كثرت التعاليق والآراء بل والفتاوى فيما يتعلق بهدم مسجد الرحبة القديمة، قال البعض بعدم أهمية هذا المسجد، بل ونقل موقع عن مصالح الأوقاف بالمدينة أن العلماء لا يعرفون تاريخا لبناء هذ المسجد … وعيله فإنني أرى أنه لا بد من التذكير ببعض الأمور، منها أن علماء الدين مهما كانت قيمتهم العلمية، ليس من حقهم الإفتاء في مجال العمران، وليس من تخصصهم تقييم المآثر التاريخية، ولا تحديد خصوصياتها الفنية، والجمالية، ولا مميزاتها المعمارية والعمرانية. إن البنايات التراثية لا تحدد قيمتها بفخامتها، ولا بحجم الاستثمارات الموظفة فيها.
ومهما كانت بسيطة في موادها المستعملة، فإنها شاهد عصر، ومتحف حي للحفاظ على التقنيات والأساليب المعمارية المستعملة عصر بنائها. وإذا كان السادة العلماء لا يستطيعون تحديد تاريخ بناء هذا المسجد، فإن الأمر جد عادي، ذلك لأن الأمر لا يدخل ضمن مجال خبرتهم، بل إنه من اختصاص المؤرخين وعلماء الآثار، من جهة، ولكن الأمر في حد ذاته يؤكد قدم هذا المسجد، فلا زالت أخبار ما شيد خلال مطلع القرن العشرين سارية متداولة بين الناس.
وإن لم يعلم لبناء هذا المسجد تاريخ، فهذا يعني أن المسجد بني قبل التاريخ المذكور، أي مطلع القرن الماضي. وهو ما يجعل عمره في أسوء الحالات يربو عما يزيد على قرن من الزمان، وهذا وحده من شأنه أن يجعل وزارة الأوقاف حريصة كل الحرص على المحافظة على طرازه المعماري على غرار ماتقوم به في مدن عتيقة أخرى.
إننا لسنا ضد إصلاح المسجد، وترميمه والعناية به، ولكن على شرط أن يتم الأمر على يد مكاتب دراسات مختصة، تأخد برأي المؤرخ وعالم الآثار، قبل تدخل المهندس المعماري، وهو الأسلوب الذي سبق واشتغلت به الوزاة في الجامع الكبير.
إن ترميم المعالم العمرانية مهما كانت بساطتها لها مختصوها، وتقنياتها، وأساليبها الخاصة. وإذا كان البعض لا يرى لمسجد الرحبة القديمة من أهمية، فإن ذلك يعود لإهمال تصنيفه، فلو تم هذا التصنيف، وصدر القرار، لتم التعامل معه بشكل آخر. أيعتقد كل هؤلاء أن مجرد قرار إداري هو أهم من المعلمة في حد ذاتها؟
أريد فقط أن أذكر من كان ناسيا أو متغاضيا، أن مجلسنا العلمي الموقر كان قد اقترح أيضا، وفي اجتماع رسمي حضرته شخصيا، بضرورة هدم ما تبقى من المسجد الكبير بعد احتراقه، وإعادة بنائه بشكل مخالف، بدعوى انحراف قبلته، وكان دفاعنا عنه يتقوى باعتاد التوجيهات الملكية، التي نصت صراحة على ضرورة إرجاعه إلى حالته الأصلية. وهذا تماماما ينبغي أن يكون عليه التدخل في مسجد الرحبة القديمة.
أريد أن أنبه الإخوة والأخوات، أن معمار مدينة تارودانت وعمرانها، يصنف ضمن خانة المعمار المغربي الأصيل، إنه ليس أندلسيا صرفا كما هو الشأن لمعالم فاس، ولا حضريا صرفا كما هو الشأن بالنسبة لمعالم مراكش، إنه صنف خاص، يستوحي من المعمار المغربي الاندلسي، ولكنه يمزجه بشكل رائع بالأساليب والتقنيات العتيقة للقبائل المغربية التي نمت وتطورت حتى قبل إسلام المغرب، إن قوته وجماليته في بساطته، وفي مزجه بين المعمار الحضري والقروي، بين المعمار العربي الإسلامي وبين التقنيات الأمازيغية العريقة والبسيطة، وهو ينطبع بشكل عام بطابع المعمار المحلي السوسي، مما يعطيه قيمة حضارية كبرى لا يبصرها كل من ليست له خبرة ولا دراية بتاريخ البناء الترابي البسيط، الذي أسس له الأوروبيون مختبرات، وتخصص فيه علماء وباحثون، وأنشأوا من أجل الحفاظ على تقنياته، مؤسسات علمية، تشتغل عليه، وتقدم الخبرة فيه عبر العالم، مثل CRATERRE و ACROTERRE وغيرهما. فاتقوا الله بعدم الترامي على تقديم الرأي فيما ليس لكم به علم ودراية.
لك الله يا رودانة، وحفظك ووقاك من تطاول بعض أبنائك.
*باحث في التراث والتاريخ، رئيس الجمعية المحمدية لحوار الثقافات وصيانة التراث الحضاري لتارودانت.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.