سعيد مكراز…
لم تمنع الإعاقة الحركية وعدم القدرة على النطق الشاب المهدي مالك من أن يصنع لنفسه مسارا متميزا في مجال التدوين ، فالواقف أمام هذا الشاب، وهو من مواليد 1983 بمدينة أكادير، يحس بأنه أمام كتلة لحمية لا تسمع ولا تنطق، ولكن العكس هو الذي يحدث، فالمهدي يمتلك من الذكاء ما يكفيه ليكون ظاهرة حقيقية تعيش في الخفاء في مدينة الانبعاث، وقد تمكن من أن يصنع لنفسه اسما في عالم التدوين، ويغزو المواقع الإلكترونية بمقالات الرأي، وبعدها المطابع بالكتب. “اليوم 24 ” التقى المهدي لينقلكم إلى عالم آخر من التحدي وإرادة الحياة.
عصامي لم يدخل المدرسة
المهدي من مواليد 1983 بمدينة أكادير، أصيب بالاعاقة الحركية الكاملة وفقد النطق منذ ولادته، ولذلك لم يستطع ولوج المدرسة العمومية حين بلغ سن التمدرس، ولم يدخل بابها في يوم من الأيام، ولم يتعلم بين أسوارها اللغة العربية التي أصبح يكتب بها بدون الاستعانة بأي أحد على حاسوبه المحمول، وهو اليوم يكتب دائما على هذا الموضوع، بحيث إن عددا كبيرا من المعاقين يتم إقصاؤهم من التعليم في المغرب سنويا لأسباب لا دخل لهم بها.
قصة المسيحية
بقي المهدي بدون تعليم في سنوات طفولته، وكان يرى التلاميذ يحملون المحافظ ويمرون بمقربة منه وهو على كرسيه المتحرك الذي لا يستطيع تحريك عجلاته ليتبعهم إلى الفصل. لكن لحسن حظه التقى بسيدة مسيحية تحمل جنسية فرنسية تدعى “بصير”، قدمت إلى مدينة أكادير سنة 1996 وأسست مركزا لرعاية وتدريس المعاقين، وبداخله تعلم اللغة العربية والفرنسية بعد أن كان لا يستطيع الكلام ولا الحركة، وقد تمكن من إتقان العربية والفرنسية في ظرف ثلاث سنوات، واضطر مغادرة المركز بعد أن أغلق أبوابه لاإراهات مادية
وكان من حسن حظ المهدي أنه ينحذر من اسرة مثقفة تقطن بحي الداخلة باكادير. والده كان موظفا قبل أن يتفرغ للتجارة، وبعد تقاعده أعطى كل وقته لأبنائه الثلاثة، اثنين منهم اليوم يتواجدان بمدينة بوردو الفرنسية لدراسة الطب، والثالث المهدي حكمت عليه الإعاقة بالبقاء في المنزل، بحيث أصبحت كل أجزائه العضوية مشلولة تماما، ولكنه متقد بالحيوية والنشاط ودائم الابتسامة ويفهم كل مايقال له وجوابه فقط يكون بـ”الكلافيي”، وكانت له هواية واحدة هي القراءة والمطالعة.
المهدي المدون
تخصص مالك في كتابة مقالات الرأي حول القضية الأمازيغية بالخصوص والجهوية والتحرر ومحاربة التطرف وتشجيع التسامح. ومن أبرز مقالاته الجهوية والحركة الأمازيغية، و مقال “إسلام بحيري ظاهرة صحية لتجديد الفكر الإسلامي”، و”السينما الأمازيغية”. كما كان لكل التجارب التي عاشها المهدي والمشاكل التي عاناها في صغره، خصوصا مع الدراسة، وحضوره الأنشطة الثقافية التي تنظم بأكادير وضواحيها، وحبه للمطالعة وقراءاته المتتالية وتتبعه للبرامج الحوارية على قنوات القطب العمومي، أثر كبير قام بترجمته في كتاب قام بتاليفه تحت عنوان: “صوت المعاق”، في 60 صفحة من الحجم المتوسط، وهو الان بصدد البحث عن ممول لطباعة كتابه الثاني تحت عنوان “الإسلام والامازيغية “.
متزوج وأب “تليلا”
يقول مهدي إن الحياة الزوجية تمنحه الاستقرار وتساعده على الكتابة. لقد انخرط المهدي في محيطه الاجتماعي وفي كل مرة يقدم الدليل للمحيطين به أنه يحس بهم وبحياتهم ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، لذلك اختار دخول تجربة الزواج لتحقيق استقرار نفسي له، وهو اليوم اب لطفلة اختار لها من الاسماء الامازيغية “تليلا”.
وقد تم تكريم المهدي مالك ليلة الجمعة 26 يونيو، رفقة خمسة صحفيين بالمدينة اعترافا بعطائهم، وذلك في الحفل الذي نظمه الاتحاد المغربي للصحافة الإلكترونية والرابطة المغربية للصحافيين الرياضيين، بتنسيق مع مندوبية وزارة الاتصال بأكادير في دورته الثالثة.
عن اليوم 24
التعليقات مغلقة.