في هذا المقال اجتمع 3 فاعلون من أبناء سوس ..فالمقال بقلم الدكتور محمد همام الجامعي عاشق الفن والفنانين وصورة المقال للفنان التشكيلي المخضرم عبد الله اوريك وفي الصورة مع ايدير المتواضع الكبير حكيم منصات الفن وصديق الفنانين ابراهيم المزند الذي استضف ايدير في احدى دورات مهرجان تيمتار ..هؤلاء 3 اجمعوا على ان ايدير فنان عالمي فنان الهوية الامازبغية المغاربية الافريقية ..
ترجل الفنان الجزائري ايدير، رحمه الله. رحل جسده وستبقى ألحانه وكلمات أغانيه تنعش الحيارى والمستضعفين والمهمشين ، وتصعق الظلمة والمعتدين على ثقافة الشعوب وعلى لغاتها وهوياتها، التي تمارس فيها وبها وجودها وإنسانيتها. كل شيء في حياة هذا الفنان الموهوب صدفة! والصدف مكر التاريخ. كان يحلم أن يكون عالم جيولوجيا، يبحث في الطبيعة وفي الأحجار ، فشد الرحال إلى الصحاري والغيران… وفجأة قذفت به أمواج الصدف إلى عالم الفن؛ إذ لم يقتنع بعض أساتذته، من ذوي الحدس الحاد بأن التلميذ حميد، وهو اسمه الشخصي، طالب علم؛ فربما انتبه الأستاذ في لحظة شرح لدرس الجيولوجيا أو الجغرافيا، فوجده بقدر ما هو منتبه بقدر ماهو يدندن ويحرك رجله أو رأسه، فكأنما يلحن درس الجغرافيا أو الجيولوجيا. ثم إن موهبته غلبت طموحه العلمي، فأصبح طالب موسيقى؛ فعوض أن يجد نفسه في المختبرات وجدها على المنصات والمسارح، مثل اولمبيا بباريس…وعوض أن يحمل أقلاما أو أدوات كشف جيولوجي، وجد نفسه يحمل على كتفه قيتارة صارت أقرب إليه من حبل الوريد، يلحن بها أحزان الوطن ومعاناة الإنسان، ويهش بها على كرامته، ويدفع بها المعتدين على هويته وثقافته، وكانت له فيها مآرب موسيقية إنسانية كثيرة.
لم ينعم كبقية الناس بالعيش في اسمه الشخصي الأصلي( حميد)، بل عرف باسم مستعار( ايدير)؛ فيه تنفس كل الشهرة والنجومية ، وعرفه العالم خارج اسمه الأصلي. بل كثيرون يصرون على وأد اسمه الأصلي، كأنه كتب عليه الوأد أكثر من مرة، مدنيا وثقافيا. فالذين يلغون اسمه الأصلي يخافون من ايحاءاته، كما يتخيلون، التي لاتناسب( ايدير المتخيل) في أذهانهم. ايدير الذي يريدونه حطبا لمعاركهم الأيديولوجية، التي لم يفكر فيها ايدير يوما. وآخرون لايريدون ايدير، يريدون فقط حميد، أحد سكان قرية ايت الحسين، ويرفضون ايدير المزعج لأيديولوجيا الهيمنة والخضوع، وهم يعرفون أن خروجه من البلد يحمل إشارات الرفض والتنديد بالاستبداد والتهميش، ولكنه عاد بعد قرابة أربعين سنة من الغياب، ليثبت أن الفنان له حسابات الفن والجمال والعطاء وليس حسابات السياسة القائمة على الربح والأخذ.
كان الفنان ايدير، رحمه الله، يرفض الزج به في الصراعات السياسية، ويعتبرنفسه فنانا وحسب. نعم يدافع عن قضية عادلة، الأمازيغية لغة وثقافة، ولكن لا يريد أن يكون خصما سياسيا لأحد، كما كان يرفض أن يحتفي به موسيقيا أولئك الذين يحرمون مواطنيه من حقوقهم الثقافية، ولكن كل هذا لم يكن بنفس سياسي تحريضي، أونزعة شعبويةاحتجاجية. كان يعتبر نفسه فنانا جزائريا، وليس فنانا إثنيا؛ فنانا مؤمنا بسحر الموسيقى واللحن والكلمة والصوت، وقوة الفن في التأثير، ونشر الجمال وقيم الخير. وكان يعرف أن الفنان مثل الطائر الحر لايتنفس إلا في الهواء الطلق وليس داخل الصناديق مهما كانت عدالة حمالها.
من يستمع لألبومات الفنان الألمعي ايدير؛ من A Vava Inouva، سنة 1976، مرورا ب: Ay Arrac Negh، سنة 1979، le petit village- chorale enfantine، سنة 1986، و Les chasseurs de lumière، سنة 1993، وAdrar inu، سنة 2013، وIci et Ailleurs، سنة 2017. من يستمع ليستمتع بهذه الألبومات، وبالمناسبة ايدير ليس غزير الإنتاج، أو بالأحرى الإصدارات، ولكنه دقيق في التقسيم والتوزيع، وفي الصوت، وفي الكلمات، في ما يخرجه إلى الجمهور. من يستمع يتأكد بأن الفن إما أن يكون إنسانيا أو لا يكون! وكان ايدير رحمه الله يعرف أن الناس، كل الناس، يحبونه لفنه الإنساني وموسيقاه العالمية، وليس لما يتوهمونه في أذهانهم. إن خندقة ايدير أيديولوجيا تقليل من العمق الجمالي الإنساني الذي يحمله فنه وموسيقاه. إن القضايا العادلة هي التي يدافع عنها الإنسانيون وليس الأيديولوجيون وحسب.
رحم الله الفنان ايدير، وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون. أسفله رابط أغنيته الشهيرة ( أفافا إنوفا).( مع الترجمة).
بقلم الدكتور محمد همام.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.