ماذا بعد قرار المحكمة الدستورية بخصوص القانون التنظيمي لتفعيل رسمية الأمازيغية؟
بعد ثمان سنوات من الإنتظار (2011-2019)، وبعد أخذ ورد بين مختلف الفرقاء السياسيين وبعد اللقاءات المتعددة والمرافعات والمذكرات التي أعدتها مكونات المجتمع المدني الأمازيغي, الرافضة لطريقة تهييء مشروع القانون التنظيمي والمعجم المستعمل فيه والرزنامة المقترحة لتنفيذه، يأتي قرار المحكمة الدستورية ليحسم النقاش ويقر بأن مضامين القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مطابق للدستور، مع الأخذ بعين الإعتبار للتأويلات الممكنة لبعض بنوذه.
طريقة صياغة القرار والمبررات المقدمة ذكية جدا. فالمحكمة لم ترفض القانون كما كانت تتمنى بعض مكونات الحركة الأمازيغية، استنادا على التعليلات المقدمة في مذكراتها، لأن الحكم بعدم مطابقة هذا القانون للدستور سيعيد النقاش إلى الصفر بعد تأخير غير مبرر لثمان سنوات، ومن شأن ذالك أن يزيد من تأزيم الوضع حول هذا الموضوع الحساس وسيدخل ملف الأمازيغية من جديد مسطرة تشريعية جديدة يصعب التكهن بالفترة الزمنية التي ستأخذها ونحن على مشارف الانتخابات المزمع تنظيمها سنة 2021 وما يرتبط بها من حسابات واستراتيجيات الفرقاء السياسيين. فالقرار إذن كان منتظرا بحكم الاجماع المفاجىء الذي حظي به في الغرفتين، وطريقة المصادقة عليه، ورغم طابعه القانوني فهو مؤطر بقراءة سياسية للمرحلة. في نفس الوقت تنبهت المحكمة لبعض فصول القانون التنظيمي التي أثارت مدادا كثيرا، وخاصة ما يتعلق بمفهوم “اللغة الأمازيغية” وعلاقتها ب”التعابير اللسنية” ثم المعنى الذي يجب أن يعطى لمفهوم “لغة رسمية” التي وصف بها دستور 2011 اللغة الأمازيغية ومدى الإلزامية المرتبطة به. ومن هذا المنطلق، فقرار المحكمة يسير في اتجاه تأكيد ضرورة مراعاة التفسير المرتبط بالمعجم المستعمل في القانون التنظيمي لكي لا يتعارض والنص الدستوري خاصة على مستوى الفقرات المثيرة للجدل.
الأكيد أن قرار المحكمة الدستورية يعتبر نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى من ميزاتها التفعيل الحقيقي لرسمية اللغة الأمازيغية في جميع المجالات. وعلى هذا المستوى يحتاج هذا الورش لمتابعة حقيقية من طرف كل المعنيين والعمل على احترام قرار المحكمة الدستورية فيما يخص التأويل الإيجابي لنصوصه لكي تلعب الأمازيغية دورها باعتبارها لغة رسمية للدولة. والأكيد أن بعض المجالات تحتاج أكثر من غيرها لقرارات واضحة وإجراءات آنية وفق استراتيجية وميزانية واضحتين. وأهم هذه المجالات هي التربية والتكوين في جميع مستوياتها ثم الإعلام المرتبطين بشكل مباشر بالحفاظ على اللغة ونقلها للأجيال المستقبلية. تليها فيما بعد كل المصالح الإدارية ذات العلاقة المباشرة بالمواطن كالقضاء وباقي المؤسسات ذات الخدمات المباشرة والحياة العامة. ثم الفضاء العام وضرورة حضور الأمازيغية في الهوية البصرية لكل المدن المغربية.
يحتاج نجاح هذا الورش الكبير لإرادة سياسية حقيقية وتظافر النوايا الحسنة والتحرر من رواسب فكر ومواقف ما قبل 2011 ووضع آلية لتتبع التنفيذ مع تخصيص ميزانية واضحة لذلك و فوق كل هذا ضرورة الإقتناع بأن نجاح ورش الأمازيغية فيه نجاح للمغرب على مستويات عدة.
الحسين بويعقوبي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.