هل فعلا نريد الإطاحة برأس شباط؟

4587أمل مسعود//

عندما أعدم صدام حسين ليلة عيد الأضحى بعد محاكمة عبثية أدارها أبناء عروبته العراقيون، هل كان الغرض الإطاحة برأس صدام حسين أم إذلال العرب و إظهارهم كأمة ضعيفة عديمة الحيلة تنفذ تعليمات أمريكا و تعدم زعيمها بيدها؟

عندما قتل القذافي و نكل به ببشاعة منقطعة النظير وتم نشر مقاطع فيديو تجسد لحظة اغتياله الحيواني، هل كان الغرض الإطاحة برأس القذافي أم إثارة الرعب النفسي لدى الحكام العرب و جعلهم يتحسسون على رؤوسهم بفزع قصد الانصياع بهستيرية  لرغبات القوى العظمى؟

و نحن نشوه سمعة بشار الاسد كل يوم في الإعلام الدولي دون أن نعمل أي شيء حيال تحسين الأوضاع هناك و إيقاف سفك الدماء، هل الغرض هو الإطاحة برأس بشار أم زرع الفتنة و تغذية الانقسامات و نشر الفوضى في الشرق الأوسط؟

و نحن نوجه الضربات الموجعة لأمين عام حزب الاستقلال حميد شباط، الواحدة تلو الأخرى، و بعد أن ظللنا لسنوات نمجد فيه ونضخمه و نتعامل معه كسياسي القرب المدلل، هل نريد فعلا الإطاحة برأس شباط أم نريد زعزعة حزب الاستقلال و إبعاده نهائيا عن الساحة السياسية؟

فحزب الاستقلال، و رغم أنه خاض الحكومة في فترة عصيبة امتازت بالثورات العربية، إلا أنه حصل على نتائج مشرفة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، انتخابات شهد الخصوم قبل الأصدقاء بشفافيتها و نزاهتها. فمكنته الحصيلة من المشاركة في الحكومة مع حزب العدالة و التنمية بحقائب وزارية جد مهمة. هذا المعطى يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن حزب الاستقلال له جذور قوية  في  المجتمع المغربي و أنه حزب يرى فيه المغاربة ذواتهم و يسمعون بواسطته أصواتهم.

و لكن، و منذ أن قدم حميد شباط ترشيحه لقيادة حزب الاستقلال في المؤتمر الأخير، و الحزب يعيش حالة من الذهول و الصدمة و انعدام الفهم. فلا أحد من الاستقلاليين كان يصدق في أعماقه أن حزب علال الفاسي سيقوده حميد شباط. و مع ذلك نجح حميد شباط في الظفر بالأمانة العامة لأقدم حزب سياسي بالمغرب وسط تتبع و مواكبة مختلف القوى السياسية الوطنية و الأجنبية و بتغطية إعلامية عربية و دولية و كأن العالم بأسره كان ينتظر فوز شباط ليصفق له او ليصفق لمصالحه و لبداية عهد جديد.

عاش بعدها حزب الاستقلال انقسامات و صراعات داخلية حادة، و عاش حميد شباط لذة النصر و نشوة قيادة حزب علال الفاسي، فأعماه الغرور من رؤية ما كان يغرز له و للحزب، ناسيا و متجاهلا أنه في عالمنا العبثي الفوضوي لم يعد يوجد مكان للزعامات و لا لذوي القدرات الخارقة و بأنه في وقتنا الحالي على السياسي أن يمتاز بالتواضع و الحذر مهما سمع من الشعارات الرنانة التي تبجله. فالثعالب متربصة في كل مكان.

ثم جاءت الانتخابات الجماعية الأخيرة ليفقد حزب الاستقلال الكثير من مقالعه رغم انه تبوأ مرتبة مشرفة من حيث عدد المقاعد و الأصوات.

فقرر برلمانيو الحزب في خطوة مفاجأة ، عودة أعضاء لا هوادة المطرودون إلى صفوف الحزب، و عندما وضع الأخ عبد الواحد الفاسي، نجل الزعيم علال الفاسي، يده مع الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، كانت جميع الأطراف مؤمنة بأن الفتنة و التفرقة ليست حلا. و بأن الاصل هو الاختلاف و التصالح و التعايش و الدفع بالتي هي أحسن. و بأن إصلاح أوضاع الحزب لا يكون بالقطيعة و الهروب و لكن بالعمل و الحوار و الاحتكاك و التصادم. و بأن الحزب شأن داخلي يخص جميع الاستقلاليين و لا يمكن أن يسمح الاستقلالي الحر بدخول أطراف أجنبية للركوب على الصراع قصد إضعاف الحزب.

في الأزمات، تستطيع أن تتعرف على معادن الأشخاص و على روح التنظيمات. ففقط في لحظات اتخاذ القرارات الحاسمة، يمكنك أن تفهم تنظيما أو حزبا معينا. فحزب الاستقلال، منذ نشأته و ولاؤه الوحيد و الأوحد للملكية و للشعب المغربي و الهوية و العقيدة المغربية. فهو حزب لم  يشارك في الانقلاب على الملكية أيام المغفور له الحسن الثاني، و لم يحتم بماما فرنسا أيام سنوات الجمر و الرصاص لتمرير رسائل للنظام و الضغط عليه، و لم يتلق تمويلات أجنبية من أمريكا للهجوم على الهوية المغربية و نشر ثقافة حداثية غريبة على المجتمع المغربي قصد تدميره من الداخل، و لم يضع يده مع الشرق أو مع جماعة الإخوان المسلمين مع أنه حزب ذو مرجعية إسلامية.    

فحزب الاستقلال، هو الحزب المغربي الوحيد الذي أسس انطلاقا من مشروع مغربي مغربي، و مع أنه منفتح على العالم إلا أنه يحافظ على خصوصياته و استقلالية قراراته و يعتقد أن مشاكل المغرب تحل من الداخل بعيدا عن اي تدخل أجنبي.

و لهذا و عندما نقرأ في صفحات الجرائد عن أجهزة أجنبية كالموساد و غيرها اخترقت الكثير من التنظيمات و الأجهزة بالمغرب، سنفهم أكثر من أي وقت مضى لماذا يتعرض حزب الاستقلال اليوم لهجوم عنيف قصد إضعافه و إزاحته عن الساحة السياسية.  فهو يبقى أقوى تنظيم داخلي مستقل بالمغرب يأخذ شرعيته من الشعب و ليس من الدعم  و الولاء للخارج. فمحاولة إضعافه هو إضعاف للجبهة الداخلية المغربية و إضعاف للمجتمع المغربي و لهويته و إضعاف للملكية بالمغرب.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading