أبا لحسن تراث بشري حي بواحة دادس مكون

بقلم ذ.الفنان عمر أيت سعيد//

إنسان ربما لن تجد من نوعه اثنين في العالم، إنسان يعشق البقر والثيران ، يحب هذه الحيوانات ويجعل منها رفقة طيبة له ، يرعاها حق رعايتها، برفق وبعناية قل نظيرهما، يتواصل معها بكيفية تدهش الناس جميعا، يروض العنيف منها ويستلهم همم الضعاف والنحال منها .

”أبا لحسن” رجل في الستين من عمره، بطل في ترويض الثيران والبقر عاش ولا يزال يعيش بيننا طيبا ، نزيها ومتسامحا، تعتريه الخطورة في مهنته فهو الذي يعرض نفسه للهلاك من أجل خلاص وراحة الاخرين، كل من اشترى دابة في السوق وتعذرعليه كراء ناقلة لنقلها فلابد أن يستعين بقدرات ومهارات ”أبا لحسن ” الذي يسوق الدابة أو الثور الى منزل الشاري دون عناء أو مشقة .

إننا نسوق لكم هذا النص ليس رغبة في الكلام من أجل الكلام لكن رغبة منا في إيضاح رؤية أبالحسن للعالم فهو الرجل الإيكولوجي المرتبط بالأرض ،المنسجم مع منطقها ، منطق العطاء. الإنسان الأصيل المتواضع مع الجميع، إنه مثل نافذة تربطنا بالماضي الجميل لا يؤمن بالحياة الجديدة المثقلة بالرداءة والتكنولوجيا التي سجنت الناس وسلبتهم حريتهم وجعلتهم يبتعدون أكثر فأكثر عن الطبيعة وفصولها  وعن الحياة وواقعها .

”أبا لحسن ” زاول مهنة ترويض الثيران كيفما كان نوعها أو درجة عنفها ،بإشارات وأساليب فنية منه يركع الثور ويجعله حليما بل الأدهش في الأمر أنه يسوقه الى البيت المقصود دون حاجة لجره بحبل أو ما شابهه ،فهو يلوي الحبل على قرون الثور ويريه الاتجاه وبعصا رقيقة من يديه يضبط سائر حركاته وسكناته  ، لا يعنف بها الدابة، لكنها تشبه الى حد بعيد  عصا الساحر التي تحول الأشياء وتطوعها .

أظف الى مهنة ‘‘أبا لحسن ” المتسمة بالخطورة فهو يزاول مهنة أخرى وهي أنه يملك ثورا فحلا يطلبه الناس من أجل إحضاره لتحقيق الخصوبة للبقر المحتاجة لذلك وما استرعى انتباهنا هو تلك الشجاعة الممزوجة بالوقار والاحترام والحشمة التي يتحلى بها ويشتغل بها ”أبا لحسن ” في القيام بمهامه، هو الرجل المتسم بالقناعة في كل شيء حينما ينجز مهمة من هذا النوع يكتفي بالقليل من النقود وأحيانا يكتفي بالدعاء له فقط ، يفرح الأسر ويسعدها أيما سعادة.

وكيف لا يتضامن الناس البسطاء الفلاحين معه وهو سبب وسر سعادتهم ، فقد حدث في أحد السنوات أن فقد أحد ثيرانه إثر حادة أودت بحياة ثوره  المعروف فغمره الحزن واليأس لكن الأيادي البيضاء رفعت عنه الضنك و القنط فقد قدم الناس له مساعدات عينية و مادية الى أن استطاع بعد أشهر قليلة أن يعلف ثورا أخر يتحدى به عناد الطبيعة وواصل مشواره المتسم بالعطاء وحب الخير للناس .

عادة ما تراه يسير وراء ثوره الفحل. الثور جزء منه هو رأس ماله الرمزي ، صورته القوية في المجتمع ، يمشي به في طرقات غير رسمية لأن ”أبا لحسن ” يعلم علم اليقين المختصرات من الطرقات المفيدة في الواحة. هو ليس بحاجة للطرقات المعبدة التي يعرفها ويعلمها العامة من الناس والتي يعتقدون أنها السهلة و السريعة للوصول . لا، فبا لحسن ابن القرية والواحة ،ابن الأرض يعلم سرها وشعابها ويعلم علم اليقين شرايينها وأردتها .

شخصية كبيرة مثل ”أبا لحسن ” تكرم أيما تكريم في الأمم التي تحترم الإنسان، تلك الأمم التي تعلق مداليات ذهبية على صدور مثل هؤلاء العظماء ، لأن مثله نادر يحب الحيوان ويحافظ على القيم ويتعاون مع الجميع ، أمثاله تعتبره الدول المتقدمة تراثا بشريا حيا ، نحن أوردنا هذه الحروف لأننا نؤمن بقوة الكلمات و الحروف اعترافا منا بجميله وعطائه نفتخر به لأنه خذم الجميع في زمن الرداءة فانتصر للمصلحة الجماعية والطبيعة والحياة .

بقلم ذ.الفنان عمر أيت سعيد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد