نحو سياسة تواصل حكومية مبتكرة:مقترح لخلق حقيبة الإعلام و التواصل العمومي والإنتقال الرقمي،ناطقة باسم الحكومة

أنوار مزروب*

من بين الأزمات التي رافقت ميلاد هندسة حكومة ًً الكفاءات ًً المنتهية ولايتها،أزمة بقاء المعهد العالي للإعلام و الاتصال و مديرية الإتصال و مؤسسات أخرى دون سلطة حكومية وصية. و هكذا وجدت كل هذه المؤسسات نفسها مع الإعلان عن الحكومة المعدلة في 08 أكتوبر 2019، بدون مخاطب رئاسي و لا وصي يرأس مجالسها الإدارية و يتلقى تظلمات موظفيها من شطط مفترض لأطقم تلك المؤسسات الإدارية، و ذلك كنتيجة لتنصيب المجلس الوطني للصحافة و إلغاء حقيبة وزارة الثقافة و الإتصال.
أمام ذلك الوضع المؤسساتي الغير محسوب، لم تتمكن دواوين الحكومة و لا ًًخلايا اليقظة القانونية ًًً -إن وجدت أصلا- في المؤسسات المعنية من الإهتداء لحل لهذا المأزق المثير،مثير لأنه جعل أطقم تلك المؤسسات والرأي العام الوطني مندهشين من عدم دراية جحافل تلك الدواوين المفترض فيها أن تكون علب الخبرة و الإستشارة في التنظيم الإداري ومن استخفافها الغير اللائق بالوضع الإعتباري لأكثر من 3000 موظف عمومي و أربعة مؤسسات داخل المشهد المؤسساتي الحكومي ًً المعدل ً. و مرت الوصفة التي أخرجت رئاسة الحكومة من الورطة الشكلية الأولى في 23 أكتوبر 2019 عبر مرسوم موقع بالعطف وضع تلك المؤسسات تحت وصاية قطاع الثقافة والشباب و الرياضة الناطقة باسم الحكومة للوزير عبيابة، و هو ما سينسخ شهورا بعد ذلك بقرار تكليف وزير جديد في أبريل 2020، ليبقى الغموض سائدا مجددا حول التبعية الإدارية لتلك المؤسسات.
1. المعلومة و الإعلام في المشهد التكويني والمؤسساتي المغربي :
أكاديميا، تجمع الكتابات حول علوم الإعلام وسوسيولوجيا الإعلام و نظريات الإعلام والإتصال على الترابط و التلازم الشبه الدائم لحقول علم المعلومة و علم الصحافة. الأول بما هو تقنيات البحث و التقصي عن المعلومة الدقيقة وذات القيمة و الثاني بما هو تقنيات و استراتيجيات إيصال تلك المعلومة الدقيقة و الموثوقة للمتلقي و الصحفي و المواطن.من البديهي أن هذا التذكير ظهرت أهميته مجددا للمجتمع المغربي خلال زمن جائحة كورونا و الأزمة الصحية، حيث لعبت فضاءات ًًالميدياسكايب ًً دورا مزدوجا، حيث ساهمت في دمقرطة الولوج الى المعلومة مثلما استعملت في التضليل ونشر الشائعة أو الفايك نيوز،من هنا تتضح جليا الحاجة الماسة و الملحة لتوفر الفاعل الحكومي على سياسة حكومية منسقة وممركزة للتواصل و مواكبة الفعل التواصلي الحكومي في شموليته ليصير جزءا من الديمقراطية الرقمية و قادرا على التأثير على المواطنة المغربية الرقمية و تكوين و توجيه أراءها و الإستماع لانتظاراتها التي قد تبقى افتراضية و لا سبيل للفاعل الحكومي لتلقيها أو فهمها الا بهذا الشكل التواصلي العمومي الرقمي أو الوسائطي.
مؤسساتيا، أفرد المشرع مكانة استراتيجية لمؤسسات علوم الإعلام أو المعلومات والصحافة و اعتبر حقلها من الحقول ذات صبغة التخطيط الإستراتيجي في الهندسة المؤسساتية ببلادنا،بحيث أناط مهمة تنظيمها والإشراف عليها تدبيريا للمندوبية السامية للتخطيط و مديرية الإعلام سابقا،و اللتان تعتبران المؤسستين الوصيتين على كل المؤسسات التكوينية التي تعنى بالتكوين العالي في علوم المعلومات، كمدرسة علوم الإعلام سابقا و المعلومات حاليا و المركز الوطني للتوثيق و المركز المتعدد الوسائط والمعهد الوطني للإحصاء و الإقتصاد التطبيقي والمعهد العالي للإعلام و الإتصال،الخ.
2.لماذا الجمع بين علم الداتا و الصحافي والديجيتال ؟
إذا كانت علوم المعلومات هي تقنيات البحث وإيجاد المعلومة المفيدة، و علوم الإتصال هي الوعاءات والقنوات التي تمكن ذلك المضمون والمعلومة المراد نقلها لمستعميلها من الجمهور الواسع لتكوين ما يسمى في علم الصحافة بالرأي العام. فإن التكنولوجيا، تمثل الحامل الغير الملموس و العابر للحدود و الجديد لممارسة ذلك التواصل العمومي.من هنا يتضح جليا أن الرقمي و الكلاود الحاضن الحالي والافق المستقبلي لذلك الأصل المعرفي المشترك الذي هو علوم الإعلام و الإتصال.
من جهة أخرى، وجب التأكيد على كون حضور ًًًً الإتصال العمومي ًً في اسم الحقيبة المقترحة سيشكل لا محالة تعبير عن إرادة قوية لرئاسة الحكومة للتأكيد على مركزية تحلي الفعل الحكومي بالجرأة و روح المبادرة المؤسساتية الفاعلة فيما يخص العمل على تفعيل توجهات الحكومة المنفتحة و ضمان تفعيل المقتضيات الدستورية و القانونية المتصلة باحترام حق المواطنات و المواطنين في الحصول على المعلومة العمومية الموجودة في حوزة مؤسسات الدولة،و ذلك طبقا للقوانين المنظمة الجاري بها العمل.
3.في الحاجة لاستراتيجية حكومية منسقة للمعلومة و الديجيتال :
رغم أن مؤسسة فريدريش نومان من أجل الحرية الألمانية واكبت المشروع الطموح لخلق المعهد العالي للإعلام و الإتصال منذ سنة 1969،إلا أن تبعية المؤسسة لم تستطع الوفاء للإطار النظري العام للعلم المدرس داخل قاعاتها،أي علم الصحافة، و هكذا أصرت العقليات المحافظة الموروثة في مديرية العهد السابق –الإعلام- على إقناع أجيال من الصحفيين بأن ميدان الصحافة هو رديف للداخلية بكل معانيه ضدا على العلم و جغرافية المعهد المحاطة بمسالك علم الإعلام والسوسيولوجيا و القانون.و هو توجه ضبطي قد تكون له مبرراته أنذاك، لكن الأهم أن التطورات المؤسساتية و إصلاحات العهد الجديد و جهود الدمقرطة المتواصلة منذ بداية الألفية جعلته في حكم الماضي والمتنافي مع توجه دستور متقدم يفرد للحريات، و منها حرية الصحافة حيزا مهما.بالتالي،فإنه اعتبارا للمستجدات الدستورية المهيكلة التي عرفها قطاع الصحافة في بلادنا بعد 2011، و مع حالة اللا-استقرار القطاعي الذي تتخبط فيه تلك المؤسسات التابعة للقطاع الوزاري المنحل الإتصال ،بات من الملح أكثر من أي وقت مضى، أن تباشر الحكومة إجراءات انتقالية ناجعة، تضمن تخليص تلك المؤسسات من عدم الإستقرار الذي عاشته و ما ينتج عنه من هدر للمجهود و الطاقات و تضارب الإستراتيجيات والتوجهات الحكومية ذات الصلة بالتواصل الحكومي و ضرورة انسجامه، وذلك من خلال اتخاذ قرار تنظيمي يقضي بخلق قطاع وزاري للإعلام و التواصل العمومي و الإنتقال الرقمي، ناطقا باسم الحكومة، و يكون وصيا على سياسة حكومية للإعلام و التنمية الرقمية، على أن تجعل من المعهد العالي للإعلام والإتصال و مدرسة علوم و هندسة المعلومات ومعاهد المعلوميات و أنظمة المعلومات مراكز خبرة مواكبة لهذا المشروع المؤسساتي.هذا الإشراف الوزاري عل مؤسسات تكوين في هندسة المعلومات سيضمن لتصور سياسة عمومية رقمية و لمنظومة وطنية للإعلام الأساس الصلب المطلوب للإنطلاق نحو المستقبل و مجتمع البيك-داتا و المعلومة.
على صعيد منهجية اختيار الرأسمال البشري المطلوب لمباشرة تنزيل فحوى المقترح، يمكن القول أن تزويد الحقيبة الوزارية بالرأسمال البشري النوعي الذي يسهر على تدبير شؤون تلك المؤسسات ،خاصة من أبناء الجيل الجديد-أقصد جيل الويب التفاعلي و ما بعد 2004- من خريجي تلك المؤسسات و المدرسة الوطنية العليا للمعلوميات و تحليل المنظومات، قادرة وحدها – و حصرا دون الحرس القديم المفرمل والأمي إلكترونيا- على تتبع و مسايرة برنامج عمل مبني على الأداء و النجاعة في مجال الإعلام الحكومي و التواصل الحكومي الرقمي.
في المحصلة، إن إدماج محور الإنتقال الرقمي في الحقيبة و ما يمنحه من فرص النجاعة ، على مستوى التشغيل و التنافسية الاقتصادية والتنمية الثقافية للمجتمع، سيشكل لبنة أساسية لوضع أسس مجتمع المعلومات،كما سينتج على المدى المتوسط الراسمال البشري المطلوب للإقتصاد الرقمي المغربي، الدي سيقوم مقام السفير المعتمد في الفضاء الرقمي العالمي لتسويق العلامة التجارية للمواطنة المغربية الرقمية المعروفة اختصارا بتامغربيت .
*أنوار مزروب :إعلامي باحث في المنظومة الوطنية للإعلام و التوثيق
الرباط يومه 19 شتنبر 2021

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد