اتخذ مختبر الأنساق اللغوية والثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير مبادرة تنظيم ملتقاه الثالث لأدباء سوس المعاصرين خاص بالأستاذ الشاعر الصديق محمد مرشد، وذلك يوم الخميس 13 دجنبر 2018 بإشراف رئيس شعبة اللغة العربية الدكتور سليمان بحاري، وهي التفاتة ذات دلالة في حق هذا المبدع الحاضر بثقله في المشهد الثقافي والاجتماعي والجمعوي بجهة سوس ماسة منذ عقود. سأحاول في هذه الورقة أن أدلي بدلوي في بئر شاعرية هذا المبدع الذي جايلته وجايلني لما يقارب نصف قرن، وتتمحور حول النقط التالية :
- تأخر تفتح شاعريته :
لم يبدأ شاعرنا يهتم بقرض الشعر إلا بعد تقاعده سنة 1999، ومر بفترة انتقالية من 2001 إلى 2004 بتشجيع من أصدقائه الشعراء في نادي الغد الأدبي بتارودات، أمثال الأساتذة محمد الوردي، أحمد بزيد، مصطفى السهلي، والحسن الحسيني، وكان لهذا الأخير الدور البارز في دفع شاعرنا إلى الاهتمام بأوزان الشعر على نمط القصيدة العمودية، فمر إذن بوقت للمران والتلمذة سمى انتاجها يـ(الجحشيات)، تندرا وسخرية، مفاده عجزه عن الارتقاء إلى مستوى فرسان القريض. انطلق مارده بعد ذلك يصول ويجول لتكون حصيلة إنتاجه الشعري 1450 نصا خلال ما يقارب 14 سنة، منها 8 قصائد جزلية.
- الأغراض الشعرية المتناولة
يغلب على هذا الإنتاج أدب الإخوانيات والمناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية، إلى درجة سماه البعض شاعر المتقاعدين. إلى جانب هذا له ابداع في وصف جمال الطبيعة، المبثوث في الإخوانيات والمناسبات، ويحس القارئ أو السامع لهذا الشعر بانغماس شعوري في محبة جمال الورد، وحفيف الشجر، وغناء الطيور، وخرير المياه، وهدير البحر.
ويرجع تعلقه بجمال الطبيعة وسحرها إلى سن المراهقة في هذا البوح : “هربت من الدوار ومن الكتاب فرارا من الملل والركود إلى مدشر بني الطيب بجماعة الكدية بهاورة، واشتغلت في الناعورة أسوق البقرة ذهابا وإيابا على مر اليوم لإطلاع الماء من البئر، فتوالى ذلك لأيام، وفي كل صباح باكر كان المشتغلون أمثالي في النواعر المجاورة من فتيان وفتيات يملؤون الفضاء بأهازيجهم أمازيغية وعربية يموجها في دواخلي الصدى فتنتعش روحي ويخف جسمي، فلم أكن أحفظ ما يمكن أن أردده مثلهم لأجاريهم في هذه السمفونية الصباحية، فبدأت أغني قصدتي البردة والهمزية بطريقي الخاصة، ولم يكن من المحيطين بي يعرفون معنى ما أردده إلى أن جاء ضيف لدى هذه العائلة التي أشتغل عندها فانتبه إلى ما أتغنى به فلامني على ترك الدراسة والعلم وطلب مني بإلحاح أن أرجع إليها، وهو من نفذته في الحين مما كان له دور في تغيير مجرى حياتي، ولا تزال هذه الذكريات الحلوة تنعشني كلما تذكرتها”.
هذا البوح يجعلنا نفترض أن لجوء الشاعر إلى الطبيعة متأصل في كينونته نتيجة تأثير هذه المرحلة من حياته، تأثير أغاني صباحيات النواعر، سأكتفي هنا بإيراد الأبيات التالية من قصيدة جزلية، تعبر عن اهتمام الشاعر بالطبيعة وحبه للموسيقى بشتى أنواعها :
يا أهْلَ نْزاها فينْ رْبابْ ولعودْ ؟!
وفينْ لوطارْ والْكامنْجا والبنْديرْ
غْنِّ لأحْبابْكْ مْوَّالْ مْزْيانْ
كولْ وشْرْبْ اُتْمْتَّعْ مْع صْحابْ
وساعة زْهو ما دْوزْها ولو بْقْطيعْ راْس
- خصوصية شاعرية مرشد
هذه بعض انطباعتي الشخصية عن ذلك أوجزها في النقط التالية :
- وجود جدلية وحميمية رائقة بين الشعر وصاحبه أساسهما التفاؤل والانبساط، ويلمس ذلك في أسلوبه الذي يتميز بانسياب اللفظ مع توالي وتعانق النغم الدافئ الأخاذ في بناء القصيدة.
- تميز عبارته في وصف الطبيعة باللمحة الدالة والإشارة الخفيفة.
- اعتبار أغلبية قصائده تجاوزا شهادات تاريخية انطباعية عن الأحداث والأشخاص والمواقف والأمكنة، فعلى سبيل المثال، أرخ لاجتماعات جمعية مبادرات لمتقاعدي التعليم في الأماكن التي تعقد فيها الاجتماعات.
محمد مرشد يعدي شاعرنا بتفاؤله ومرحه كل من عاشره، فليس غريبا أن يستدعى لكل المناسبات لأنه ملح المجالس بدارجيته وأمازغيته، ونكته الساخرة من الذات والآخر، وهو كما يحلو له أن يقول “إيكا تيسْنْتْ إيساراكْنْ”.
وفي الختام هذا المبدع الذي تخطى الثمانين وبدأ قرض الشعر بعد التقاعد، والممتلئ بالتفاؤل ومحبة الحياة نموذج نادر جدير بأن تولى عناية خاصة لإنتاجه، في هذا الزمن الغارق في القلقل والتشاؤم، ليكون طبعه منارة يستضيئ بها التائهون والحائرون من مختلف الأعمار.
لهذا نشكر مختبر الأنساق اللغوية والثقافية بكلية الآداب بأكادير على مبادرته هذه، ونرجو أن تتولد عن هذا الاهتمام بشاعرنا لجنة تفكر في مشروع طبع هذا الانتاج في أسرع وقت يشترك فيها الأطراف التالية : نادي الغد الأدبي بتارودانت، مختبر الأنساق اللغوية والثقافية بكلية الآداب، أصدقاؤه وطلابه، والغيورون من رجال الأعمال والمال لتوثيق هذه الذاكرة التي تنغنى بجمال عدة أماكن ومناطق جهة سوس ماسة العزيزة. وجمعية مبادرات جهوية للتنمية والتواصل على استعداد للانخراط في إخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.