لماذا يتهمون الأمازيغ بالمؤامرة والمظلومية؟
بات من المؤكد، أننا في حاجة إلى مناظرة فكرية وسياسية تاريخية، مع بعض الخصوم والمشككين، الذين ينشرون السموم بطرق ناعمة أو قاسية حسب تموقعات جيوب مقاومة التعددية الثقافية واللغوية بالمغرب، وهم إن كانت قوتهم قد تحجمت وتقلصت بفعل قوة الخطاب الأمازيغي إلا أنهم لا يزالوا ينشطون ويتحركون ويناورون، بفعل انتشارهم في مختلف المؤسسات والأوساط والمواقع، وتحكمهم على بعض مفاصل التأثير، كالثقافة والفكر والاعلام والسياسة.
هؤلاء الغلاة والدهاة، المناهضين للثقافة واللغة الامازيغيتين، يزعجهم كثيرا المد الأمازيغي، شعبيا وميدانيا وفكريا وسياسيا، وهو مدٌ واكب كثيرا تطورات التكنولوجيا الحديثة، مما جعل الخطاب الأمازيغي يعتلي عرش منصات التواصل الفوري، مسلحا بكل مقومات الترافع والدفاع المستميت عن حقوق الامازيغ، مستعملا الرموز الامازيغية، ومنافحا بخطاب قوي، يستعمل كل الوسائل والتقنيات، صور رسوم تدوينات مقالات، فيديوات، للرد والمواجهة بقوة وبسرعة على كل من تتطاول على الأمازيغية بطريقة من الطرق. ليستفيد الأمازيغ من هذه النعمة التواصلية الباهرة، التي توفر لهم الحرية في التعبير وفي الدفاع عن أنفسهم وعن لغتهم وعن هويتهم. وهو الشيء الذي لم يكن متاحا من قبل، بسبب سيطرة اتجاه معين على الصحافة ووسائل الإعلام.
اليوم، بفعل كل ما تحقق من انفتاح سياسي بالمغرب، وبفعل ثورة التكنولوجيا الحديثة، ارتاب وتوجس دعاة الاقصاء والعروبة من هذا المد الأمازيغي وقدرة الأمازيغ على الدفاع عن أنفسهم جراء ما يمسهم من احتقار وتمييز وتنقيص، للغتهم وثقافتهم وهويتهم، اصبح هؤلاء يتهمون الأمازيغ بتملكهم لخطاب المؤامرة وخطاب المظلومية.
وهذا طبعا ناتج على أن مناهضي الأمازيغية كانوا في ما مضى متعودون على ممارسة الاضطهاد الثقافي والسياسي على الامازيغية، ولم يتعودوا على مواجهة الأمازيغ لهم، بفعل الصمت أحيانا وبفعل الخوف احيانا. ولكن في أحايين كثيرة بسبب غياب فرص الرد والدفاع عن النفس، الآن بفعل السبل المتاحة على منصات التواصل الاجتماعي الفوري، يتفاجئ هؤلاء الاعلاميون والسياسيون وبعض الكتاب، يتفاجئون من الرد الامازيغي غير المألوف( كانوا في العقود الأخيرة كايهضرو باحدهوم، سيطروا على اتحاد كتاب المغرب وعلى الاحزاب والجمعيات الحقوقية والمدنية والثقافية، وعلى الجرائد والصحف….) وعوض أن يقابلوا المواجهة بالفكر والخطاب الفلسلفي العلمي والتاريخي والحقوقي المنصف والعادل، اختاروا الطريق المختصر وهو اتهام الأمازيغ بالمؤامرة…
وبفعل انهم يمارسون على الأمازيغية الظلم والجور لسنوات وعقود، يتهمون المدافعين عنها بنشر خطاب المظلومية، وهم في قرارة أنفسهم، يتمنون أن يستمر الأمازيغ في الصمت والصبر على الظلم، لأن منطوق اللاوعي عند هؤلاء هو أن ” البربر مناصري السيبة والقلاقل والثورات، لا يستحقون إلا العقاب” وكان مثلا شعبيا سائدا في القرون الغابرة، يقول : “حيثما يوجد “البربر” امامك إلا والعصى بيدك”. إذن في البنية الذهنية للذين ينظرون إلى الأمازيغية كأنها شيء لا يستحق الاهتمام، وهم طبعا متشبعون بفكر القومية العربية المنتشر داخل تيارات اليسار والاستراكيين والقوميين والاسلاميين … في بنياتهم الذهنية، الامازيغي لا يجب الدفاع عن نفسه، مهما تلقى ابشع انواع العقاب والعذاب. فحين يتجرأ ويدافع عن نفسه، فإنه لا محالة هو متآمر وعميل و”صهيوني” …
الخطاب الأمازيغي، خطاب مدافع وليس مهاجم، قد يكون مندفعا، ومجابها، ولكنه ليس عدواني، وليس بخطاب عنيف، لأنه مؤمن بالاختلاف والتعددية، وهو يبحث فقط بتجسيد هذا الاختلاف والتنوع عن طريق الانصاف. فلماذا يتهمون الخطاب الأمازيغي بالمظلومية؟
ما لا يعرفه هؤلاء أن تاريخ الأمازيغ هو تاريخ المقاومات، فالوعي العصري الامازيغي حاليا، هو بنية استمرار وليس قطيعة، هو امتداد تاريخي لما عاشه الامازيغي طيلة قرون عديدة.
لابد من الإشارة على سبيل الافادة، على أن الأمازيغ اصبحوا يدافعون، للاسف الشديد، من موقع الهزيمة، على الأقل منذ الانكسار التاريخي الكبير سنة 1212 إثر انهزام الموحدون في معركة العقاب بالأندلس، فالخطاب الأمازيغي يجر أزمات طويلة ممتدة في التاريخ، فهو متقل بالجراح، وحتى ان تحقق الانتصار للاسف يكون مؤقتا وقصير المدى، وبالتالي تنعدم فرصة التراكم، بالنظر إلى فترات سيطرة الأمازيغ على حوض الأبيض المتوسط والصحراء، فهي قصيرة جدا، ما أن يتمكن الامازيغ من بسط نفوذهم، والوصول إلى قمة المجد والقوة والسلطة، فسرعان ما يعودوا إلى الانكماش والوهن والضعف. وبالتالي اخذ زمام الدفاع والمقاومة والمحاولة من جديد، ولكن معركة العقاب سنة 1212 (من نتائجها استقدام القبائل البدوية من تونس إلى المغرب) كانت حدا فاصلا في تاريخ الأمازيغ بشكل عام، بدأ انسحابهم تدريجيا على مسرح احداث البحر الأبيض المتوسط كقوة سياسية عظمى، انتهى المسلسل باحتلال البرتغال لمدينة سبتة 1415. الحدث الذي قصم ظهر الامبراطوريات الأمازيغية الكبرى نهائيا، وساهم بشكل كبير في تغيير أسس المشروعية السياسية وأسس النظام السياسي ببلاد المغرب من نظرية “العصبية الأمازيغية” إلى عنصر “النسب الشريف”.
عموما فالامازيغ بصراحة كانت لهم انتصارات كثيرة وبنوا حضارات عظيمة وشيدوا إمبراطوريات وساهموا في تاريخ البشرية بالتقنيات(المرابطون الموحدون…) والفضائل والقيم والمبادئ الخلاقة واصلاح المجتمع والاديان (سانت اوݣيستين، ابن تومرت،) وساهموا في الفكر والعقل والعلوم ( ابن رشد، ابن خلدون، أركون..).
يصعب كثيرا، لكي نعود إلى كل أشكال الغزو، منذ الهيكسوس والميدين والفرس والبيزنطيبن والوندال والقرطاجيين والرومان، والعرب، والبرتغال والاسبان، والاتراك والفرنسيين، والاطاليين…كل شعوب الدنيا تقريبا، تناوبت على غزو “بلاد البربر”. لكن، حين نتوقف عند أشكال الغزو والاستعمار الامبريالي الذي تعرضت له “بلاد البربر” أي شمال افريقيا في القرن التاسع عشر والبداية العشرين، وندرس بتجرد وانصاف حجم المقاومة الأمازيغية التي بدأت مبكرا في الجزائر ثم تونس وليبيا ومالي والنيجير والمغرب ضد فرنسا وايطاليا واسبانيا، نتسائل كيف ضحى الأمازيغ بآلاف الشهداء ان لم نقل بالملايين؟ ضحوا في سبيل حرية اوطانهم، لكن بعد حصول الاستقلال في دولهم مورست عليهم كل أشكال الظلم والقهر والفقر، وشنت عليهم الدول التي سميت وطنية( تبنت كلها العربية والفرنسية، واقصاء كلي للأمازيغية في جميع مؤسسات الدولة) و(شنت) سياسات قاسية ضدهم استهدفت تجريدهم من لغتهم وثقافتهم وهويتهم وحضارتهم، وتزوير تاريخهم، بالإضافة إلى ما تعرضوا له من تهجير، في فرنسا مثلا، تعد الجالية الأمازيغية أكثر الجاليات العالمية بها، وتعتبر مدينة باريس أكبر مدينة يقطنها الأمازيغ في العالم، تضم أمازيغ تونس والجزائر والمغرب ومالي والنيجير وموريتانيا، وتأتي بعدها مدينة الدار البيضاء بالمغرب التي تستقبل الآلاف الاسر الامازيغي النازحة من كل البوادي….
وبعد عقود من العروبة، انبثقت نهضة امازيغية بوعي ثقافي عميق، تحمل خطابا سياسيا معارضا وناقدا لنموذج الدولة الوطنية، ومواجها لكل جيوب الاقصاء والاحادية وفلول القومية العربية….
بعد كل هذا الظلم….لا يهم ما الذي يقوله الظالم، بقدرما يهم ما الذي سيقوله المظلوم، لأنه هو البديل وهو المقنع، لذلك ندعو هؤلاء الذين يتهمون الخطاب الأمازيغي بالمؤامرة والمظلومية إلى مناظرة امام الشعب المغربي، في الفكر والتاريخ والسياسة والثقافة والاقتصاد واللسانيات والانثروبولوجيا والآداب…
الأمازيغية اليوم كما في الأمس، أنجبت علماء وخبراء ومبدعون، وكتاب ومنظرون…..قادرون على تفكيك الاساطير وتبيان الحقائق والبرهان بالعلم والفكر وليس بالبهتان.
الرباط. 16 فبراير 2020
ع.بوشطارت
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.