هل تصطف نخب سوس إلى جانب عزيز أخنوش؟

عزيز أخنوش

يعيش المغاربة هذه الأيام على إيقاع معارك سياسية غير مسبوقة، سواء من حيث طبيعتها أو تأثيراتها الفعلية أو المحتملة على الحياة السياسية والإقتصادية ببلادنا. وتستمد هذه المعارك خصوصيتها في طبيعة الأسلحة المستعملة، فالمقاطعة الإقتصادية في زمن تكنولوجيا المعلومات والشبكات الإجتماعية، أصبحت سلاحا فتاكا بين أيدي تيارات سياسية ومجتمعية تستعملها لردع الخصوم وتطويع إراداتهم وإجبارهم على تقديم التنازلات.  

إن المقاطعة الانتقائية لمنتوجات ثلاث شركات من بينها شركة في ملكية زعيم حزب سياسي، قسمت المغاربة إلى مؤيد ومعارض لها، كل يدافع عن “قناعاته” بما توفر  لديه من إمكانيات وأسلحة افتراضية أو واقعية. وسواء كانت هذه الحرب من تدبير الكتائب الإلكترونية لحزب العدالة والتنمية أو تصريفا لتدافع شاذ في الدوائر الضيقة لصنع القرار السياسي، ومهما كانت الأهداف من ورائها، فإنها أفرزت إصطفافات غريبة في المشهد السياسي والاجتماعي؛ حيث اصطف يساريون وإسلاميون وأمازيغيون ولا منتمون في خندق المقاطعين، كما أصطف آخرون من نفس المرجعيات الفكرية في خندق المعارضين للمقاطعة.

إضافة إلى هذا المشهد السوريالي من الإصطفافات، يدفع استهداف السيد عزيز أخنوش بشكل عنيف من طرف المنخرطين في حملة المقاطعة الإنتقائية، في اتجاه بروز اصطفافات من نوع آخر تقوم على أساس ثقافي وجهوي. كما قد يدفع ذاك الإستهداف في اتجاه تفاعل نخب من سوس مع عرضه السياسي؛ فيما يشبه عودة تلك الروح التي سبق وأن أشار إليها صاحب كتاب “أمير المؤمنين”، الباحث الأمريكي جون واتربوري،” السوسيون لم يتميزوا لا بثرائهم، ولا بتواجدهم داخل الإدارة، ولكن بفضل تضامنهم وتنظيمهم الإقتصادي اقتحموا الطبقة الإقتصادية وأصبحوا جزءا من النخبة السياسية المغربية”. وإن كان ولا بد من القول بأن هذا الإستنتاج يظل إبن زمانه ومحصلة بحث بدأه صاحبه سنة 1965 وختمه بتأليف كتابه سنة 1969، لكنه استنتاج يصلح مدخلا لمحاولة فهم موقف نخب سوس من تقلبات الساحة السياسية في مغرب ما بعد دستور 2011، وتفاعلهم مع الأدوار السياسية والاقتصادية المحورية المسنودة وطنيا إلى أحد أبناء سوس . فمن هو عزيز أخنوش بالنسبة لنخب سوس؟، وهل تصطف إلى جانبه بعد كل هذا الإستهداف، ولماذا؟.

إن كل مجتمع يخلق باستمرار مجموعة متناقضة من التمثلات، يعيد بواسطتها إعادة إنتاج نفسه وتعريف الجماعة بذاتها ونفض الغبار عن الهوية وتوزيع الأدوار وتحديد الحاجات الجماعية والأهداف المتوخاة. من هذه الزاوية يمكن مقاربة دخول السيد عزيز أخنوش مجال الزعامات الحزبية، مستندا في ذلك على شفرة (code ) “أغراس – أغراس”، التي بواسطتها جدد علاقته بالجماعة الاجتماعية لسوس في بعده الثقافي والجغرافي، وأعلن عن أسلوبه في ممارسة العمل الحزبي.

أما علاقته بالجماعة الاجتماعية لسوس، فتعود إلى الأدوار المحورية التي لعبها والده أخنوش أحمد أولحاج ( 1909 – 1994 ) في تاريخ سوس زمن الحماية وبعدها إبان المغرب المستقل. فبالإضافة إلى مساهمته في تنظيم المقاومة بسوس، إشتغل على مقاومة من نوع آخر في المدن الكبرى وخصوصا بالدارالبيضاء حيث نظم صفوف التجار من أهل سوس لاكتساح قطاعات اقتصادية مهمة ومزاحمة المعمرين بها. وفي زمن المغرب المستقل، استمر في أدواره القيادية في صفوف أهل سوس الذين أصبحوا قوة اقتصادية وازنة ومؤثرة في الحقل السياسي. كما أنه منظر وزعيم القطب السوسي في حزب الإستقلال ( منظمة إتحاد الجنوب)، وأحد مهندسي الخروج منه للمساهمة في تأسيس الإتحاد الوطني للقوات الشعبية قبل أن يفكوا الارتباط به بعد دخول قيادته في معركة كسر العظام مع القصر. ولم تتوقف مغامرة أخنوش الأب عند هذا الحد بل بادر إلى تأسيس “الحزب الحر التقدمي” سنة 1974 في محاولة منه لتنظيم القوة الاقتصادية السوسية والدفاع عن مصالحها ومصالح سوس، قبل أن يتخلى مرغما عن المشروع ويساهم في تأسيس حزب التجمع الوطني للأحرار. ( يراجع من أجل المزيد من التفصيل كتاب الدكتور عمر أمرير ” العصاميون السوسيون بالدارالبيضاء”. إضافة إلى كتاب الدكتور الحسين واعزي ” نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب”).

 لم يكتف السيد عزيز أخنوش بتوظيف شفرة “أغراس – أغراس”، بل أسس لديناميات ثقافية، تروم على ما يبدو، وضع المقدرات السياسية والاقتصادية في خدمة النهضة الثقافية الأمازيغية السوسية. فبصمات أخنوش ظاهرة بشكل جلي في أغلب المهرجانات الناجحة في منطقة سوس، فهو يسهر شخصيا على فستيفال “تيميتار” بأكادير، ويساهم عن طريق فعاليات قريبة منه في إنجاح ديناميات أخرى كفستيفال “تيفاوين” بتافراوت وملتقيات فكرية وإبداعية مختلفة. وهو بذلك كأنما يعطي البرهان لنخب سوس بأن زمن توظيف اللغة والثقافة الأمازيغيتين في أغراض التعبئة السياسية والحزبية وتهميشهما بعد طول استغلال، قد ولى إلى غير رجعة.

ورغم كل، ذلك فنخب سوس منقسمة على نفسها، وتختلف مواقفها من أعمال ومبادرات أخنوش وعرضه السياسي حسب ارتباطاتها الفكرية والسياسية. ويمكن في هذا الباب ذكر أهم تلك المواقف حسب النخب الحاملة لها :

  1. النخبة السوسية داخل الحركة الأمازيغية :

الجيل الأول من هذه النخبة له تقدير كبير لإسهام آيت أخنوش ( الابن والأب)، فهو على إطلاع على نوعية علاقتهما بالحركة الأمازيغية. فالعديد من الديناميات الأمازيغية منذ السبعينيات إلى اليوم ساهم ويساهم في إنجاحها تمويل “آيت أخنوش”. ( يراجع من أجل تفاصيل أكثر كتاب الأستاذ عبد الله كيكر ” من رجالات سوس احمد أولحاج أخنوش”). ويلاحظ بأن هناك اتجاه عام، داخل النخبة السوسية الأمازيغية، يدرك بأن حال مناعة اللغة والثقافة الأمازيغيتين تقتضي الاستعانة بكل الإمكانات والكفاءات والبحث عن الخيط الناظم بينها حتى تشتغل في إطار العمل التكاملي المنتج. وتوخيا للنزاهة يجب القول بأن هناك بعض الأصوات المخالفة لهذا التوجه العام، من أبرزها المحامي والكاتب الأمازيغي أحمد الدغرني، الذي يعتبر عائلة أخنوش جزء من الرأسمالية السوسية ذات الحنين إلى ماضي دولة جزولة، لكنها تعبر عن هذا الحنين بنوع من حب البلد بدون وعي سياسي. ( راجع كتاب احمد الدغرني ” حراك الريف : التأصيل والإمتداد”).

  1. النخبة السوسية داخل حزب العدالة والتنمية :

لا يعني عدم تداول هذا التعريف عدم وجود الظاهرة؛ فهناك نخبة سوسية داخل البيجدي، برزت بشكل واضح لا غبار عليه أثناء الزلزال الذي هز الحزب بسبب إعفاء أمينه العام السابق من تشكيل الحكومة، مع ما نتج عنه من نقاش حول الولاية الثالثة واختلاف حول مخرجات المؤتمر الثامن للحزب. إن موقف هذه النخبة من السيد عزيز أخنوش يخضع لحسابات الربح والخسارة السياسيين، فهو خصم سياسي، ونجاحاته في تدعيم شبكاته الحزبية والجمعوية بسوس، لن يكون إلا على حساب النخبة السوسية لحزب العدالة والتنمية؛ خصوصا وأنها في أحسن أيامها اليوم بسبب اكتساحها للانتخابات الجماعية والتشريعية السابقة.

  1. النخبة الاقتصادية السوسية :

أمام البرنامج السياسي والاقتصادي للسيد عزيز أخنوش، كما جاء في كتيب بعنوان ” مسار الثقة : مساهمة في بناء نموذج تنموي جديد”، لا نعتقد بأن النخبة الاقتصادية السوسية لها خيارات أخرى غير مساندة أحد أعضائها الناجحين.  فرجال الأعمال يهمهم من يوفر الحماية لمصالحهم، ويفتح أمامهم سبل الإستثمار الناجح، ويدلل أمامهم عقبات السياسات، الجبائية منها وغيرها. وقد سبق وأن شهد سوس أواخر السنة الماضية ما يؤكد ذلك، فقد تمرد المنسق الجهوي ورجل الأعمال محمد أوضمين وقيادات أخرى “بامية” بأكادير على أمينهم العام إلياس العمري، احتجاجا منهم على محاولته تفجير تحالفهم مع حزب الأحرار بمناسبة الانتخابات الجزئية ليوم 5 أكتوبر 2017.

  1. النخبة السوسية اليسارية :

كل استحقاق انتخابي يمر واليسار بكل تلاوينه بسوس ينكمش على نفسه كالإسفنج، وقد زادت الهزائم الانتخابية المتكررة للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمدينة أكادير في تكريس حالة احتضار اليسار بسوس. لذلك تصعب قراءة ما يمكن أن يكون عليه سلوك الأرخبيل اليساري السوسي الهش حيال العرض السياسي للسيد عزيز أخنوش، رغم أن العديد من فعاليات اليسار بسوس قد يغريها المشروع المجتمعي التشاركي للأحرار ونموذج الديمقراطية الإجتماعية (la sociale démocratie ) كما جاء في “مسار الثقة”.

إن المتتبع للسلوك السياسي وأساليب اشتغال السيد عزيز أخنوش، يدرك بأنه موازاة مع اشتغاله على بناء حزب قوي، فإنه يعتمد على تثمين شبكة من الإلكترونات الحرة ( les électrons libres  ) تمد مشاريعه السياسية  بالطاقة اللازمة عند الحاجة. فعلاقته بالنخب السوسية يحكمها هذا السلوك السياسي وأسلوب الإشتغال ذاك.

في ملف حول الحرب الباردة بين “أهل فاس” و”آيت سوس” أعدته ( مجلة تيل كيل     Tel Quel N° 318 )، جاء على لسان أحد المؤرخين، بأنه بعد زلزال أكادير سنة 1960 أطلقت أوساط فاسية إشاعة تفيد بأن ” الزلزال عقاب من الله للتجار السوسيين الذين يعيشون في البذخ والترف”. واليوم بعد أزيد من نصف قرن على تلك الإشاعة وتوظيفاتها ضد النخب الإقتصادية السوسية، يعيد التاريخ نفسه لكن بأسلحة أشد فتكا إسمها “Fake News ” و” المقاطعة الانتقائية”، في استهداف مباشر لمحاولة أخرى من محاولات النخبة الاقتصادية السوسية الجمع بين النجاح في الأعمال والنجاح في السياسة.

وللحديث بقية…


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading