لغات التعليم بالمغرب و صراع الايديولوجيات.
معارضة حزب العدالة و التنمية تدريس المواد العلمية بالفرنسية و قبوله اعتماد لغة اجنبية اخرى هي الانجليزية لتدريس بعض المواد، يثير عدة تساؤلات من مثل :
– ما علاقة المرجعية الايديولوجية الاخوانية للحزب بمعارضة الفرنسية؟
– ما علاقة تكريس الطبقية في التعليم بالقيم الدينية ذات الحمولة الايديولوجية الحزبية؟
لكي لا يوهمنا الاسلاميون بالمغرب و منهم حزب العدالة و التنمية بالدفاع عن التعليم و باختيارهم للغة الانجليزية( و ليس الفرنسية) كلغة عالمية هي الانجح للانفتاح على العلوم، نقول لهم لسنا يا سادة بسطاء الى هذا الحد الذي ينطلي فيه علينا هذا الايهام . فما يحاربه الاسلاميون في الفرنسية ليس التاريخ الاستعماري لأصحاب هذه اللغة( كما يوهموننا بذلك) لكن ما يحاربه هؤلاء هو الفكر التنويري الذي تحمله هذه اللغة المرتبطة بفلسفة الانوار و بحقوق الانسان و بمبادئ الثورة الفرنسية التي حررت الانسان المعاصر من القيود الدينية و حطمت حكم الكنيسة و فصلت الدين عن الدولة و اعطت للانسانية نموذجا مدنيا راقيا في الحكم للمجتمعات المدنية المعاصرة التي نجحت نماذجها الحية في المجتمعات الاوروبية اليوم. فهذا ما يخشاه الاسلاميون من اعتماد الفرنسية كلغة تعليم ثانية في المغرب، لذلك يكنون لها العداء الشديد لأنها تقف امام مشروعهم الايديولوجي الذي استطاع الاخوان المسلمون انجاحه في مصر ساعدهم في ذلك غياب الفرنسية بمصر و هيمنة الانجليزية التي لا تحمل هذا الفكر التنويري الذي تحمله الفرنسية. اذا فمعاداة الفرنسية و تشجيع الانجليزية من طرف الاسلاميين ليس مرده الدفاع عن الانسب و الانجح للبلد بله محاربة الفكر التنويري الذي تحمله، اما الانجليزية فرغم كونها اللغة العالمية الاولى فيمكن تشبيهها بصحن يمكن ان نملأه بأية أكلة ابتداء من ارخصها الى ارقاها عالميا، و لنا نموذج في الدول الذي تتبنى الانجليزية كدول الخليج.
اما الدفاع عن الطبقة الشعبية كما يدعي حزب العدالة التنمية في برامجه كدفاعه الايديولوجي عن تعريب التعليم هو نقطة اخرى تنطبق عليها قولة علي بن ابي طالب” حق اريد به باطل”. التعليم في المغرب يكرس طبقية اجتماعية و يزيد من الفوارق الاجتماعية بدرجة اعلى مما كان عليه قبل تعريب التعليم. التعليم في المغرب نوعان : تعليم عمومي لابناء الشعب و تعليم خصوصي لابناء الاغنياء و البورجوازيين و ابناء الطبقة الوسطى. الاول يهيمن عليه التعريب في مراحله الاولى و المتوسطة لينتقل الى الفرنسية في معاهده العليا. و الثاني يعتمد على الفرنسية لذلك نجد ان اغلب ابناء الطبقة الغنية و البورجوازية و من تبعههم من ابناء الطبقة الوسطى يكملون دراستهم في المعاهد و الكليات ذات الجودة في الوطن و في خارجه و بالفرنسية بينما يصيب الاخفاق اغلب ابناء الطبقة الشعبية، و هذا اجحاف في حق هؤلاء الذين يمثلون الاكثرية الساحقة من الشعب. فاذا كان الاسلاميون يدافعون حقا عن التعريب فبماذا نفسر ادخال الزعيم الراحل لجماعة العدل و الاحسان ابنته نادية الى البعثة الفرنسية بالبيضاء ثم مراكش، ثم بماذا نفسر تهافت زعماء العدالة و التنمية لتسجيل ابنائهم في الكليات و المعاهد الفرنسية و التركية بدلا من قطر و السعودية و مصر؟
أليس هذا تبليدا للعقول و ترسيخا لتراتبية الشيخ و المريد اي تراتبية “الخاصة و العامة ” التي تعيدنا الى القرون الوسطى؟
لغة التعليم التي يتخذها البعض مطية للمساومات لنزع بعض المكاسب السياسية يجب اخراجها من اللعبة السياسية للاحزاب، كما يجب ابعادها عن الاهواء الايديولوجية التي خربت البلدان التي كانت تتبناها.
موقف الاتحاد الاشتراكي مثلا في تبنيه الفرنسية لتريس العلوم كان منسجما مع مبادئه الفكرية التي تدعو الى التنوير، لكن ان يصطف حزب الاصالة و المعاصرة في صف العدالة و التنمية في تبني ” لغة اخرى” و مفهومها هنا هو الانجليزية فهذا يعتبر خيانة لمبادئه التي يدعي بتنويريتها، و الا اعتبر موقف هذا الحزب انتهازية سياسية غايتها انتزاع مكاسب سياسية لا نعرفها او ديماغوجية لاختبارات بالونية.
فلغة التعليم في المغرب لا يجب ان تتحكم فيها فئة او طبقة لفرض اهوائها و ايديولوجيتها، بل يجب الاعتماد على مرتكزات الامة المغربية بما أقره الدستور باعتماد اللغتين العربية و الامازيغية كلغتي الهوية الوطنية، ثم اللغة الفرنسية كلغة العلوم بحكم ارتباط الفرنسية بالفكر التنويري الذي يستطيع مساعدة الحركة التنويرية في المغرب من انتشال مجتمعنا المغربي من الفكر الانغلاقي المتطرف الذي استشرى مؤخرا في ساحتنا. فالتاريخ يخبرنا ان أغلب رواد النهضة العربية بالشرق في لبنان و سوريا ثم في مصر هم فرنسيوا الثقافة و الفكر كطه حسين و محمد عبده و الافغاني، و جورجي زيدان و البستاني، … و في المغرب انتشر الفكر التنويري و العقلاني في الستينات و السبعينات من القرن الماضي قبل تعريب التعليم و هيمنة الفكر الوهابي و الاخواني و التطرف الديني، و كذلك الامر في تونس و الجزائر.
ذ. الحسن زهور
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.