//ذ إسماعيل العلوي//
مسكين هذا الشيخ الفزازي، فمنذ مغادرته لأسوار السجن بعد العفو الملكي عنه سنة 2011، وهو في وضع لا يحسد عليه، فالأسئلة لم تتوقف عن التناسل حول شخصية هذا الرجل وطبيعة علاقته بالأجهزة الأمنية في المغرب، وظل السؤال اللغز إعلاميا وسياسيا: هل ما وصل إليه الشيخ من مواقف تحول بعضها بنسبة 180 درجة هو ثمرة اقتناع ذاتي ومراجعات فكرية عميقة استغرقتها ثمان سنوات من التأمل في السجن أم هي صفقة مع الدولة قرر بموجبها التنازل عن المبادئ وبيع قضية السلفيين؟
ومن المؤكد أن هذه الأسئلة قد تأخذ أبعادا كبرى بعد أن سمح للشيخ الفزازي أمس الجمعة بإلقاء الخطبة أمام ملك المغرب، حيث اعتبر كثيرون هذا الحدث خطوة تحمل أكثر من دلالة رمزية للشيخ الفزازي شخصيا وللتيار السلفي عموما في المغرب، بل تفاءل البعض وذهب بعيدا حين اعتبر هذه الخطوة هي بداية مصالحة شاملة مع التيار السلفي بشقيه العلمي والجهادي في المغرب، وإيذانا بقرب إنهاء محنة المعتقلين السلفيين وطي ملف السلفية الجهادية في المغرب والإسلاميين عموما، فالمغرب بعد احتوائه لتيار مهم من تيارات الإسلامي السياسي، وبعد تفتيته لبنية التيار السلفي الجهادي بعد أحداث 16 ماي، لم يتبق له إلا العدل والإحسان خارج بيت الطاعة المخزني.
ويمكن رصد دلالة هذه الخطوة من خلال استعراض مختلف المواقف والقراءات بشأنها:
1-فهي خطوة في نظر رفاق السلاح بالأمس من أنصار وزعماء تيار السلفية الجهادية، كهاني السباعي هي تتويج لمسيرة خائن تخلى عن المبادئ التي من أجلها دخل السجن، وداهن السلطان، ودخل تحت عباءة المخزن وتراجع عن مواقفه المناهضة للطاغوت وقبل بالبيعة وبإمارة المؤمنين، وبالتالي فمن الطبيعي أن يتم مكافأته على هذه المواقف بإرجاعه إلى الخطابة، والسماح له بالظهور في وسائل الإعلام والمنتديات السياسية، ولما لا تأسيس حزب سياسي لاحتضان التائبين من تيار السلفية الجهادية بعد إغلاق ملفهم.
2- في نظر تيارات الديمقراطيين الحداثيين هذه الخطوة محاولة من السلطات لإعادة تنصيب الفكر الماضوي الظلامي بإعادة تصديره كرمز في المشهد الديني وفي المجتمع لكبح مسار التحديث والدمقرطة في المجتمع، فهو لا يختلف كثيرا عن أبو النعيم أو المغراوي رغم أنه يحاول إعطاء الانطباع من خلال تصريحاته وخرجاته الإعلامية أنه يمثل “الأصولية اللايتّ”.
3-وهذه الخطوة في نظر إسلاميي العدالة والتنمية، خطوة استباقية وتأهيل لفاعل جديد في الحقل السياسي من شاكلة حزب النور المصري، لخلق واقع جديد في المشهد السياسي وإعادة التوازنات، ففي تصريح اعتبر د محمد شقير، أستاذ العلوم السياسية، أن إلقاء الشيخ الفيزازي لخطبة الجمعة الأخير في حضرة الملك محمد السادس يدخل ضمن تحول عرفه النظام المغربي في علاقته بالحركة السلفية، يدخل في إطار التوازنات الذي يعمل النظام على خلقها بين القوى السياسية العادية (لا نقول العلمانية) وبين القوى الأصولية، وذلك لمواجهة حزب العدالة والتنمية أو جماعة العدل والإحسان، و يأتي أيضا في إطار خلق التوازن الذي يوجد في الحقل السياسي”.
4-هذه الخطوة في نظر المراقبين لعمل الأجهزة الأمنية بالمغرب هي مناورة من رجال عبد اللطيف الحموشي لتشتيت الانتباه، ورسالة قوية إلى الخارج وخاصة فرنسا، بعد الأزمة الأخيرة واتهام المسؤول الأول عن مديرية مراقبة التراب الوطني بممارسة التعذيب، ومكافأة مجزية للفزازي ولغيره من السلفيين بعد إقرارهم بأن هذه الأجهزة بريئة من هذه التهمة، خاصة بعد شهادة الفزازي الواضحة:”يمكنني أن أشهد للتاريخ أن عبد اللطيف الحموشي رجل نزيه وكفء، ومخلص لوطنه، وللمسؤولية الجسيمة التي أنيطت به وأنه أكبر من أن تتلوث يده بتعذيب أيّ كان، أو أن يأمر بذلك أو يشرف عليه”، كما يرون في الخطوة انتصارا للمخزن وتزيينا لواجهته، ومخرجا مشرفا يحفظ ماء الوجه من مأزق السلفيين الذين ظل ملفهم عالقا لسنوات، رغم أن الملك اعترف بوجود تجاوزات في اعتقالات أحداث 16 ماي 2003.
وأيا تكون القراءات -ففي اعتقادي- أن هذه الخطوة مهمة جدا بما تمثله من إشارة إيجابية وقوية لطي ملف المعتقلين الإسلاميين وطي صفحة التجاوزات التي شابته، وإنهاء لمعاناة عائلات وأفراد طالت بدون طائل ونتمنى أن يوضع لها حد، وأيضا لأنها انتصار لمعسكر الإسلام المعتدل المؤمن بحرية الاختلاف في الرأي، والبعيد عن التشنج والتعصب والتكفير والكراهية، والقائم على التعايش والحوار والقبول بالآخر.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.