هل ارتكب المراهقون جريمة ثقافية؟

  • محمد لحميسة//

شاهدت كما العديد ممن حضروا فعاليات معرض الرباط الدولي للكتاب امس السبت، نشاطا غير عاديا، ودينامية تبعث على التساؤل حول سببها، ما الذي يجعل عددا غفيرا من المراهقين والشباب من الجنسين لكن الغلبة للإناث، يتجشمون عناء الشمس والحر الذي عانى منه مرتادوا المعرض في الساحة/الممر الذي يفصل بين الاروقة ؟ لم أكن انذاك املك جوابا ولا الجرأة للسؤال عن الحدث الذي استفزني ولأكون صريحا تهكمت عليه في داخلي، تم حشدهم في الوسط كما الأغنام، وهو مستسلمون للأمر، ولم يعجبني الأمر كما أنني اجهل السبب كما أشرت.

كان الجواب عند صديق جمعتني به الصدفة هناك (ب.و)، هو من أسكت الضجيج الذي افتعلته المشاهد البصرية التي واجهتني هناك، كان السر هو اسامة المسلم، ظاهرة المعرض هذه السنة، والذي شكل من مفاجأة وعنوان ما تداولته المواقع الصحفية منذ يوم أمس، وتضاربت الأراء حوله وحول جودة ما يقدمه في رواياته التي استنكر البعض سطحية محتوياتها واسهامها في تعميق الرداءة في الذوق العام وبين اخرون يدافعون عن المسألة باعتبارها تحمل في عمقها بعدا ايجابيا اذ تعبر عن علاقة الجيل الجديد بالكتاب والقراء.

بدوري اجد نفسي امام هذه المفارقة ولا أريد تجاوزها الا بتركيب عناصرها، وبناء رأيي الخاص، الذي يرى ان اسامة المسلم ورواياته ليس جريمة ثقافية يحاكم المراهقين بارتكابها، والحكم على الواقعة بشكل مانوي (خير/شر) لهو امر متسرع جدا، لأننا نتحدث عن مراهقين لا نستطيع التنبؤ ابدا بمستقبل عاداتهم القرائية، ثانيا لا يمكننا الجزم باستمرار موضة اسامة المسلم هذه الى ابد الآبدين، عديدة هي الفقاعات التي زال مجدها سريعاً لأن اساسها ليس متينا بشكل كافي، من يتذكر روايات كأنتيخريستوس مثلا التي كانت اثناء فترة مراهقتي الموضة التي يتحدث من هم في سني عن سمو قيمتها، انها لا تكاد تعني شيئا اليوم امام اعمال العظماء فعلا، عبدالرحمان منيف او طه حسين او نجيب محفوظ والاخرون، بمعنى اخر الموضة زمنها محدود، عكس الاعمال العظيمة حقا التي لا تزيدها السنين الا اصالة وعتاقة وصلابة.

والحُكم الحقيقي لن يبدأ الا بتحديد جواب على السؤال الآتي: لماذا نقرأ ونطالع، وننفق الوقت والجهد والدقائق والساعات نقلب الصفحات ؟ ان كان الأمر فقط للاستمتاع وتجزية أوقات الفراغ، أي تتحول بموجب هذا الجواب القراءة الى عادة ترفيهية استهلاكية تكاد لا تختلف عن مشاهدة فيلم او برنامج تلفزي او بودكاست، أستطيع القول ان هذه الانشطة الأخرى تحقق المتعة أكثر، كما كان يقول باشلار يوما استلهاما من العبارة الإنجيلية الشهيرة، يقول في البدء كانت الصورة، والصورة هي التي حاول الانسان ترجمتها الى كلمات، الصورة معطى واللغة بناء، وأن تشاهد أيسر من ان تقرأ، ان تتلقى اسهل من أن تبني، والفكرة واضحة بهذا الشأن لا تحتاج شرح أكثر.

أما إن كانت القراءة هي فعل من أجل توسعة الأفق، وتنمية الوعي بالذات وبقضايا العالم المتشعبة وبمشاكله (الاجتماعية والاقتصادية والبيئية اساسا) التي ما تفتأ تتغول وستؤدي بنا الى المحرقة والحائط ان بقيت الأمور على حالها، فإن كتابات اسامة المسلم ليست لها ما تضيفه في هذا الجانب، هي من البساطة بل والسذاجة حتى لأن تجعل قارئها لا يستفيد اللهم الا بعض العبارات والصيغ اللغوية الإنشائية (البسيطة هي الأخرى) من باب استعمالها في كتاباتهم الانشائية المدرسية.

فقط ما اتمناه، وهو في الحقيقة لب رأيي في المسألة، هو ان تكون روايات اسامة المسلم مدخلا بالنسبة لهؤلاء المراهقين الى الكتاب بشكل عام والى ثقافة القراءة وتكون- هذه الروايات- سبيلا لتحبيب المطالعة اليهم في افق تجاوزه مستقبلا الى كتابات اكثر جدية وراهنية على المستوى الفكري والثقافي والعلمي.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading