لتغيير مجتمعات وتحطيم أخرى، وفي أفضل الفروض إعادة تشكيل الوعي الفردي والجماعي بالهوية، وصلتها بالمكان والزمان. فإذا كانت الأولى هي “الوسيط”، الذي يُمَكِّن أيدولوجية الوسطاء المهيمنين من أن تتحكم في نوع وحجم وشكل وعمق الروابط البشرية، لذا، فإن رسالة هذه الدراسة هي أن محتوى أي وسيط هو دائماً رسالة وسيط آخر، مثلما أوضحت الكثير من الدراسات السابقة أن الكلام هو محتوى الكتابة، والكتابة هي محتوى الطباعة، والطباعة نفسها هي محتوى التلغراف، وهلمجرا. مع الإشارة إلى أن وسطاء وسائل التواصل الاجتماعي اليوم هم أهم عنصر بالنسبة لمحتوى الرسالة، وكل محتوى هو تصورات الوسيط، الذي يملك الوسيلة، أو تنعقد له السيطرة عليها. وقد نزعم أنه المصدر مرسل الرسالة ومنشئها، وهو من يحدد الجمهور ​​المستهدف، وكذلك للتأثير على أولئك الذين هم في طيات المجهول. لذلك، فإن الرسالة المتضمنة في هذه الدراسة تتفق مع مارشال ماكلوهن على أن الوسيلة ليست شيئاً محايداً، لأنها تستحوذ على اهتمام الأشخاص وتضعهم في بيئة تحول جديدة، خاصةً ما يستحدث من وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها تلاحظ مع ذلك، أن علاقة المصدر والوسيلة صارت مُباشَرةً في “أدلجة” الرسالة، وأكثر إفصاحاً في التصويب نحو الهدف. ولذلك، وتقديراً على نتائج أدبيات وبحوث ودراسات، تجري هذه الدراسة مراجعة معمقة لنظريات التحولات الكبرى في البيئات الثقافية لـ”رسائل” وسائل الإعلام الجماهيرية، ومقارنتها بحالة الإعلام الجديد، أو ما نصطلح عليه بوسائل التواصل الاجتماعي؛ على أن يبقى السؤال البحثي مقدراً على مسعى الوصول، بمنهج تحليلي، إلى إجابة حول “ما البديل” للحفاظ على تصوراتنا عن أنفسنا والآخرين والعالم متسقة مع هويتنا؟

سؤال الأدلجة:

يقودنا مدخل الحديث عن “الأدلجة”، إلى التساؤل حول: ما هي الأيديولوجيا؟ ولأنها تكثر تعريفاتها، لكثرة استعمالاتها، نحاول، في البدء، أن نلج فضاءاتها برفق يبتعد بِهَا عن حدة ما تعنيه بالنسبة لبعض المذاهب السياسية، وفي ذات الوقت يقترب بِنَا من حقائق الفعل السياسي، فيما يلي العلاقة الراسخة بين أصحاب القصد الأيديولوجي مع وسائل الإعلام. فالأيديولوجية، بهذا الفهم الواسع، هي نظرة إلى العالم، ونظام من الأفكار والمواقف والمعتقدات، التي يعتبرها الفرد، أو المجموعة، أو المجتمع، صحيحة ومهمة؛ وتنتظم مشاركتها من قبل ثقافة، أو جماعات من الناس، وهي تُبَصِّر حول كيفية عمل ذلك المجتمع. وما الأيديولوجيات السائدة إلا تلك، التي تنعقد لها سلطة الهيمنة، التي تُروى لنا مرارًا وتكرارًا من قبل مؤسسات اجتماعية وسياسية ناظمة ومستقرة؛ مثل، الحكومة، والقانون، والتربية والتعليم، والمسجد، والكنيسة، ووسائل الإعلام. ويصعب علينا أحيانًا التفريق بينها وبين المعتقدات الدينية الراسخة، التي نعيشها في حياتنا اليومية، أو المسلمات، التي غالبًا ما لا نشكك فيها، باعتبارها مواضعات “طبيعية ومنطقية”، يجب القيام بفروضها، والالتزام بواجباتها. لذلك، يترفع الناس بشكل فعال عن التمرد عليها، لأنها تُحافظ على الشعور بالاستقرار، لا سيما الأيديولوجيا، التي تحرص على خلط مضامينها بأعراف المجتمع. وبهذا المعنى يدور في خَلَدِنَا سؤال آخر حول: كيف ترتبط الأيديولوجيا بدراسات وسائل الإعلام، الذي يُشكل هو الآخر الكثير من وعينا بهذه الأشياء؟ وقد تسهل الإجابة عليه إذا أدركنا حقيقة أن النصوص الإعلامية تعكس دائمًا قيمًا، أو طروحات أيديولوجية معينة، رغم أننا في كثير من الأحيان قد لا نكون على علم بها، أو لا نظن وجودها، أو ننتبه إليها. غير أن المؤكد هو أن وسائل الإعلام تُعتبر حاملة ناجحة لرسائل الأيديولوجيا، لأنها تصل إلى جمهور هائل من المتلقين الشغوفين بمتابعتها. لذلك، عند دراستنا لنص إعلامي، نبحث عن الوسيلة، التي شَكَّلَتْهُ ونقلته، وما يمكن أن يُقْرَأ في دسمها من دس أيديولوجي لسلطة احتكار سائدة ظاهرة، أو متخفية، وما يجري تَمَثُّله عندها من وجهة نظرٍ للعالم، أو وِفْقًا لمصدر النص ووسيلة بثه ونشره، وما أُغْفِل من وجهات نَظَرٍ أخرى.[1] فقد أدركنا، بما لا يدع مجالًا للشك، أن من يملك الوسيلة يملك القرار، وهذا القرار هو عين الأيديولوجيا، التي تلتحف بها الرسالة، وتجعلها غطاءً لقصدها، وباطن غاياتها.

لقد رافقت “الأدلجة” وسائل الإعلام عبر تحولاتها المختلفة،[2] وما القول بإن الوسيلة هي الرسالة إلا توصيف لما اعتقده الدارسون للبيئات الثقافية، والسياسية، التي ظهرت مع كل وسيط جديد. فقد أوجدت الطباعة ومعها الصحافة المطبوعة بيئة ارتقت بمطالعة الحرف المقروء إلى وضع تعليمي ثقافي وإطار سياسي أكثر تنظيمًا، ولحق بهما المذياع “الراديو”، فكان للأذن عِشقٌ للتغيير قبل العين أحياناً، ثم جاء التلفاز بلونيه الأبيض والأسود، فرأى الناس صورهم وسمعوا أحاديثهم، وشاهدوا قادتهم الثقافيين والسياسيين، وسمعوهم وهم يتحدثون ويخطبون، وتلونت الأجهزة وبانت تفاصيل الحركة الاجتماعية أكثر وأكثر، وصارت أكثر تشويقًا وأرقى جاذبية. وكانت كل هذه الأجهزة جماهيرية النشر والبث، ولكنها ذات طابع احتكاري؛ يملك الوسيلة والرسالة فيها مصدر ذو سلطة سياسية، أو مالية، وله في تشغيلها هدف تُغَلِّفهُ عبارات التوعية والتنوير والتعليم والتربية والتوجيه والإرشاد والدعاية والإعلان، وحتى إعادة صياغة المجتمع، التي تعتبر جميعها مصطلحات ذات طابع أيديولوجي. وكان الجمهور المتلقي سلبيًا في غالب الأحيان، يستهلك الرسائل كيف ما كانت، ويمتع النظر بإبهار الوسائل، ونادرًا جدًا ما يكون له رد فعل يصحح به ما يُصادِم قناعاته، أو ينفعل بمثيرات تستبطن تغيير رأيه واتجاهاته فيما يعتقد أنه الصواب، أو ما يراه القليلون خطأ في الحكم والتقدير. وقد برعت الحكومات والمنظمات والمؤسسات والقوى السياسية في استخدام وسائل الإعلام الجماهيرية في الدعاية والدعوة والإعلان، وحتى التضليل والخداع، وصارت الوسائل أبواقًا أيديولوجية بامتياز.[3] وتحملت هذه الجهات المستفيدة الكلفة الباهظة لهذه الوسائل، لإدراكها لحجم الفائدة المتأتية من خلال احتكارها؛ فكانت الوكالات الضخمة؛ مثل، رويترز وتاس، وغيرهما، والإذاعات المتعددة اللغات؛ مثل، صوت أمريكا وهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، وغيرهما، وكانت صوت العرب “ماسبيرو” هرماً رابعًا في قاهرة المعز، ولحق العالم العربي كله بفكرة الإعلام المؤدلج.[4]

لهذا، يعتمد سؤال “الأدلجة” على اعتبار أن الإعلام؛ التقليدي والحديث، كأجهزة ذات طبيعة أيديولوجية، فرغم تغيير الجمهور السلبي في الحالة التقليدية إلى مستخدم نشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هذه الوسائط ظلت أيديولوجية بطبيعة احتكارها. ولكن، إذا كان الأمر كذلك، فالسؤال المنوط بنا طرحه هو كيف يمكن لوسائل الإعلام الجديدة، على الرغم من تكييف التفاعل النشط من خلال الإنترنت، أن تجد التحكم في الوظيفة الأيديولوجية؟ ولمحاولة الإجابة بشكل نقدي، يمكننا أخذ مقترح بن باجديكيان الباكر، الذي يُظهر هذه الحقيقة بوضوح أكثر في كتابه “احتكار الإعلام الجديد”، الذي يقول فيه إنه مع توسع الإعلام، لا تزال الملكية في أيدي خمس شركات إعلامية كبرى، كما كانت الأخبار تحت سيطرة خمس وكالات كبرى. [5]وهنا، يجادل باري شوارتز في كتابه “مفارقة الاختيار: لماذا المزيد أقل؟”، الصادر هو الآخر في عام 2004، بأنه ينظر إلى عملية نقل المعلومات على أنها أيديولوجية. ويذكر ويندي شن في مقالة له حول “البرامج، أو استمرار المعرفة المرئية”، صدرت عام 2005، أن البرامج تُعَدُّ نظيرًا وظيفيًا للأيديولوجية، ولكنه لا يستهدف كغيره وسائل التواصل الاجتماعي. فيما يُظهر الشريبي في كتابه “من بغداد إلى باريس: الجزيرة والحجاب”، الصادر عام 2006، أنه كلما كانت الوسيلة الإعلامية أكثر قوة في جذب الجماهير واكتساب المصداقية، زادت تطبيقاتها على الجوانب الأخرى من المثلث، أي السلطة، والأيديولوجيا. بالمقابل، يعتقد نيل بوستمان في الفصل السابع من كتاب “إيديولوجيا الآلة: تكنولوجيا الكمبيوتر”، الصادر عام 2011، أن أفكارنا تسترشد بهذا الجهاز، وأنه يسيطر على جميع جوانب حياتنا.

مراجعات ناقدة:

وبما أن هذا البحث يستهدف إدراك العواقب الإيجابية والسلبية لوسائط الإعلام الجديدة، ومحاولة وضع إطارٍ نظريٍ لهذه القضية الرئيسة، وبما يمكننا من فهم وسائل الإعلام الاجتماعية، الذي تحدت فيه سياق هذه الوسائل، مع نقدها، وتِبيان معضلة احتكاراتها، والإشارة لتوجهاتها الأيديولوجية. وفي ذلك، تتفق رؤيتنا مع ما قدمته كريستيان فوكس، في كتابها “وسائل الإعلام الاجتماعي: مقدمة نقدية”، الصادر عام 2014، التي عددت فيه ميزات ومساوئ وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في جانب تجزئتها لأفراد المجتمع وتشتت اهتماماتهم، ونزعة اللامبالاة، والتي تغذيها برامج الإلهاء اللامتناهية. ومن جانبهما، فحص كل من فتحي ومختاربور، في مقال لهما صدر عام 2014، دور وتأثير الوسائط المرئية الجديدة في تغيير نمط حياة الطلاب، وخلصا إلى أن الوسائط المرئية الجديدة؛ مثل، فيسبوك وانستغرام، تؤديان إلى تشكيل نمط حياة خاص. وفي مقال آخر لهما بعنوان: “تحليل الخطاب الأيديولوجي على وسائل التواصل الاجتماعي: دراسة حالة عن الجدل حول الإجهاض”، تناول المؤلفان قضية الإجهاض على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف أنها أخذت منحًا أيديولوجيًا ابتعد بها عن طبيعتها. وفي بعد آخر، حلل خانيكي وبركات، في مقال بعنوان: “تمثيل الأيديولوجيات الثقافية في ألعاب الكمبيوتر”، صدر عام 2015، حللا محتوى الألعاب بطريقة السيميائية وأظهرا أن محتوى الألعاب له دور أساس في نقل الأيديولوجيات الثقافية. وتتناول مقالة يزداني “الآثار المفيدة والضارة لاستخدام وسائل الاتصال الجديدة (الإنترنت والأقمار الصناعية والهاتف المحمول) من منظور طالبات ثانوية بحر”، الذي صدر عام 2017، مقارنة بين أضرار وفوائد وسائل التواصل الاجتماعي. وتبعتها على ذات المنوال مقالة شارما وآخرون، صدرت عام 2017، التي حللت الخطاب العام حول هذا الموضوع بأكثر من 700000 تغريدة، وتصنفها في أيديولوجيات مختلفة. فيما تناول أغيلي في مقالته، بعنوان: “دور الإعلام الجديد في التطور السياسي لدول العالم الثالث”، التي نشرت عام 2018، آثار الإنترنت في مجال التنمية السياسية، مُعْتَبِرًا أن الأيديولوجيا حقيقة مركزة في تضاعيف كل الرسائل.

وفي منحىً آخر، يقرر سافاش كوبان، محرر كتاب “الإعلام والايديولوجيا والهيمنة”، أن عالم الإعلام الجديد هو أرض متنازع عليها بشدة، وأن الإعلام والإيديولوجيا والهيمنة تحتوي على مجموعة من الموضوعات، التي توفر فرصًا للتفكير النقدي حول العالم الرقمي الجديد. ويشمل ذلك العمل على الإعلام القديم والجديد، وبنية القوة المؤسسية في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، واستخدام الحكومة لوسائل الإعلام للسيطرة على المواطنين. ويكشف الكتاب أيضًا التناقضات المتأصلة في نظام القوة الرقمية، ويوثق كيفية استخدام المواطنين للإعلام وتكنولوجيا المعلومات لمقاومة القوة القمعية.[6] إذ يعتمد العديد من الأشخاص على الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت كمصادر للأخبار والمعلومات، كما يؤثر انتشار محتوى الوسائط مع الأيديولوجيات عبر الطيف السياسي على المناقشات عبر الإنترنت ويؤثر على الإجراءات غير المتصلة بالإنترنت، ما يستوجب فحص تأثير الوسائط في الشبكات الاجتماعية بتعميم نماذج الثقة المقيدة لديناميات الرأي من خلال دمج حسابات وسائل الإعلام كمؤثرين في الشبكة. وهذا يتطلب قياس التحزب الأيديولوجي للمحتوى بمعامل مستمر، وعلى فترة زمنية مُعتبرة، ومن ثم صياغة تعميمات ذات أبعادٍ أعلى لدمج جودة المحتوى والمواقف السياسية المتباينة بشكل متصاعد. وفي هذا محاكاة لنموذج واقعي بأبعادٍ أيديولوجية أحادية وثنائية، واستخدام نتائج عمليات المحاكاة لتحديد “جذب” المحتوى من الحسابات غير الإعلامية إلى أيديولوجيات حسابات الوسائط في الشبكة العنكبوتية.

من هنا، فإن نموذج كوبان قد يتطلب تعظيم التأثير الإعلامي في الشبكات الاجتماعية من خلال ضبط عدد حسابات الوسائط، وعدد المتابعين لهذه الحسابات. ولكن باستخدام الحسابات الرقمية، نجد أن انجراف أيديولوجية المحتوى، التي تنشرها الحسابات غير الإعلامية إلى أيديولوجية وسائل الإعلام يعتمد على السمات الهيكلية للشبكة، بما في ذلك حجمها، ومتوسط ​​عدد أتباع عقدها، وتقبل عقدها آراء مختلفة. ومن بعد تقديم جودة المحتوى في النموذج، ودمج مصادر إعلامية متعددة ذات تحيزات أيديولوجية وتقديرات على مستوى الجودة تُستمد من مصادر إعلامية حقيقية، وتُثبت أن النموذج يمكن أن ينتج مجتمعات متميزة “غرف الصدى”، تكون مستقطبة لكلٍ من الأيديولوجيا والجودة.[7] وفي رأي غالب المتابعين، أن العالم، الذي أصبح رقميًا بشكل تدريجي، صار من الصعب عليه إخراج نفسه من التكنولوجيا، مما أدى إلى الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من المنافذ ذات الصلة. وتستكشف دراسته إيديولوجية الخطاب الإعلامي في الشرق الأوسط من خلال التحقيق في التأثيرات السياسية على المؤسسات الإعلامية الرائدة في المنطقة. وقد اعتمد على تطبيق تحليل الخطاب النقدي على التقارير الإخبارية الصادرة عن عمالقة الإعلام البارزين في الشرق الأوسط، الجزيرة والعربية. وتضمنت بيانات بحثه ثماني مقالات إخبارية، بواقع أربع مقالات من كل مؤسسة، في محاولة لتحقيق أهداف الدراسة المطروحة. وتشير النتائج إلى وجود تأثير واضح للأجندات السياسية المحلية على الخطاب والسياسات التحريرية لكل من المؤسسات الإعلامية المدروسة، والتي تُظهر مخالفة للالتزام الصحفي المزعوم بالموضوعية والحيادية من حيث التقارير الإخبارية.[8]

نبوءة ماكلوهان:

تُلَخِّص عِبارة مارشال ماكلوهان، التي قال فيها إن الوسيلة، التي نختار التواصل من خلالها تحمل نفس القيمة، إن لم يكن أكثر، من الرسالة نفسها، حقيقة ما انطوت عليه كثير من آثار التحولات والبيئات الثقافية الجديدة، التي أوجدتها كل وسيلة إعلام مستجدة.[9] وقد كان يعلم أنه منذ الأيام الأولى للتواصل، كانت الإنسانية مفتونة بالطرق، التي تستخدمها لنقل المعلومات والحفاظ عليها، وأنها بهذا الفهم لم توسع معارفها فحسب، بل مددت حواسها لأبعاد ما كان لها أن تبلغها لولا هذه الوسيلة، أو تلك.[10] وعلى مر القرون، رأينا وسائل الإعلام تتطور عبر مجموعة واسعة من القنوات؛ من المطبوعة إلى المسموعة إلى المشاهدة، وحتى عصر الشبكة العنكبوتية “الإنترنت”، التي وظفت كل هذه الأشكال الاتصالية، ووسائلها الناقلة داخلها. رغم أن كل واحدة من هذه القنوات، أو الوسائط، لها خصائصها الفريدة، تمامًا مثل الأشخاص الذين يستخدمونها. لذلك، أصبح نوع الوسيلة، التي نتواصل مع بعضنا البعض عبرها، يحدد من نحن، ويُشَكِّل الكثير مما يجعل الثقافة والمجتمع فريدًا.[11] ولذلك، فإن عبارة “الوسيلة هي الرسالة” تختصر برؤية معرفية “ابستمولوجيا” نظرية اتصال أعمق بكثير مما بحثت فيه نظريات الإعلام الأخرى، وهي أن الوسيلة لها قيمة أيديولوجية مساوية في التأثير مع ما تكتنزه الرسالة من مضامين، وقد تتفوق عليها بما لديها من مرونة التجدد والتطور والإبهار. ومع كل إيضاح يقدم، قد يبدو هذا المفهوم غامضًا، وفي الواقع يصعب فهمه، لكن يمكن القول بصدق أن فهم المعنى الكامن وراء هذه الكلمات قد أحدث ثورة في الطريقة، التي نتعامل بها مع الرسالة؛ ليس من وجهة نظر معرفية، أو إجرائية فحسب، بل من منظور عقلي جديد يوفر وضوحًا أكثر حول كيفية التعامل مع أدلجة الرسالة.

لهذا، عندما يُقال ويُفعل كل شيء، من المهم أن نتذكر شيئين عن ماكلوهان ونظرياته، خاصة قوله إن الوسيلة، التي يتم من خلالها التعرف على الرسالة تُشَكِّل تصور المستخدم للرسالة، ويمكن أن تكون هذه الوسيلة هي الرسالة نفسها إذا كانت تُقدم محتوىً كان من المستحيل الوصول إليه بخلاف ذلك. ولنا أن نعترف الآن أن الإنترنت تتمتع بوصول أقوى من أية وسيلة أخرى في التاريخ، والتي بدورها لها آثار كبيرة بنفس القدر على مكانتها كرسالة. فهي كرسالة، تُبشر الإنترنت بإمكانية الوصول وإمكانية التوسع والرضا الفوري، وهي أشياء يجب علينا وضعها في الاعتبار عند الاقتراب من أي موضوع. لذلك، فإن النظرية المركزية وراء “الوسيلة هي الرسالة” هي أن الوسيط، الذي يتم من خلاله نقل المحتوى يلعب دورًا حيويًا في الطريقة، التي يُدْرَكُ بها هذا المحتوى. ولا شك أننا نرى هذا مع الإنترنت اليوم، في الطريقة، التي نحصل بها على أخبارنا مقارنة بالطريقة، التي حصلنا عليها من الطباعة. وعندما يتعلق الأمر بفهم هذه الوسائط المختلفة، فإن أفضل ما يمكن التعلم منه هو ماكلوهان، لأن من المؤكد أن نظريته لم يتم إهمالها، أو نسيانها، بل ظلت موضع درس واهتمام منذ ستينيات القرن الماضي. وبالإضافة لذلك، فقد تمت نمذجتها على نطاق واسع في عدد من الدوائر وتطبيقها على التلفزيون والمطبوعات والإنترنت على حد سواء. بينما يبدو أن الكثير من الناس يفهمون النقطة العامة لنظرياته، ولكن غالبًا ما يتم إغفال الحقيقة الأعمق المتمثلة في أدلجة هذه الوسيلة، أو إساءة تفسيرها. ومن أجل الوصول إلى هذا المعنى الأعمق، قد يكون من الضروري استكشاف المفهوم العام للأيديولوجيا كرسالة أولاً، ودور الوسيلة في تبيئتها وأدلجتها لهذه الرسالة، وتجزئة الجمهور عبرها ثانيةً.[12]

لقد كان مارشال ماكلوهان حقًا صاحب رؤية تنبؤية واستشرافية، ومتقدمًا السائد في زمنه بكثير، بل هناك من وصفوه بأنه مِنظار الاتصالات ورسول الإعلاميات. فكتابه “فهم وسائل الإعلام”، وما قاله إن “الوسيلة هي الرسالة” يُحَدِّثُ عن عبقرية وبصيرة نافذة، قَلَّ أن يُوجد مثلها، وكل يوم نُدرِكُ أكثر أن الطريقة، التي نرسل بها ونستقبل المعلومات أكثر أهمية من المعلومات نفسها. ولا شك أن الوسائط، التي نستخدمها، تُغَيِّرُ في طريقة تصرفنا، فمشاهدة التلفزيون غيرت نظرتنا إلى العالم، الذي نشاهده مكتملًا بأبعاده الجغرافية لأول مرة. لذلك، صار “من المستحيل فهم التغيرات الاجتماعية والثقافية دون معرفة وفهم طريقة عمل وسائل الإعلام”.[13] فالعالم، الذي كُنَّا نجهله قد تطور فهمنا له كثيرًا حيث لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في مختلف الأحداث السياسية والثقافية والاجتماعية. فقد شاهدنا محاولة انقلاب غينادي ياناييف حَيَّةً، في أغسطس 1991، وتابعنا عبر أجهزة التلفزة تفاصيل عودة بوريس يالتسين، وكأننا كُنَّا معه في ساحات الكرملين، ومثلهما كُنَّا شهودًا على تعبئة الثورة المصرية، عام 2011، وغيرها من الثورات العربية، التي يرجع نجاحها جزئيًا إلى الاستخدام المكثف لفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى. إذ إنه من المؤكد أن النشاط الشبابي المكثف عبر الإنترنت في تنظيم المظاهرات، والدعاية لها، وأعمال العصيان المدني السلمي، التي صاحبتها، قد أدت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالحكومات في مصر، وتونس، وليبيا، واليمن، والسودان، وكادت أن تطيح بغيرها في سوريا، والعراق، والجزائر، ولبنان، وأرَّقَت أنظمة الحكم في بعض دول الخليج والأردن والمغرب.

التحول الحاسم:

شهد أوائل العقد التاسع من القرن الماضي البدايات الأولى لتطوير الوسائط الجديدة عبر استحداث تقنيات متقدمة، لا لتحل التقنيات القديمة، التي ألفها الناس، ولكن لتندمج معها في رحلة إعلام اجتماعي تواصلي يختصر الزمان والمكان. وبالتالي، توارت الحدود، وتقزمت الاختلافات بين وسائل الإعلام، وصار كل ما كان يميزها آخذ في الاختفاء خلف حركة تدامج وتغيير متسارعة. وتشابه بقر قوم موسى على الخلق، وما كادوا يعرفون ما لون الصحف المقروءة، وما حجم التلفزيون المشاهد، وما هي موجات المذياع “الراديو” المسموع، إذ صارت جميعها في عصر الإنترنت متساكنة في جهاز واحد، ومتشابهة في رسائلها، وتتزاحم محتوياتها من خلال النصوص والصور ومقاطع الفيديو والملفات الصوتية والروابط، التي لا تبتعد عن إحداها إلا لتقربها لأخرى، في فضاء إلكتروني مشترك. فكل الوسائط الجديدة غالبًا ما توفر الوصول إلى محتواها عبر الإنترنت، من خلال أي جهاز رقمي ينبض بالطاقة، وتتيح للمتلقين كل فرص التفاعل والتعليقات وتبادل الآراء، وما لا يأتيه الحصر من المشاركة الإبداعية. وما يجعلها تتفوق على الوسائل التقليدية هو قدرتها على تسريع وتيرة الاتصال، وأنها تتيح الاستجابة التفاعلية، التي يكون فيها المصدر والمتلقي المستهدف ضيفان على ذات المنصات الاجتماعية والمدونات والمواقع الإلكترونية الرحبة، التي أحسنت وصفها إيلانا غيرشون، من جامعة إنديانا الأمريكية، في مقال لها بعنوان: “أيديولوجيات وسائل الإعلام: مقدمة”.[14] لذلك، أدرك السياسيون والناشطون، على نحو متزايد، أهمية أن يحصل عامة الناس على رسائلهم، وما يريدون نشره، أو بثه من معلومات، من مواقع الويب، والمدونات، ومنصات الشبكات الاجتماعية كفيسبوك وبودكاست وتويتر، ومشاركات الفيديو، كاليوتيوب والتيك توك، وغيرها.[15]

بيد أنه، ورغم كل ما أُحْرِزَ من تقدم، تظل هذه التقنيات، في اعتقاد كل من غاري لوبيان، أستاذ علم النفس في جامعة ويسكونسن ماديسون الأمريكية، وآندي كلارك، أستاذ الفلسفة المعرفية بجامعة ساسكس البريطانية، محدودة في نطاقها، وتتطلب تدريبًا مكثفًا لإتقانها. [16]لكنها رغم ذلك تُمثل دليلًا مهمًا على مبدأ أن الأدمغة البشرية هي أشبه بأعضاء بلاستيكية قادرة على الاستفادة من الإشارات الحاملة للمعلومات من أنواع عديدة. وقد يكون مخزوننا البشري القياسي من الاستشعار، أو التخاطر، مجرد حزمة أولية لأنماط اتصالنا النهائية، سواء مع الأشخاص الآخرين، أو مع العالم الأوسع. وعند النظر إليه بهذه الطريقة، قد يكون من المفيد التفكير في زمن يكون فيه التخاطر بديلاً عن هذه الوسائط؛ على أنه أقل اهتمامًا بتعلم لغة كمبيوتر جديدة، وأكثر شبهاً بتعلم مهارة حركية جديدة، مثل التدوين، أو ربما شيء أكثر تعقيدًا، مثل تعلم الرقص، أو ركوب دراجة هوائية. في مثل هذه الحالات، يتيح لنا النوع الصحيح من السياسات القيام بشيءٍ جديدٍ جذريًا، وتوسيع مخزوننا المعتاد بطرق يمكن اكتشاف أفضل استخدامات لها في وقت لاحق.[17] ولمقاربة ما بلغناه من تطور في وسائط الاتصال، علينا أن نُطالع رسالة الكاتب الأمريكي المعروف مارك توين، التي كتبها في عام 1884، وأعرب فيها عن أسفه لأن “الهواتف والبرقيات والكلمات بطيئة جدًا بالنسبة لهذا العصر؛ يجب أن نحصل على شيء أسرع. وقال إنه ينبغي علينا “في المستقبل” أن نتواصل، “بالفكر فقط، ونقول في غضون دقيقتين ما لا يمكن تضخيمه في كلمات في غضون ساعة ونصف.” وكأن توين هنا يشارك لوبيان وكلارك اعتقادهما بإمكانية التخاطر، وكأنه يقول لنا أن المستقبل، الذي قصده هو الآن.

لقد سبق أن لاحظ علماء الاجتماع؛ مثل، ريموند بويل وريتشارد هاينز، أن الرقمنة أدت أيضًا إلى التقارب الافتراضي بين البشر، وأن التقدم التكنولوجي، أي دمج أشكال مختلفة من المعلومات (نصية، سمعية ومرئية) وسع فرص هذا التقارب في نظام واحد، ولكنه جديد تمامًا.[18] ويبدو هذا صحيحًا إذا قايسناه بمدياته الافتراضية، غير أن الوسائط الجديدة تقدم واقعًا مختلفًا تمامًا عن واقعنا اليومي، الذي تعودنا العيش فيه وجهاً لوجه، إذ أصبحنا مبعثرين في بيئة مبنية على افتراضات باستخدام رسومات الكمبيوتر والفيديو الرقمي. وبما أن المستخدمين يتحكمون في تجربتهم، إلى حد ما، عبر هذه الوسائل الإعلامية الجديدة، لكنهم يخضعون أيضًا لأنواع مختلفة من الأدلجة، عبر صنوف من المعلومات والآراء والتفاعلات والمنتجات، التي لن يصادفونها في الحياة الواقعية. وقد تقدم العالم سريعًا حتى وقتنا الحاضر، ما جعل إيلون ماسك يقترح، في مقابلة له عام 2020، أنه باستخدام تقنية “الشبكة العصبية” الخاصة به؛ وهي شبكة تشبه الدانتيل مزروعة في الدماغ، يمكننا، من حيث المبدأ، [أن نكون] قادرين على التواصل بسرعة كبيرة، ومع المزيد من الدقة والأفكار واللغة. وعندما سأله المحاور جو روغان: “كم سنة، قبل ألا تضطر إلى التحدث؟” يستجيب ماسك: “إذا استمر التطور في التسارع، فربما، على سبيل المثال، خمس سنوات – خمس إلى عشر سنوات.”[19] على الرغم من التقدم الحقيقي، الذي حققه القرن الماضي في فهمنا لكل من اللغة والدماغ، فنحن لسنا أقرب إلى التخاطر مما كنا عليه في زمن توين. والسبب هو أن التخاطر، الذي وعدنا به – النوع، الذي تصوره توين وماسك، وانتشر في عدد لا يحصى من الأفلام والبرامج التلفزيونية، يرتكز على فرضية خاطئة؛ على الأقل لم تثبت صحتها حتى الآن.

قاعدة الانطلاق:

لقد بدأنا للتو في استكشاف كيف يمكن للحقيقة الأعمق المتمثلة في “الوسيلة هي الرسالة” أن تغير طريقة فهمنا للعالم، خاصة بعد أن “تمددت حواسنا”، واختصرت الزمان والمكان، وطالت بقدراتها عالم “القرية الكونية”. لذلك، يمكننا أن نسأل عما إذا كان هناك شيء يمكن أن يُقال له، أو عنه، أنه “حدث عالمي” قبل وسائل الإعلام الجماهيرية؛ مثل روابط الأقمار الصناعية والإنترنت. بالأمس، أي قبل 100 عام فقط، لم يكن من الممكن الوصول إلى العالم بأسره، ولم تكون لدينا القدرة على التعرف على الأوبئة والكوارث الطبيعية والحروب والانتخابات والإنجازات التكنولوجية من خلال وسائل الإعلام. والحال تلك، لم يكن هناك “حدث عالمي”، لذلك أقنعتنا المركزية الأوربية أن مشاجراتها وحروبها الداخلية، في عامي 1914 و1945، هي عالمية؛ شئنا ذلك أم أبينا، كُنَّا جزءًا منها، أو لم نكن. واليوم، غالبًا ما نستشهد بأحداث مختلفة على أنها عالمية الطابع، أو أنها من السعة والعمق ما “سيغير العالم”، وينقلنا جميعًا، كأسرة بشرية كونية، إلى مصاف حياة جديدة. و”نتيجة لذلك، يمكننا القول ليس فقط أن وسائل الإعلام هي أداة لتوجيه الأحداث العالمية، ولكنها جعلتها ممكنة في المقام الأول”.[20] وقياساً على ذلك، صارت كل السياسات القاصدة لهدف أيديولوجي تستخدم برامج التواصل في الإنترنت، ليس كوسيط، ولكن كرسالة، حتى لا تعوقها مقاومة، أو يوقفها رفض. ويمكننا أن نجد أمثلة كثيرة على ذلك، ليس في الكارثة، التي ضربت العالم بفعل وباء الفيروس التاجي “كورونا” وحده، ولكن حتى عند وقوع زلزال تركيا، الذي أفجعها فجر يوم الاثنين 6 فبراير 2023، وأصبحت الإنترنت هي الوسيلة المفضلة على كل الطرق الأخرى لتلقي الأخبار، والبحث عن الأشخاص، بل وإنشاء مواقع الإغاثة في جميع أنحاء العالم، ومكنت الناس من التواصل مع الأصدقاء، والعائلة، والتبرع، والمؤازرة الجماعية. ولا شك أن كل هذا جيد ومفيد، لكن القول بإننا نختبر وسائط مختلفة بطرق مختلفة لا يبدو حقًا مُجْمَعًا عليه، إذ يميل الكثير من الناس إلى اعتبار نظرية ماكلوهان درسًا يُعْنَى بتعدد الأدوات والاتجاهات والحيل التواصلية الجديدة، التي تكون “جزءًا من الوسيط، لكنها تلعب مجرد أدوار داعمة للرسالة.”[21]

لهذا، فقد أدى نمو التكنولوجيا المحوسبة في التسعينيات إلى ما يُعرف بالرقمنة، ويجري الآن تحويل الغالبية العظمى من المعلومات وتخزينها ونقلها كرمز ثنائي. لذلك، باستطاعة الجمهور أن يكون أكثر من مجرد مُتلقٍ للمحتوى في دورة الاتصال، ولكن يمكنه أن يكون المنتج والمرسل للمحتوى. بشكل عام، يمكن لأي شخص لديه حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي؛ مواقع ويب، صفحات فيسبوك، انستغرام، لينكدن، تويتر، أو تطبيقات ووسائل إلكترونية مماثلة، من أن يُنشئ خلالها نوافذ للمستخدمين لمشاركة المعلومات والأفكار والرسائل الشخصية والمحتويات الأخرى، بما في ذلك النصوص والصور ومقاطع الفيديو، على سبيل المثال لا الحصر، أو للمشاركة في المدونات الاجتماعية. وفيما بدأ أنه يمكن أن يكون لكل شخصٍ وسائط خاصة به/بها، وأن يجعلا محتواها متاحًا لعامة الناس في جميع أنحاء العالم، من دون ضمانات في أن أحدًا غيرهما سيطلع عليه، إلا أن الحقيقة الصادمة تقول غير ذلك. فرغم ما يوجد من اختلافات بين وسائط التواصل الجديدة، والوسائل الإعلامية التقليدية، إلا أنهما يلتقيان في هدف الأدلجة، إذ سعت وسائل الإعلام الجماهيرية، وما تزال، إلى تنميط الجمهور وقولبته وفق رؤية أيديولوجية مُحْكَمَة الصياغة، ومُتْقَنَة العرض، فيما أن التجزئة هي الخصيصة المتسقة مع طبيعة وتَوَزُّع شبكات التواصل الجديدة، وتعامل الأفراد معها؛ فاعلين كمصادر ومنتجين، ومتلقين كمستهلكين سلبيين. لذلك، فإن كلاهما أيديولوجي بطبيعته، على الرغم من إمكانية تفاعل الجمهور وفاعليته في الوسائل الجديدة أكثر من التقليدية. كما أن الوسيلة فيهما أيديولوجية باحتكار ملكيتها وضوابط إدارتها والقوانين المنظمة لعملها، التي توجه وتُسيطر على الرأي العام من خلال رؤية الطبقة المهيمنة، أو الحاكمة لكليهما.

بؤرة الاهتمام:

إن تركيزنا هنا، وكما استبان من خلال ما مضى من أسطر، يَنْصَبُّ على وسائل الإعلام الرقمية، وما يحركها من التقنيات المستحدثة، وبالتوازي مع الإعلام والتقنية، اللذان أصبحا القوة الباعثة والدافعة للتنمية الاجتماعية المتسارعة. فقد توسع اهتمام المجتمع وطلبه للمعلومات ومكتشفات التكنولوجيا بحيث يمكن القول إننا في عصر المعرفة؛ المعروف أيضًا باسم عصر الكمبيوتر، أو العصر الرقمي، أو عصر الإعلام الجديد، الذي تطور عبر ثلاثة مراحل؛ أولها، مرحلة الإعلام الجماهيري، أو مرحلة المعلومات الأولية، بما في ذلك الصحف والراديو والتلفزيون، وثانيها، مرحلة المعلومات، التي طورتها الإنترنت والتلفزيون الفضائي والهواتف المحمولة، وثالثها، عصر المعرفة، أو ما كان يصطلح عليه البعض بفترة انتاج المعرفة، الذي جاء نتيجة لتقارب وتدامج وسائط عصر المعلومات الأولية والثانوية، التي أدت إلى ظهور أجهزة التلفزيون والهواتف الذكية، ومكنت لوسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.[22] ويعتقد روجر سيلفرستون أن “التقدم في التقنيات الجديدة المتعلقة بالوسائط الجديدة له تأثير مباشر على توليد ومكان ووقت استهلاك محتوى هذه الوسائط؛ إنها تسمح لنا بتغيير المؤسسات وتحرير خصوصية الأفراد وتغزوها”.[23]

بالإضافة إلى ما تقدم، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تختلف عن وسائل الإعلام التقليدية في نواح كثيرة، ليس أقلها أن عدد النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي غير محدود، ولا توجد موانع جغرافية، وهناك اتصال ثنائي الاتجاه، والجمهور لديه الكثير من القوة في كيفية استخدام المحتوى الإعلامي ومتى يستخدمه، من دون أن يخلو ذلك من محاذير. ويمكننا أن نُجْمِل ما تتميز به الوسائط الجديدة في ست خصائص رئيسة؛ هي: أنها رقمية ومتقاربة، أو متداخلة، وتفاعلية، وتستخدم النص الفائق، وشبكية عالمية، وافتراضية، ويمكن محاكاتها. وبهذا الفهم أيضًا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصطلحًا جماعيًا لمواقع الويب والتطبيقات، التي تركز على التواصل والإدخالات المجتمعية والتفاعل ومشاركة المحتوى والتعاون، وحتى الخطاب الأيديولوجي.[24] وقد لا نحتاج لسؤال لتبرير كيف يمكن أن “تتأدلج” هذه الوسائل طالما أضحت جزءًا من الفضاء العام، بل وتضع أجندة حواراته. فوفقًا للفيلسوف يورغان هابرماس، فإن “المجال العام” هو الفضاء، الذي يشارك فيه الأفراد بحرية في المناقشات حول بنية المجتمع وتنظيمه من أجل اكتساب الوعي،[25] وما وسائل التواصل الاجتماعي إلا عين ذلك وسمعه. ومن ثم، فإن قدرتها على إنتاج وتوزيع المحتوى الإعلامي والنصوص فعالة في تحديد ما إذا كانت وسائل الإعلام أيديولوجية أم لا، ومن يتحكم في أدوات الإنتاج والتوزيع يقرر الطبيعة الأيديولوجية لهذه الأدوات.

ولكن رغم الفاعلية الاجتماعية، والمشاركة النشطة لقطاعات واسعة من شرائح المجتمعات، التي صاحبت تطور وسائل التواصل الحديثة، إلا أن حقيقة الاحتكار، وشبهة الأدلجة، ظلت ملازمة لها.[26] وكما تنبأ ماكلوهان، فإن “أجهزة المعلومات الإلكترونية، التي تُستخدم للمراقبة الشاملة والاستبدادية من الأرحام إلى القبور تسبب معضلة خطيرة للغاية بين ادعائنا بالخصوصية وحاجة المجتمع إلى المعرفة.”[27] فقد كشفت تسريبات “ويكيليكس” لجوليان أسانج، ما تخبئه الحكومات عبر هذه الوسائط من خطط مراقبة وتتبع، أكدتها اعترافات إدوارد سنودن، في عام 2013، التي أماط فيها اللثام عن قيام وكالات استخبارات أمريكية بمهام مراقبة عالمية؛ تعمل على مدار الساعة، وطوال أيام الأسبوع، وتأخذ الحكومات على عاتقها تتبع أنفاس مواطنيها وثرثرتهم. ففي عالم ماكلوهان المعولم، أو “قريته الكونية”، يُشير إلى “عمود ثرثرة كبير لا يرحم، ولا يُنسى، ولا يوجد منه خلاص،”[28] وكأني به يُحَدِّثنا اليوم عن التغريدات والمدونات والتعليقات المنشورة على مواقع الإنترنت، وما يُصاحِبها من تصرفات وإساءات تطال الكثيرين عبر الإنترنت، وأنها ستكون محفوظة إلى الأبد، مهما اجتهدنا في مسحها وإزالتها. فنحن في فضاءات إعلامية، جعلتها الوسائط الإعلامية بمثابة ملاذات هشة، لا يمكن الاختباء فيها، ولا تقي حصانات الخصوصية من نوازل الدهر وعين الرقيب، بل أصبحت الحروب الشاملة الحقيقية هي حروب معلومات، أسلحتها وسائط إعلامية إلكترونية خفية؛ “في ظل ظروف باردة، وباستمرار. [29]

آلة التجزئة:

يلزمنا، بعد عقود من التجربة، أن نعترف بأن الهاتف السيار أصبح لا يفارق أيدينا طِوال ساعات اليوم، وعلى مدار الأسبوع، وكل العام، ويحيلنا إلى كائنات جَوَّالة في فضاءات لا متناهية، ننبَتُّ فيها وننعزل عن المكان ومن فيه، ونسافر في أزمنة متغايرة لا نُراعي فيها “فُرُوق الوقت”. وبذلك، فإننا نفقد متعة التقاء الزمان والمكان، وحميمية اللقاء مع الإنسان في واقع مادي راهن، وربما تضيع علينا سانحة التمتع بزيارة أماكن كثيرة، تقودنا إليها أقدارنا، ولكن يشغلنا عنها تَفَقُّد الهاتف المستمر، والابتعاد به شعوريًا عن محيط ذاكرة المكان. وبطبيعة الحال لا توجد وصفة ناجعة للحد من إدمان استخدامنا لهذا الهاتف، إلا بإجراءات ردع مانعة، تُعيدنا إلى رُشد الواقع الحقيقي، بدلاً من التهويم الدائم في العالم الافتراضي. ولحسن الحظ، هناك بعض الأماكن الموجدة في العالم، التي سوف نضطر عند زيارتها لترك هاتفنا جانبًا رغمًا عَنَّا.[30] فقد استنجدت أماكن كثيرة في كل قارات العالم بسلطان القانون للحفاظ على خصوصيتها، وخصوصية عملائها، من تجسس وتحسس هذه الوسيلة، التي توسع نطاق المحدود إلى اللامحدود في لمح البصر، ببثها لسكون اللحظة وحَصْرِيَّتِهَا عبر فضاء عام يعج بالمتربصين. وهناك من يعتقدون أن هذه الأجهزة النقالة، والمُنْتَهِكَة للخصوصية، قد باعدت بين الناس بقدر ما قربتهم، وأفقدت أفراد الأسرة والجيرة والفريق روح الجماعية، فصار كل فرد غارق في وحدة يتجول بمفرده في فضاءاته، وتنازلت الأسرة عن حميمية حواراتها بسبب مصادر إلهاء بعثرتها. لذلك، وفي تجربة متفردة؛ نالت ذيوعًا وشهرةً واسعة، ابتدع شاب فلسطيني فكرة حجز هواتف عملائه وزبائنه قبل الدخول إلى مطعمه، ليس بقوة قانون لا يملك سلطة جزاءاته، وإنما بتحفيز وتخفيض ينعكس إيجابًا على “فاتورة” المتطوعين لترك أجهزتهم في حرز بوابة الدخول. والقصد هو أن يتوقف أفراد العائلة عن تجزئة أنفسهم وهم على طاولة طعام واحدة، وأن يتحدثوا لبعضهم بدلًا عن الانشغال الدائم بهواتفهم.

 إن هذه التجزئة لم تعد قصرًا على أجهزة الهاتف فحسب، بل أصبحت سمة للكثير من مخترعات عصرنا الحاضر، خاصة ما يرتبط منها بوسائط التواصل، وكيف نتواصل يغير ما نتواصل معه، أي كما قال مارشال ماكلوهان “نشكل أدواتنا وبعد ذلك تشكل أدواتنا شكلنا”.[31] ويوجد مثالٌ حديثٌ رائع يؤكد هذا القول وهو “تويتر”، الذي يجبر الحد الأقصى البالغ 280 حرفًا، الذي أقره لتغريداته، الأشخاص على أن يكونوا سريعين وفي صميم الموضوع، وفي كثير من الأحيان يضحون بالكثير مما يفرضه السياق في هذه العملية، ما يعني أن الوسيلة جزأتهم وشكلتهم على نسقها، وتحكمت في رسالتهم. وأبان تويتر سلطة الأيديولوجيا بوضوح لا لبس فيه عندما قرر “شطب” حسابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي روعت بعض تغريداته المؤسسة الحاكمة في واشنطن. وفي دراسة حديثة، أجريت في عام 2014، قام فريق من الباحثين بقيادة عالم الكمبيوتر راجيش راو، بجمع أشخاص للعب لعبة مشتركة، في محاولة لإطلاق مدفع افتراضي للدفاع عن مدينة من صواريخ العدو. في كل زوج من هؤلاء، يمكن لشخص واحد “المرسل” رؤية شاشة توضح موقع الهدف، ولكن لا يمكنه إطلاق المدفع. الشخص الآخر، “المتلقي”، لم يتمكن من رؤية الشاشة، ولكن يمكنه الضغط على زر “إطلاق”. وقد جرى ربط أدمغة اللاعبين بواجهة أُنشئت عن طريق توصيل المرسل بجهاز تخطيط كهربية الدماغ، وهو جهاز لقياس تقلبات الجهد الصغيرة الناتجة عن نشاط الدماغ باستخدام أقطاب كهربائية موضوعة على فروة الرأس. ثم استخدمت هذه الصدمة الكهربائية لتحفيز نبضات مغناطيسية في آلة التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة الموضوعة بالقرب من فروة رأس المستقبل؛ لإحداث تخاطر، لا يمكن أن نعتبره اتصالًا حقيقيًا، إذ هو إلا جهاز تحكم عن بعد.[32] غير أنه يمكن للمرء أن يتخيل حالة أكثر دقة حيث تُشير النبضة المغناطيسية فقط إلى فعل إطلاق النار بدلاً من أن تسببه. ولكن بغض النظر عن مدى براعتنا في ذلك، فإن المعلومات، التي يتم تبادلها محددة للغاية وذات مغزى فقط في هذا السياق المحدد بعد إطلاع المرسل والمستقبل؛ باستخدام لغة طبيعية، على كيفية عمل اللعبة. إذ إن الرسالة، التي يتم إرسالها عبر النبضة ليست فكرة، بل أن الأمر الحركي هو، الذي يدفع عادةً عضلات يد المرسل للانقباض.

وبعيدًا عن تخاطر الأدمغة؛ وقريبًا منه، يسأل آندي باتريزيو، في مقال له بعنوان: “تجزئة الشبكة”، عن طبيعة هذه التجزئة، ليجيب بأنها تصميم معماري للشبكات، يقسمها إلى قطاعات متعددة (شبكات فرعية)، مع عمل كل منها كشبكة فردية أصغر.[33] ونقول إن تجزئة الفرد تبدأ بتجزئة الشبكة، ويعمل التقسيم من خلال التحكم في تدفق حركة المرور داخل الشبكة، ما يُمَكِّن من تقييد حركة المرور في أو على قطاعات بناءً الموقع، جنباً إلى جنب، بحيث يمكن لحركة المرور أن تتدفق كالنبضات المغناطيسية، كما يمكن أيضاً تقييد تدفق حركة المرور حسب نوعها والمصدر والوجهة. ولا شك أن الأمثلة على حالات استخدام تجزئة الشبكة عديدة، ولا يأتيها الحصر، إذ تقول الأدبيات العامة إنه يمكن تطبيق مزايا الأمان والأداء لتجزئة الشبكة على مواقف متعددة، بما في ذلك إنشاء شبكة ضيف آمنة. ويمكن للمسؤولين، وفق ما تُبَشِّر به هذه المعلومات، توفير مساحة للضيوف مع مستوى عالٍ من الأمان ومراقبة النشاط، وتخصيص وصول المستخدمين إلى ما يريدون. ويمكن إنشاء شريحة واحدة لمستوى واحد من المستخدمين، مثل القيود المفروضة على الوصول إلى البيانات الحساسة من قبل الجميع، باستثناء أولئك الذين يحتاجون إليها. ونعتقد أنه قد يسهل علينا تجربة إنشاء شبكة للوصول للعمل من المنزل بأمان إضافي، مثل استخدام الشبكة الافتراضية الخاصة الإلزامية (VPN). وكلما كثر الحديث عن زيادة الأمان في السحابة العامة، تجري تجزئة العملاء أكثر، ويُطلب منهم إدارة الأمان الخاص بهم حول التطبيقات والبيانات والوصول إلى النظام بمفردهم، حتى يكون التحكم بشكل أكثر دقة، فيمن لديه حق الوصول إلى هذه البيانات.

وما كان على باتريزيو إلا أن يُذكرنا بأن عزل أجهزة “إنترنت الأشياء” في شبكتها الخاصة، على سبيل المثال، ما هو إلا مزيد من تمكين المسؤولين عن تجزئة الشبكات للسماح فقط للأجهزة الخاصة؛ مثل الكاميرات الأمنية، بالتحدث داخل شبكتهم الخاصة، وضمان الامتثال التنظيمي من خلال تطبيق الوصول الآمن إلى البيانات الحساسة. وللعلم فقط، فإن تقسيم شبكة ليست مهمة يسيرة، ولا يمكن أن يقوم به كل شخص، بل يتطلب قدراً كبيراً من التخطيط والإعداد، فضلاً عن الصيانة المستمرة. لذلك، تحتاج فرق الشبكة إلى وقت مناسب للتخطيط والتصميم، بدءاً من عمل جرد لأنظمة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها، بما في ذلك البيانات الحساسة، ومكان وجودها، ومن يمكنه الوصول إليها، وتحديد من يحتاج إلى استخدام هذه البيانات. ويساعد هذا في تنفيذ نظام قائم على قواعد ضبط صارمة من خلال منح حق الوصول لمن يحتاجون إليه فقط. وما قد يُثير الدهشة أنه يمكن تصميم الشرائح بعد اكتشاف المستخدمين، الذين يحتاجون إلى الوصول إلى بيانات وأنظمة محددة. وتُستخدم قاعدة الرفض الافتراضية باتباع هذا الأساس لتكوين جدار الحماية، ورفض الوصول إلى كل ما لم يُسمح به صراحةً. ويلتزم القائمون على أمر هذه الشبكات بمراجعة التغييرات بشكل متكرر للتأكد من أنها لا تنتهك تكوين التجزئة. ويستلزم ذلك أيضاً مراقبة عن كثب، لأيٍ من التطبيقات ذات السلوك السيئ، والانتباه إلى حركة مرور الشبكة غير العادية. كما يجب على المسؤولين مراجعة السجلات كل يوم وتحليلها، بحثاً عن السلوك المشبوه، أو غير المعتاد.[34]

وبالمثل، يمكن تقييد الوصول التفاعلي إلى عدد صغير من محطات العمل ونقاط الوصول من خلال التقنيات التالية: تجزئة الواجهة المادية المخصصة، أو “شبكة المنطقة المحلية الافتراضية” (VLAN) إذا كان هناك أي شيء تفاعلي، أو يقتصر الوصول الإداري على شبكات منفصلة، ويفضل فصلها عن الشبكات التشغيلية، ويتم تقليل سطح الهجوم المحتمل بشكل كبير. فالواجهة المنطقية؛ في حالة عدم توفر بنية أساسية مادية، أو شبكة محلية ظاهرية (VLAN)، تسمح عبر مجموعة شبكات UNIX عادةً بتعيين عناوين IP إضافية لواجهة شبكة فعلية واحدة. على الرغم من أنه أكثر عرضة للهجمات منخفضة المستوى، إلا أن هذا الأسلوب قد يكون كافياً للفصل الفعال بين الشبكات. ويستخدم تصميم جدول التوجيه وجدار الحماية؛ كنهج عالي المستوى إلى حد ما، ويُمَكِّن المسؤولين من تقييد الوصول إلى خدمات معينة من عناوين IP المكونة مسبقاً، أو الشبكات، من خلال التصميم الدقيق لجدار الحماية المستند إلى المضيف وجداول التوجيه الخاصة بمستند الـIP.[35] وقد تعود الناس أن يصمموا ويستخدموا التكنولوجيا في العمل، غير مُدركين أنهم مجرد أجزاء كثيرة في دوائر ضبط عميقة؛ تمنح وتقبض عطاءاتها متى ما شاءت، وكيفما شاءت، ولمن شاءت، بدرجات ومقدار. لذلك، تعمل التكنولوجيا على تشكيل العمل والناس، نظراً لأنها قاعدة المعلومات ووسيلة الاتصالات، التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المؤسسات الرقمية المتزايدة اليوم. ولذلك، فإن طبيعة وظائفنا وخبرات عمل موظفينا تتأثر بشدة باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وما نحن وهم إلا بيادق في لعبة شطرنج كبيرة؛ وسيلتها بِعُمق الشبكة العنكبوتية “الإنترنت”، وإطارها بِحجم القرية الكونية.

الإلهاء معزز للتجزية:

يوجد شبه اجماع أن وسائل التواصل الاجتماعي تُعَدُّ مصدراً رئيساً للإلهاء، وتشتيت الانتباه، وتجزئة الاهتمامات، ونقل تركيز الفرد من واجب أمامه إلى تفاصيل مشاهد مبعثرة، والتجوال في فضاءات شتى؛ لاغية للواقع، وخارجة عن عالم الضرورة. وبالتالي، يمكن أن تُعيقه هذه الحالة عن أداء مهامه المعينة بنجاح عن طريق إغرائه باستخدام مُلهِيات وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من ذلك. ومع ذلك، لا يزال هناك نقص في فهم سبب تشتيت انتباه المستخدمين عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ليس في مجال العمل فحسب، بل داخل الحيز الأسري، لدرجة أنها يمكن أن توصف بأنها غدت وسائلًا للتباعد الاجتماعي، من خلال تأثيرها السلبي على العلاقات البينية بين الناس. ويتساءل كلًا من كريستينا كوسمير وأوليفر بوتنر: لماذا تشتت انتباهنا وسائل التواصل الاجتماعي؟ ويقولان إن إلهاء هذه الوسائل يُشير إلى العملية، التي تجذب من خلالها إشارات وسائل التواصل الاجتماعي انتباه الأفراد بعيداً عن المهمة، التي كانوا يتابعونها في الأصل (على سبيل المثال، العمل). بسبب وصول الهاتف المحمول إلى وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، إذ يمكن أن يحدث تشتيت الانتباه عن طريقه بشكل متكرر.[36] وقد اعتمدا في محاولة فهمهما لهذه الظاهرة على مراجعة جملة من الدراسات السابقة حول تعدد المهام باستمرار الآثار السلبية للإلهاء على الأداء، التي أظهرت شيوع هذه الحالة بين قطاعات وشرائح واسعة في المجتمع.[37]

ويلزم هنا أن نُشير إلى أن وصف إلهاء وسائل التواصل الاجتماعي على أنها ظاهرة إشارات وسائل التواصل الاجتماعي (المشتتات)، التي تجذب الانتباه بعيداً عن المهمة المطروحة وتوجهها بدلاً من ذلك نحو وسائل التواصل الاجتماعي، قد أضحت مزعجة للغاية. وبالقطع، فإن الانتباه لظاهرة التشتت وعلاقته بوسائل التواصل الاجتماعي ليست حديثة، إذ بدأ مع الظهور الأول للإنترنت، فقد كتب هارولد باشلر، في عام 1994، أنه بسبب قدرة الإنسان المحدودة على معالجة المعلومات، فإن الإلهاء يمثل مشكلة. وبالتالي، من أجل إنجاز مهام محددة بنجاح، يجب التقليل من مصادر التشتيت على وسائل التواصل الاجتماعي. [38]وهذا ما أكده لانغ، في عام 2000، مُحدثاً أن ما يستجد من وسائط إعلامية يوزع اهتمامات الناس ويجزئهم، خاصة بعد أن أصبحت عمليات الزحف إلى الأخبار عنصرًا شائعًا في النشرات التلفزيونية المحلية. وتُستخدم كوسيلة لتوفير المزيد من المعلومات، والتنافس مع المحتوى الغني للأخبار عبر الإنترنت، والسؤال هو ما إذا كان زحف الأخبار يساعد أو يعيق الاستدعاء الفوري للمعلومات والاحتفاظ بها على المدى الطويل.[39] ويستخلص كلاب وغزالي من ذلك أن الانحرافات تحدث بسبب المنبهات غير ذات الصلة بالمهام، التي تقاطع السلوك الموجه نحو الهدف، مما يستوجب تجاهل هذه الانحرافات عندما يريد الناس التركيز على مهمة تتطلب اهتمامهم الكامل لتحقيق هدف معين. على سبيل المثال، عند كتابة ورقة، أو التحدث إلى شخص ما، فإن إشارات وسائل التواصل الاجتماعي؛ باعتبارها عوامل تشتت الانتباه غير ذات صلة في هذا الموقف، تشتت الانتباه عن طريق جذب الانتباه بعيداً عن المهمة الأساسية.[40]

استنتاجات:

إن الاستنتاج الأهم، الذي لا يختلف عليه أحد، هو أن تكنولوجيا الاتصالات تطورت، وتستجد مُحْدَثَاتها، بصورة مذهلة، وكل من أوجده الحظ في حاضرها، وكُتِبَ عليه أن يعيش في العالم اليوم، عليه أن يقبل حقيقتها، التي قد تكون محيرة، وفي أحيان محبطة، وربما مثيرة للغضب وصادمة، رغم ما جلبته من منافع لا تُحصَى ولا تُعد. ومثلما مددت حواسنا، وفقاً لمارشال ماكلوهان، فقد امتلكتنا عبرها، لأنها الآن في كل مكان، ولا يمكن تجنبها، أو الهرب من تأثيراتها. ولأننا لا نملك، فمبلغ خشيتنا من تصورات وتوجهات من يملكونها ويحتكرونها، وماذا يريدون بِنا، وماذا يخططون لنا، ومن دون أن يشرحوا ماهية غاياتهم حقًا، وماذا هم فاعلون، وما قد يكون مفيدًا لهم، أو لنا بالفعل. وقد لا تخضع كل هذه التساؤلات لمطلب الإجابة، مثلما لا يخضع كل شيء للمنطق، وليس من السهل الاختيار، في حال التجزئة، الأجزاء المفيدة وحدها، وتجاهل الأجزاء غير المناسبة بأمان كامل؛ مهما وثقنا في قدراتنا التقنية كأفراد. ومع الخوف المتزايد من أن الغد يُنبئُ بأن ما يجري تطويره من آلات وروبوتات ستكون أكثر ذكاءً، وربما مُفَضَّلة علينا، فالحاجة ماسة إلى معرفة المهارات، التي يمكن تعزيزها لتتناسب مع مستوى الكفاءة المطلوب في المستقبل. فقد أصبحت التقنيات الرقمية بمثابة الضرورة، أو الواجب، الذي لا يتم الواجب إلا به في حياتنا اليومية؛ العلمية والعملية، وكذلك الترفيهية، التي قد يرافقها الكثير من الإلهاء، وتشتت التركيز، وتجزئة الاهتمام، وما ينعكس من ذلك سلبًا على العلاقات الاجتماعية. وبالنظر إلى هذه العواقب السلبية، يظل من المهم أن تتعدد الدراسات لفهم الأسباب الكامنة وراء تشتيت انتباه المستخدمين في عالمنا العربي والإسلامي، في توظيفهم لتكنولوجيا الاتصالات بشكل عام، وتعاملهم مع وسائل التواصل الاجتماعي على المستوى الخاص. ومن ثم توصيف المناهج المثلى، التي يمكن أن تُساعد على زيادة قدرتهم على تعظيم النفع مما هو مفيد، والتعامل الحصيف مع إلهاء ومشتتات الوسائط الاجتماعية غير المرغوب فيها.

لهذا، فما من توصية يمكن أن تكون مقبولة وعقلانية أكثر من الدعوة لبناء القدرات الرقمية الأساسية في مجتمعاتنا، وعبر كل القطاعات، والإسهام الفاعل في التأسيس لقواعد معرفية بديلة لما تزخر به الفضاءات الافتراضية من معلومات، لا نملك من أصالتها إلا القليل. فقد كانت هذه الدعوة لتملك مهارات الاتصال كلمة رئيسة ثابتة في جميع المناشدات، التي تحمل الكثير من الإرشادات حول أفضل المهارات، التي يجب امتلاكها، ولكن الآن، أكثر من أي وقت مضى، فإن الحاجة إلى الخبرة الخاصة في الذكاء الاصطناعي والاتصال الافتراضي هما ما ينبغي التركيز عليه في قمة الهرم المؤسسي للدولة والمجتمع. كما يلزم التملك؛ ولو دعا الأمر احتكار آليات وبوابات الإتاحة، مثلما تفعل أوربا بمحاولة الفكاك هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على الفضاء الافتراضي، وما فعلت الصين وروسيا، وغيرهما، من تَخَيُّر بوابات ومصدات خاصة بها. وقد بدأ من الواضح أن ما يسمى بـ”الأتمتة” قائمة كواقع لا شك فيه، وستكون كبيرة جداً في السنوات القادمة، إذ هي ليست “فقاعة” تمضي بشفاء الناس من سطوة إبهارها، بل باقية بقدر كبير من اليقين. وبينما لا يمكن للبيانات والأبحاث والتطور الماثل أن ينبئنا بمسار المستقبل، ولا كيف ستتغير التكنولوجيا، أو طبيعة العلاقات الوظيفية والاجتماعية بالضبط. ولكن المؤكد أن ما ألفناه من مسلمات، وما تعاقدنا عليه من ثوابت ومواضعات، ستواجه تحديًا وجوديًا، قد لا تُسعفنا فيه القدرة على التكيف فقط، وإنما لا بد من استعداد حقيقي للتعامل العلمي مع المواقف المستجدة، والقدرة الجماعية على مواجهة المشكلات والتغلب الفطن على التحديات.

وفي الختام، يلزم التنبيه إلى أن ما تقدم لا يعني دعوة للانعزال، أو الانغلاق، أو الانكفاء على الذات، فالخصوصية لم تعد خيارًا للبقاء في العصر الرقمي، حتى لو اخترنا العيش في كهوف في مجاهل الصحراء، أو بروج مشيدة على قمم الجبال، وإنما حَثٌ على التكيف بعقلانية وعلمية؛ لا تستثني الجهد والتكاليف المادية. وقد لا نتفق تمامًا مع ما قاله آرت كوفيلو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة RSA الرائدة في مجال الأمن الرقمي، “إن مسألة الأمن والخصوصية هي القضية الحاسمة في عصرنا”، مضيفًا بنبرة تنذر بالسوء، “سواء كنا نستطيع حلها أم لا، سيحدد ما إذا كنا أسياد [العصر] الرقمي أم أننا ضحاياه.” ونحن هنا كذلك، نشاطره فرضية أن لكل تقدم عظيم للمجتمع البشري، هناك خطر ملازم له، ويمكن القول إنه يجب دفع الثمن، في كلا الحالتين؛ كلفة أن نكون سادة أنفسنا، أو ضحايا تقاعسنا. لكن، وحتى لا يكون الثمن، الذي ندفعه اليوم مقابل راحة عالمنا المُشَبَّع بوسائل التواصل هو ثمن خصوصيتنا، علينا إعادة النظر في طريقة تعاملنا مع ما توفر لدينا من هذه الوسائل؛ أكانت هي الرسائل، التي تشترط علينا التضحية بالخصوصية مقابل الراحة، أو مجرد الترفيه، والإلهاء، وموازنة ما ينتج عن ذلك من تجزئة لعلاقاتنا الاجتماعية التقليدية. إن علينا أن نُدرك أن للتحصين سبيل، ولن نكون أول من يسلكه، إذ ما من أمة حية إلا وطرقته، أو تجتهد في البلوغ عبره إلى مراميها. وطالما تحدثنا عن “الأدلجة” و”التجزئة”، علينا أن نتذكر دائمًا أننا نعيش في عالم غير متكافئ، قُدِّرَ أن يكون فيه السعي للمنافسة والهيمنة المحركان الرئيسيان لبلوغ الهدف، وأن نُدرِك أن هذا العالم مترابط بشدة بوسائل الإعلام، التي تبث فينا أفكار وأيديولوجيات مختلفة، تحاول إحداث تغيرات هيكلية في بنية مجتمعاتنا وثوابتها، وممسكات هويتنا وأصول مكوناتها؛ فهل نقبل التحدي بما يقابله، أم نُوَطِّن قابليات هذه التغيرات؟!!

عن موقع :

logo

  • *الدكتور الصادق الفقيه: سفير سوداني، الأمين العام السابق لمنتدى الفكر العربي، الأردن، وأستاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية بجامعة صقاريا، ومستشار مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)، أنقرة، تركيا.
  • هوامش الموضوع:

[1] https://media–studies-tki-org-nz. /Teaching-media-studies/Media concepts/Ideology? _x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

[2] أسماء وسام، “كيف تؤثر ملكية وسائل الإعلام على استقلال المحتوي الإعلامي؟”، 16 سبتمبر 2022، https://elakademiapost.com/%D9%83%D9%8A%D9%81

[3] رويترز، الولايات المتحدة تحجب مواقع مرتبطة بالتضليل الإيراني.” (2021/06/22).: https://www.reuters.com/world/middle-east/notices-iran-linked-websites-say-they-have-been-seized-by-us-2021-06-22 . ، تم الوصول إليه في 21 ديسمبر 2022.

[4] Adib Abdulmajid, “Media and Ideology in the Middle East: A Critical Discourse Analysis”, Digest of Middle East Studies, Volume 28, Issue 1, Spring 2019, Pages 23-47.

[5] Ben H. Bagdikian, “The Media Monopoly”, 6 Edition, Beacon Press, 2000, pages 36-39.

[6] Savaş Çoban, “Media, Ideology and Hegemony”, Series: Studies in Critical Social Sciences, Published by Brill, Volume: 122, 04 September 2018, https://brill.com/display/title/35962#showmorecontent

[7] “A model for the influence of media on the ideology of content in online social networks”, Published by the American Physical Society under the terms of the Creative Commons Attribution 4.0 International license, Vol. 2, Issue 2, April – June 2020.

[8] Savaş Çoban, Opid, Cited.

[9] وُلد مارشال ماكلوهان، عام 1911، وتوفي عام 1980، ولم تتح له الفرصة لتجربة تكنولوجيا الاتصالات بالطريقة، التي نعرفها بها اليوم، لكن هذا لم يمنعه من ممارسة تأثير كبير عليها. كان ماكلوهان هو أول من تحدث عن هذه التكنولوجيا والاتصالات، التي لها القدرة على إنشاء “قرية عالمية”. وبصفته معلمًا مبكرًا ورائدًا في دراسة الاتصال وتطوره بمرور الوقت، قدم ماكلوهان الكثير من الملاحظات حول تأثير الأشكال الجديدة للتعبير والإعلام، وأن تعبير “الوسيلة هي الرسالة” كان له تأثير مدوي ليس فقط على كل وسائل الإعلام.

[10] Marshall McLuhan, Lewis H. Lapham, “Understanding Media: The Extensions of Man”, Paperback, The MIT Press; Reprint edition 20 October 1994.

[11] مستقبل الإعلام، “إعادة تشكيل سلسلة القيمة الإعلامية من خلال الاستخدامات المسؤولة والمبتكرة للبيانات”، https://mediafutures-eu.translate.goog/?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

[12] يصف مارشال ماكلوهان، في “القرية العالمية  The Global Village، ظاهرة العالم بأسره، الذي أصبح أكثر ترابطًا نتيجة انتشار تقنيات الوسائط في جميع أنحاء العالم. وقد صاغ ماكلوهان هذا المصطلح في كتابيه “مجرة جوتنبرج: صنع رجل مطبعي- The Gutenberg Galaxy: The Making of Typographic Man“، الذي صدر عام 1962، و“فهم وسائل الإعلام – Understanding Media، والذي  صدر عام 1964. وقد صارت “القرية العالمية” تُشير إلى “المصطلح السائد للتعبير عن التعايش العالمي، الذي تغير بفعل التجارة عبر الوطنية والهجرة والثقافة”، كما ورد في استطلاع، عام 2012. إن تعريف الصحفي الاقتصادي توماس فريدمان لـ”القرية العالمية” كعالم “مرتبط معًا في سوق وقرية واحدة معولمة” هو فهم معاصر آخر للمصطلح.

[13]  مارشال ماكلوهان، “الوسيلة هي الرسالة”، https://www.obtaineudaimonia.com/medium-message-marshall-mcluhan

[14] Ilana Gershon, “Media Ideologies: An Introduction”, INDIANA UNIVERSITY, Journal of Linguistic Anthropology, Vol. 20, Issue 2, pp. 283–293, ISSN 1055-1360, EISSN 1548-1395. © 2010 by the American Anthropological Association. All rights reserved. DOI: 10.1111/j.1548-1395.2010.01070.x

[15]  فريدريك بيتز، “نموذج الخلط المحدود متعدد الحدود”، الناشر اسبريىجر-فيرلاج، 21 مايو 2013، الصفحات 32-35.

[16] غاري لوبيان، وآندي كلارك، “المتعاونون الفائقون”، مجلة أوين الإلكترونية، تاريخ الدخول 6 فبراير 2023، https://aeon.co/essays/how-might-telepathy-actually-work-outside-the-realm-of-sci-

[17] غاري لوبيان، وآندي كلارك، المصدر السابق.

[18] Raymond Boyle, Richard Haynes, “Power Play: Sport, the Media and Popular Culture”, Edinburgh University Press; 2nd edition, May 21, 2009.

[19] لوبيان وكلارك، المصدر السابق.

[20] بيلوت، إم، تشيرش، ك.، ودي أوليفيرا، ر.، “دراسة في المواقع لإخطارات الهاتف المحمول”، من وقائع المؤتمر الدولي السادس عشر حول التفاعل بين الإنسان والحاسوب مع الأجهزة المحمولة والخدمات (Association for Computing Machinery)، تورونتو، أونتاريو، كاليفورنيا، 2014، الصفحات 233 – 242.

[21] Jason Gross, “The Medium is the Message”, 4 July 2011, https://www.smashingmagazine.com/2011/07/the-medium-is-the message /#expanding-our-understanding

[22] إيرانجا، “معادلة عصر المعلومات الثالث بوسائل الإعلام الجديدة الناشئة والتقدم في تقنيات الوسائط الجديدة”، إي بوكس، 2016، صفحة 20.

[23] روجر سيلفرستون، “ما الجديد في الوسائط الجديدة؟ الإعلام الجديد والمجتمع، المجلد 11، عام 1999، الصفحات 10-12.

[24] مصطفى جودارزي، وعلي أصغر فهيميفار، وإلاهي شاكري دارياني، “الإعلام الجديد والإيديولوجيا: منظور نقدي، مجلة دراسات الفضاء الإلكتروني، 5 (2)، . (2021) ص 137-162.doi : 10.22059 / jcss.2021.327938.1065

[25] يعتبر الفيلسوف الألماني يورغان هابرماس أن إنجازه الرئيس هو تطوير مفهوم ونظرية العقلانية التواصلية ؤCommunicative Rationality“، الذي يميزه عن التقليد العقلاني بتحديد العقلانية في بنى الاتصال اللغوي الشخصي. تقدم هذه النظرية الاجتماعية أهداف الانعتاق أو التحرر الإنساني، بينما يبقى الإطار الأخلاقي الشامل. وهذا الإطار يستند إلى حجّة تدعى “البرجماتية الشاملة Universal Pragmatics“، كل الأفعال الخطابية لَها نهاية متـأصلة، وهي هدف الفهم المتبادل، وأن البشر يمتلكون القدرة التواصلية لجلب مثل هذا الفهم.

[26] أسماء وسام، مصدر سابق.

[27]  مارشال ماكلوهان، “فهم الوسائط: امتدادات الإنسان”، صدره عام 1964، يقترح فيه المؤلف أن تكون الوسائط، وليس المحتوى الذي تحمله، هي محور الدراسة، وأن الوسيلة تؤثر على المجتمع، الذي تلعب فيه دوراً أساساً بخصائص الوسط بدلاً من المحتوى. https://designopendata.files.wordpress.com/2014/05/understanding-media-mcluhan.pdf

[28] لقد لعب مارشال ماكلوهان بفكرة “القرية الكونية”، وجعلهما يبدوان وكأنهما مفردتين متناقضتين باعتبار أن “القرية” شيء محلي، ذو نطاق منخفض، بينما يشير “الكون” إلى العالم بأسره، متقصداً شرح عواقب تطور وسائل الإعلام وميزاتها.

[29] ماكلوهان، المصدر السابق.

[30] Alice Johnston, Food Editor, “11 Surprising Places Where You Can’t Use Your Phone, Ever”, 16 April 2018. https://theculturetrip.com/north-america/usa/articles/11-locations-where-you-cant-use-your-phone-but-you-wont-miss-it/?utm_source= facebook&utm_medium=facebook&utm_campaign=032018nophone

[31]  إن هذه العبارة، التي روج لها مارشال ماكلوهان في كتابه” فهم الوسائط: امتدادات الإنسان”، الصادر في عام 1964، الذي سُمِّيَ أيضًا بـ”الوسيلة هي الرسالة”، تلك العبارة التي صمدت حقيقتها أمام اختبار الزمن.

[32] مجلة أيون، مصدر سابق.

[33] آندي باتريزيو، “تجزئة الشبكة”، تم التحديث الأخير في مارس 2022، والدخول في 30 ديسمبر 2022،  https://www.techtarget.com/contributor/Andy-Patrizio

[34] https://www.techtarget.com/searchnetworking/definition/network-segmentation

[35] جيرالد بيوتشيلت، “شبكات إدارية مخصصة”، “أمن المعلومات والحاسوب”، (الإصدار الثالث)، 2017، https://www.sciencedirect.com/book/9780128038437/

[36] كريستينا كوسمير وأوليفر بوتنر، “التفاعل بين الإنسان والوسائط”، جامعة دويسبورغ إيسن، ألمانيا، 2 ديسمبر 2021، https://doi.org/10.3389/fpsyg.2021.711416

[37] تجدر الإشارة إلى أن العديد من هذه الدراسات أكدت أن الإنترنت والهواتف الذكية تُمكِّن المستخدمين من الاتصال الدائم بالإنترنت والاتصال الدائم بفضاءات خارج دائرة العمل، كما في الدراسة، التي حررها Vorderer et al في عام 2018، أو دراسة Jeong and Hwang، التي أصدرها عام 2016، والتي أكدت تشتت انتباه المستخدمين بشكل دائم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. كما أظهرت الدراسات السابقة على الأداء الأكاديمي بين الطلاب، أهمها: دراسة Junco and Cotten، في عام 2012؛ والدراسة التي حررها Giunchiglia ، في عام 2018، أو دراسة Brooks، التي صدرت عام 2015، حول الرفاهية من خلال جذب انتباه المستخدمين عبر موارد معرفية محدودة.

[38] Pashler, H. (1994). “Dual-task interference in simple tasks: data and theory“. Psychol. Bull. 116, 220–244. doi: 10.1037/0033-2909.116.2.220

[39] Lang, A. (2000). “The Limited Capacity Model of Mediated Message Processing. Journal of Communication“, 50, 46-70. http://dx.doi.org/10.1111/j.1460-2466.2000.tb02833.x

[40] Clapp, W. C., and Gazzaley, A. (2012). “Distinct mechanisms for the impact of distraction and interruption on working memory in aging”. Neurobiol. Aging 33, 134–148. doi: 10.1016/j.neurobiolaging.2010.01.012

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد