بقلم : الحسين بويعقوبي
ككل سنة تؤكد منطقة سوس تشبتها بإحدى أعرق الممارسات الثقافية بشمال إفريقيا، بعدما انقرضت في العديد من المناطق سواء في المغرب أو البلدان المجاورة. يتعلق الأمر بعادة بيلماون (بوجلود، هرما، باشيخ، بوعفيف، أمغار وقروش، بولبطاين،…) المعتمدة على القناع والتنكر في جلد الأضاحي في شكل فرجوي بهيج يمتزج فيه الفرح بالخوف. وعبر الزمن، كانت هذه العادة ذات الأبعاد الروحية فرصة يسمح فيها للمجتمع بالخروج عن المألوف والتحرر من القيود وتمثل الآخر المختلف وقلب الأدوار وتقديم صورة مقلوبة للعالم. إنها لحظة التعبير عن مكبوتات المجتمع والإفصاح عن المسكوت عنه ونقد الأوضاع في صورة هزلية يقبلها الجميع رئيسا ومرؤوسا. وككل الكرنفالات في العالم تعكس هذه الممارسات الثقافية انشغالات مجتمع ما في زمن ما، وهذا ما يضمن لها التطور والإستمرارية. فكرنفال بيلماون طابق فرجوي متكامل تتداخل فيه كل الفنون (موسيقى، مسرح، رقص، ماكياج، كوريكرافي، غناء، نحت…) وتشتغل فيه مجموعة من الحرف اليدوية (خياطة، صباغة، دباغة، نجارة، حدادة…). وعليه فالعنصر الأساس في كرنفال بيلماون هو القناع والتنكر والإبداع على مستوى اللوحات الفنية المقدمة. لكن لوحظ مؤخرا خاصة في المدن (انزكان والدشيرة) التركيز على السهرات الفنية التي لا تخرج عن السهرات المألوفة في المهرجانات المنظمة طيلة السنة، وهو ما يسير في اتجاه إفراغ كرنفال بيلماون من تميزه باعتباره نشاطا فرجويا ذو خصوصية. لقد أدى خروج هذه العادة من النسق القيمي التقليدي الذي كان يؤطرها وتطورها في نسق مختلف داخل المدن إلى فقدان المنظومة القيمية الأصلية وعدم إنتاج نسق قيمي جديد يعطي للممارسة معنا في المدن بخصوصياتها الديمغرافية المبنية أساسا على تنوع الأصول الثقافية لسكان المدن. إن المطلوب هو التركيز على الجانب الفرجوي للممارسة و تشجيع الإبداع على مستوى الأقنعة والأزياء التنكرية واللوحات الفنية المقدمة، وإعادة فتح النقاش بين كل المتدخلين لوضع تصور واضح لمستقبل هذا الكرنفال، بعدما أجهضت تجربة 2012-2013 التي كانت بشهادة الجميع رائدة في وضع أسس كرنفال عالمي يحتفظ على الخصوصيات المحلية لبيلماون وينفتح على التجارب العالمية ويفتح المجال للشباب للإبداع في مختلف الميادين ذات الصلة بالموضوع.
تكمن قوة كرنفال بيلماون في تجذره التاريخي بالمنطقة واحتضانه الشعبي من طرف كل الفئات وقدرته على التأقلم مع متغيرات المجتمع ولا يحتاج إلا لإرادة حقيقية لتنظيمه وتنقيته من بعض الشوائب وتطويره ليكون في مستوى الكرنفالات العالمية ويساهم في التنمية الإقتصادية لجهة سوس ماسة، حين يتمكن من جلب نسبة معينة من خمسة ملايين سائحا يجوبون العالم بحثا عن الكرنفال.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.