ما تزال فصول محاكمة الزميلة الصحافية هاجر الريسوني مستمرّة، هي وخطيبها وطبيبها وطاقمه المساعِد، فبعد جلسة استمرّت تسع ساعات بالمحكمة الابتدائية في الرباط، قرّرت المحكمة تأجيلها إلى يوم الإثنين المقبِل 30 شتنبر الجاري.
وشهدت الجلسة الرّابعة رفض المحكمة دفوعات الدّفاع، وردود الدّفاع على ردود ممثّل النيابة العامّة عليهم في الجلسة السّابقة، ومشادّات بين المحكمة والنّقيب عبد الرحيم الجامعي، وأجوبة المتابَعين في هذا الملفّ، فضلا عن الدّفوعات الموضوعية لهيئة الدّفاع.
رفض دفوعات الدّفاع
رفضت ابتدائية الرباط، الإثنين، جميع دفوعات دفاع الزميلة الصحافية هاجر الريسوني، وخطيبها الأستاذ الجامعي رفعت الأمين، وطبيبها محمد جمال بلقزيز، وطاقمه المشكَّل من ممرّض يعمل في التّخدير وكاتبة في عيادَته، قاضيةََ بتوفُّر حالة “التلبّس” بالإجهاض.
وأضاف القاضي في ابتدائية الرباط أن التّلبّس له علاقة بكشف الجريمة، بتقارب زمني بين لحظة اقتراف الفعل واكتشاف ضابط الشّرطة القضائية له، مما يبرِّر مسطرة البحث التّلبيسي. وزاد مبيّنا أنّ الشرطة القضائية توصَّلَت بمعلومة وإشعار بأنّ الطبيب بلقزيز بصدد إجراء عمَليّة إجهاض خارج نطاق القانون، مع وجود اعتياد في قيامه بمثل هذه العمليّات، فتدخّلت بعد إشعار وكيل الملك، وانتقلت إلى عين المكان، وقامت بعد ذلك بحقّها في التّوقيف.
ورفضت المحكمة الابتدائية بالرباط دفع الدّفاع بمسّ الضّبّاط بالسّر المهني للطّبيب وسرّيّة مرتادي عيادته، عند تفتيشها، قائلا إنّ أهمّ عنصر في مسطرة التلبّس هو مسرح الجريمة، ومكان التّفتيش هو ذاك، وتمّ بعد إشعار وكيل الملك، ويدخُل في صلب موضوع البحث، إضافة إلى أن ضابط الشّرطة ملزمٌ بكتمان السّرّ المهني مع غياب أي إثبات للمسّ به عند مرضى الطبيب.
ورفض القاضي دفعَ دفاعِ الأظنّاء بإبطال الخبرة الطّبية على هاجر الريسوني، مبرّرا ذلك بكون القانونِ هو ما يضفي البيّنة القانونية على الوثائق لا الأطراف، ثمّ أضاف أن هذه الخبرة قد تمّت مطابقة لمادّة المسطرة الجنائية التي تتيح الاستعانة بذوي الاختصاص وفق مسطرة المعاينة، وأنّها أُنجِزَت في مرحلة البحث التّمهيدي ووكيلُ الملك لم يضع يده بعد على المسطرة، وهو ما يسري أيضا على شهادة طبّية أصدرها الطبيب سمير بركاش، مما يعني عدم جواز الاحتجاج بعدم أمر وكيل الملك بإجرائها، أو عدم إجرائها بأمر من المحكمة.
وتعليقا على نقاش التّعذيب، رأى القاضي أنّه ليس هناك ما يُثبِت إكراهَ هاجر الريسوني على إجراء الفحص أو الخبرة، مضيفا أنّ علامات إصابتها بعياء كانت تتطلّب بالضّرورة عرضَها على خبرة أو فحصٍ طبّي كما هو جارٍ في هذه الملفّات، نافيا إمكانية إلباسِ الطّبيبِ ثوبَ الجلّاد، لأنّ الطبيبَ دائما يتصرّف وفق ما يمليه عليه ضميرُه وشرَفُه، إلى أن يثبتَ العكس.
ورأى القاضي بابتدائية العاصمة أنّه لم يحدُث أيّ تجاوز فيما يتعلّق بتدبير الحراسة النّظريّة، لأنهم أُشعروا بالحقّ، وأُنجِزَت محاضرهم وفق شكليّات القانون، ثم أضاف: “ما في الدّفوع لا يَرتكزُ على أساس قانونيّ سليم”. ورفض القاضي مُلتَمَس رفعِ حالة الاعتقال، قائلا: الملاحَظ بالرّجوع إلى محضَر الاستنطاق، أنّ هناك تطبيقا لمسطرة التّلبّس، وهي حالة متوفّرة، وقرار الملك بمتابَعة الأظِنّاء في حالة اعتقال موافِقٌ للقانون، وبالتّالي سيُتابَعونَ جميعا في حالة اعتقال. ثم زاد في سياق مختلف أنّ جميع المحاضر والشّواهد مجرّد وسائل للإثبات، قابلة لِنقاش الدّفاع، وتقدير المحكمة عندَ نَظَرها في جوهر النّازلة.
ترقّب وتوجّس
انطلقت جلسة المحاكمة الرّابعة لـ”هاجر الريسوني ومن معها”، بعد الساعة الثانية بعد الزّوال بقليل، بحضور مجموعة من الوجوه الحقوقية والصحافية المغربية والسّودانية، التي ملأت مع حاضرين آخرين، مقاعد قاعة جلسات ابتدائية الرّباط، لكنّها ما لبثت تفرُغ السّاعة تِلوَ الأخرى، إلى أن أصبح بإمكان المتابعين، في السّاعات الثلاث الأخيرة قبل رفع الجلسة على السّاعة الحادية عشرة ليلا، التنقّل بأريحية بين الصّفوف لاختيار المقاعد التي تناسبهم.
وتجدّد في هذه الجلسة حضور أحمد بنشمسي، مدير التواصل والمرافعة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظّمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، وفاعلين حقوقيين بارزين من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هما رئيسها السّابقان أحمد الهايج وخديجة الرّيّاضي، وكاتبها العامّ الحاليّ ابن عمّ الصحافية المتابعة، يوسف الريسوني.
وبدت هاجر الريسوني مجدّدا بحجابها الأخضر الذي تسدله على جيدها دون شدِّه، فيما تغيَّر مظهر الطبيب بلقزيز بعدما كست وجهَه لحية بيضاء، وعلى مدى ساعات المحاكمة تابع الأظّناء المرافعات والرّدود بتركيز لم يخل من تثاؤبات في السّاعات الأخيرة، فيما رأى المتابعون الخطيبَين المعتقَلَين، تارة يبتسمان ويرتشفان الماء، وتارة يتبادلان الحديث، وتارة أخرى يتابعان بترقُّب ما يُتداوَل في المحكمة.
وشدّد وكيل الملك بابتدائية الرّباط، الذي من المرتقب أن يعقِّبَ على مرافعات الدّفاع الإثنين القادم، على أنّ وسائل الإثبات مجتمعةٌ في هذه النازلة، بما أنّ حالة التلبّس قائمة وكلّ المحاضر سليمة شكليّا، وبالتالي، يرى، أنّ موقف النيابة العامّة سليم، مذكّرا بانطلاقها من اعتراف لأحد المتّهمين، زكَّتهُ حالَة التلبّس، والقرائن، والرّأي الطّبّي في شهادَتَين سليمتَين قانونيا، ملتمسا إدانة المتابعين في هذا الملفّ. في حين أجمع محامو الدّفاع على التماس البراءة للمتّهَمين جميعِهم.
دفعٌ وردود
رفضت المحكمة طعنَ مريم مولاي رشيد، محامية الطّبيب محمد جمال بلقزيز، في الوثيقة الطبّية التي أصدرها د.بركاش، بالزّور، قائلة إنّ للطّعن بالزّور مسطرة خاصّة ضدّ الشّخص المعنيّ لا في محكمة الموضوع، وشدّد المحامي عبد العزيز النويضي، في تعقيبه على ممثّل النيابة العامّة على أنّ هذا، بالفعل -داخل المحكمة- ليس زمن النّضال من أجل تغيير النّصّ، نافيا الجدال في النّصّ الذي من اختصاص المشرّع، ثم أضاف مفسّرا: نناضل أمام المحكمة لا من أجل تغيير النّصّ -لكونها ليست المخاطبة بالتغيير- بل من أجل تفسيره تفسيرا يحترم حقوق الإنسان لا تفسيرا محافظا يخدم السّلطة.
واستشهد النويضي بنصّ الدّستور المغربي في سنة 2011 على عدم جواز المسّ بالسّلامَة الجسديّة والمعنويّة تحت أيّ ظَرف، وعدَم جواز أيّ معامَلَة سيّئة أو مُهينَة أو حاطّة بالكرامة الإنسانية، مضيفا أنّ هذا هو الإكراه الذي أراد الدّفاع معه استبعادَ كلّ ما أُخِذَ تحتَه.
واستَجوبت ابتدائية الرّباط والدّفاع المتابَعين الخمسة في الملفّ، فنفى الطبيب بلقزيز المتابَع بتُهمَة الإجهاض والاعتياد على ممارسة الإجهاض، أن يكون هناك إجهاض، أو أن يكون قد صرّح بأنّ هاجر الريسوني قد أجهَضَت، أو أن تكون حاملا في عيادته لأنها أسقطت الحمل تلقائيا، ووضّح أنّه قال لها بعدما جاءت إلى عيادته يوم الاعتقال إنّ هناك دما متخثرا يجب أن يزول. ثم زاد في سياق جوابه عن أسئلة دفاعه، أنّه عالج خلال عمله طبيبَ نساء وتوليد، ما لا يسطَع إحصاءه من النساء في القطاع العامّ، وعالج 3382 مريضة في عيادته الخاصّة، وكانت هذه المتابعة هي الأولى بإطلاق خلال مسيرته التي استمرّت أربعين سنة.
وذكر المخدّر، الذي يعمل مع الطّبيب بلقزيز في عيادته والمتابَع بتهمة المشاركة في الإجهاض، أنّه ممرّض متقاعد، اتّصل به الطبيب من أجل تخدير سيّدة تعاني من نزيف دم، منكرا ما ورَد في محضر الاستماع إليه حول كونه قد اعتاد إجراء عمليّات الإجهاض مع الطبيب بلقزيز، لأنه لم يُدرِك ما كُتِبَ لأنه لا يعرف العربية. فيما قالت الكاتبة التي تعمل في الاستقبال بالعيادة، والمتابعة بتهمة المشارَكَة في الإجهاض، أنّ الريسوني لم تخبرها ما سبب مقابلتها للطّبيب، وأنّ زوجَها أضاف مبلغ 500 درهم المتبقّية، نافيا أن تكون قد رأت ما كتب في محضر الاستماع لها.
كلمة أخيرة
وتحدّثت هاجر الريسوني، الصحافية المتابَعَة بتهمتَي الفساد والقَبول بالإجهاض، أنّها قد عرفت تأخّرا في الدّورة الشّهريّة مع نزيف دموي، نافية أن تكون قد كانت حاملة أو أجهضت، مؤكّدة على أنّها قالت للضّبّاط إنها قامت بفحص لا بإجهاض، وأنّها دفعت مع خطيبها طلبا للسّفارة السّودانية من أجل الزّواج المختلِط، بعد خطوبة في منزل عائلتها، نافية أن يكون الضّبّاط الذين أوقفوها ليسألوها هل أجهضت؟ قد طلبوا هوّيَّتَها أو هوية رفعت الأمين. ثم ذكرت أنّها قد حدّدت بيت الزوجية في حيّ أكدال بالرباط، وبدأت في نقل أمتعتها إليه.
وفي كلمتها الأخيرة أمام المحكمة قالت هاجر الريسوني إنّ النيابة العامّة كان عليها أن تُخرج بلاغا يسائل التّشهير بها، لا أن تَخرُجَ ضدّها، متّهمة النّيابة بالتّشهير بها، ومتسائلة عن كيف ستلاقي المجتمع بعد ذلك البلاغ. فيما قال الأستاذ الجامعي رفعت الأمين أمام المحكمة أنّه كان يقول عند استجوابه “خطيبتي” لا ما ورد فيه من ألفاظ مثل: “عشيقتي” و “خليلتي”، مؤكّدا أنّ هاجر زوجته.
وفي مرحلة الدّفوع الموضوعية قال النويضي إنّ كلّ المتابعين في هذا الملفّ أبرياء، داعيا إلى التّطبيق العادل للقانون كما ورد في الدستور المغربي، ثم أضاف: لا يحتاج المغرب لهذه المحاكمة التي تهدم كلّ ما يفتَخِرُ به، فيما عبّر عبد المولى الماروري عن خشيته من أن يستمرّ هذا التوجّه لأنه سيصيب سمعة الوطن في مَقتَل.
ونادى المحامي بتقديم أمثلة للوشايات السابقة عن اعتياد الطّبيب بلقزيز إجراء عمليّات إجهاض بعيادَته أو إحضار حالة من الحالات التي عاشته “حتى نطمَئنَّ أنّ عيادة الطبيب هي المُراقَبَة لا هاجر الرّيسوني”، مضيفا: لو سألوا أشخاصا آخرين بعد خروجهم من العمارة “وسبحان الصّدف والمقادر” لما شككت، ولكن لم يسألوهما إلا هما؛ فالموضوع بالتالي هو هاجر. كما شدّد على أنّ جريمة الفساد منعدمة ولا توجد إلا في خيال النّيابة العامّة لأن علاقتهما علاقة زواج شرعي وفق الكتاب والسّنّة، مقدّما رسائل “واتساب” لإثبات حديث هاجر مع صديقاتها عن موعد العرس واستعدادات الزّواج، مع تجديده طلب استدعاء شهود للتّأكيد على أنّ موكّلته متزوّجة، إذا أرادت المحكمة.
وتحدّثت مريم مولاي رشيد من جهتها عن الأدلّة الغائبة لإثبات حدوث عملية إجهاض في العيادة مستشهدة بتحاليل ودلائل لمنظّمة الصّحّة العالمية، ومنبّهة على ترجمة غير سليمة من الفرنسية إلى العربية في بلاغ النيابة العامة التي ترجمة “Spontané” بإرادي، فيما هي تعني تلقائي؛ أي إجهاض تلقائي. بينما عبّر النقيب عبد الرحمان بنعمرو عن خشيته من أن تكون للقضيّة خلفيات معيّنة متعلّقة بصحيفة تعتبِرُها السّلطَة معارِضة، ومحسوبة على حزب له مواقفُ قد تعتبر مقلقة للسّلطة.
من جهته ذكّر النّقيب عبد الرحيم الجامعي بأنّ القاعة التي تحتضن محاكمة هاجر ومن معها بابتدائية الرباط، سبق أن شهدت إدانة كبار الصحافيين مثل بوبكر الجامعي، وعلي أنوزلا، وعلي المرابط، وكبار السياسيين مثل عبد الرحيم بوعبيد، داعيا القاضي إلى استحضار الأخطاء القضائية التي عاشها المغرب والعالَم، حتى لا يسجن القضاء نفسه بنفسه بين دفّات الأوراق، متمنّيا ألا يلجأ الدّفاع بعد الحكم إلى محكمة الضّمير، وأن تكون هذه المحكمة هي التي تكشف الحقيقة كما هي.
وائل بورشاسن
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.