هل تتجه الحكومة إلى فرض إجبارية التلقيح بعد التدهور المرعب للحالة الوبائية بالمغرب ؟
بقلم : إسماعيل الحلوتي
منذ أن اجتاح فيروس كورونا المستجد كافة بقاع الأرض مع مطلع عام 2020 الذي غير معالم الحياة، وما ترتب عنه من تداعيات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، حيث سادت حالة من القلق والرعب شعوب العالم، اضطرت معها الحكومات إلى فرض قيود مؤلمة، لم تحل دون التزايد المتواصل في أعداد المصابين والوفيات. ودول العالم تخوض معركة ضارية ضده، معتمدا في مواجهته على إجراءات احترازية ووقائية وحملات التطعيم، في انتظار تحقيق مناعة جماعية توقف زحفه السريع، وتقي البلدان شره اللعين…
فبعد مرور عدة شهور على انطلاق حملات التلقيح التي لم تكن للأسف متكافئة بين بلدان العالم، حيث أبانت الدول الغنية عن مدى جشعها وأنانيتها المفرطة وأصبح التنافس في ما بينها على أشده، إذ سارعت منذ اللحظات الأولى من إعلان بعض المختبرات عن اكتشافها لقاحات ضد “كوفيد -19” إلى محاولة الظفر بحاجياتها، لاسيما تلك التي انتفضت شعوبها احتجاجا على القيود المفروضة. وبذلك استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية تطوير لقاحين فايزر وموديرنا، وبريطانيا لقاح “استرازينيكا” الذي ينتج جزء منه في الهند، وروسيا لقاح “سبوتنيك 5” والصين لقاحي “سينوفارم” و”سينوفاك”…
تفاجأ العالم في الأسابيع الأخيرة وبموازاة مع تواصل حملات التلقيح داخل البلدان التي تمكنت من الحصول على كميات وافرة من الجرعات، بظهور سلالات جديدة من الفيروس التاجي مثيرة للقلق الشديد لما تتميز به من خطورة وصعوبة الاحتواء، ومنها “ألفا” و”بيتا” و”غاما” و”دلتا”. ويعتبر المتحور الأخير “دلتا” الذي تم رصده في بداية الأمر بدولة الهند، قبل أن ينتشر بسرعة فائقة في جميع أنحاء المعمور، مما تسبب في عودة الهلع والفزع وتشديد القيود، باعتاره الأشد فتكا والأكثر مقاومة للقاحات المستعملة، والتي تبين أنها مازالت توفر للمستفيدين منها حماية جيدة.
فمع اتساع رقعة تفشي متحور “دلتا”، لم تجد عدة بلدان أمامها من سبيل لمحاصرة الجائحة وإنقاذ حياة مواطنيها عدا فرض التطعيم على كل من تزيد أعمارهم عن 18 سنة، وفرضت عقوبات صارمة على الرافضين تلقي الجرعات المحددة، قد تصل إلى حد الفصل من العمل، سواء بالنسبة للأطباء والعاملين في القطاع الصحي أو الموظفين وكل من يمارسون أي نشاط له اتصال مباشر بالمواطنين. بينما اكتفت أخرى من غير المتوفرة على الكميات اللازمة، بإلزام فئة محددة فقط من المجتمع من اللقاح. فيما هناك دول أخرى لا تصرح ظاهريا بإجبارية التطعيم، غير أنها تفرض قيودا على غير الملقحين ترقى إلى مستوى الإلزامية، كمنعهم مثلا من ولوج مرافق الخدمات العامة، والمنتزهات ومراكز التسوق الكبرى واستعمال وسائل النقل العمومي، وهناك كذلك توقيف الرواتب وتعطيل الهواتف الشخصية…
وخلافا لما عرفته الإمدادات الخاصة بلقاح استرازينيكا البريطاني من تأخر في وصول حصتها، عمد المغرب منذ بداية الأمر بفضل الرؤية الاستشرافية والاستباقية لعاهله المفدى محمد السادس الذي أخذ على عاتقه تلقي المغاربة اللقاح المضاد للوباء مجانا وبشكل اختياري ضمن الشعوب الأولى، إلى التفكير في مواجهة تفشي الجائحة بتنويع مصادر التزويد بالجرعات، مضاعفا حظوظه في الحصول عليها تدريجيا بالقدر الكافي لجميع الفئات المستهدفة، وتفاديا لأي تعثر في سير الحملة الوطنية للتلقيح، التي انطلقت تحت إشراف ملك البلاد بنفسه في القصر الملكي بفاس يوم 28 يناير 2021. إذ بادر في غشت 2020 إلى عقد شراكات متعددة الجنسيات مع مختبرات وصلت لقاحاتها إلى المراحل الأخيرة من التجارب السريرية، ومنها لقاحات الصين “سينوفارم” وبريطانيا “أسترازينيكا” وأمريكا “فايزر” وروسيا “سبوتنيك 5″، مراهنا على بلوغ مناعة جماعية في أسرع وقت ممكن وفي أحسن الظروف، قبل مروره مستقبلا إلى مرحلة تصنيع لقاح كورونا وغيره من اللقاحات وتوزيعها إقليميا وقاريا…
بيد أنه وبعد أن استطاع المغرب إحراز تقدم ملموس في محاصرة الجائحة، باتخاذه تدابير وإجراءات احترازية واستباقية مهمة، وبمجرد أن قررت السلطات العمومية في منتصف شهر يونيو 2021 وقبل حلول عيد الأضحى المبارك تخفيف قيود التنقل واستئناف الرحلات الجوية والبحرية، وبعد عودة الروح للسياحة وإنعاش الاقتصاد، إثر توسيع دائرة الفئات المستهدفة بالتطعيم، لم يلبت الوضع الوبائي أن عاد ثانية للتدهور عبر ارتفاع عدد الإصابات اليومية والحالات الحرجة والوفيات، ليس بسبب ظهور متحور “دلتا” وحسب، بل أيضا لتراخي المواطنين وعدم التزامهم بالإجراءات الوقائية والتخلف في الاستفادة من عملية التلقيح أو الاكتفاء فقط بجرعة واحدة بدل جرعتين، مما بات يتهدد أطرنا الطبية وانهيار منظومتنا الصحية.
وهو ما أدى بالسلطات إلى تشديد القيود مجددا، الرفع من عدد مراكز التلقيح وتمديد أوقات اشتغالها إلى الثامنة مساء. كما سارع وزير الصحة خالد آيت الطالب إلى إصدار دورية في 26 يوليوز 2021 للمدراء الجهويين للصحة ومدراء المستشفيات الجامعية يقترح عبرها اللجوء إلى إجبارية التلقيح ضد “كوفيد -19″، باعتباره السبيل الوحيد لحماية السكان من مخاطر ومضاعفات انتشار المتحورات وتلافي العودة إلى فرض حجر صحي شامل، لاسيما أن الأزمة الصحية في تفاقم متواصل ينذر بالكارثة…
إننا وفي ظل ما أصبح عليه المواطنون من استهتار بالإجراءات الاحترازية والوقائية، ساهم بشكل صارخ في ارتفاع منحنى الحالة الوبائية ببلادنا من حيث تزايد أعداد المصابين والحالات الحرجة والوفيات، تكونت لدينا قناعة راسخة بأن أنجع الوسائل لبلوغ المناعة الجماعية وعودة الحياة إلى مسارها الطبيعي، هو أن نحذو حذو الدول التي اعتمدت إلزامية اللقاح في حماية الأرواح، لأنه ليس من العدل في شيء أن يؤدي الأبرياء فاتورة المتهورين الباهظة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.