صدر عن منشورات جمعية أزمزا للثقافة والتنمية كتاب جماعي يتضمن أعمال ندوة دراسية وهي قراءات ودراسات أنجزها مجموعة من الباحثين حول مؤلفات الباحث والكاتب المغربي رشيد الحاحي، كما يتضمن الكتاب ثلاثة حوارات صحفية أجريت معه بصفته الثقافية والفكرية وأيضا الترافعية كفاعل مدني وأحد الوجوه العاملة في مجال التنظير والعمل الأمازيغي بالمغرب. ويقع الكتاب في 136 صفحة من الحجم المتوسط مقسمة إلى العناوين الأتية:
المعنى كواقعة ثقافية: مسارات الحفر في المتخيل الرمزي والأنساق الثقافية، قراءة في كتاب “النار والأثر للباحث أحمد أبوزيد، وقراءة في كتاب “الهوية وقضايا الأمازيغية والإسلام السياسي والحريات للباحث محمد أيت بود، وقراءة في كتابي “الأمازيغية وأسئلة المستقبل” و”الأمازيغية والمغرب المهدور للباحث أحمد الخنبوبي، وفهم الفهم في استراتيجيات الخطاب الثقافي الأمازيغي، اللامفكر فيه والتأويلات الممكنة رشيد الحاحي أنموذجا، للباحث يوسف محمد بناصر، والمشروع النقدي للحاحي منظرا ومبدعا للباحث محمد أوزي، وقراءة في كتاب “الأمازيغية والسلطة، نقد استراتيجية الهيمنة” لمحمد أيت بود. إضافة إلى ثلاثة حوارات فكرية وترافعية أجراها معه كل من الباحثين والصحفيين أحمد أبوزيد، لحسن باكريم وعبد المؤمن ماحو.
وفي تقديم الكتاب، وفي معرض هذه القراءات يؤكد الباحث محمد آيت بود على أن كتابات وأبحاث رشيد الحاحي تتسم بمقاربات معرفية متعددة ومتكاملة، وهذا مؤشر هام على نضج الكتابات الفكرية للحركة الأمازيغية بالمغرب التي يعتبر باحثنا أحد منظريها، وتعتبر إنتاجاته من الكتابات الفكرية والسياسية التي يمكن اعتبارها تأسيسية في هذا الصنف من الكتابات، الساعية إلى تطوير الخطاب الفكري والثقافي الأمازيغي.
ويرى الباحث أحمد بوزيد أن تشغيل العديد من المفاهيم في كتاب “النار والأثر” من قبل الباحث استنادا إلى محمولاتها في الأنثروبولوجية التأويلية والتحليل النفسي واستعادة إرث جيلبير دوران وغاستون باشلار، مكن رشيد الحاحي من الوقوف على الوظائف الرمزية للتعبيرات المؤولة ووجوهها الدلالية العديدة والتعالقات التي تقيمها مع عناصر محيطها، وامتداداتها في النسيج الثقافي والمجتمعي، أي أنه إنشاء مدفوع برغبة في إزاحة الصمت والجهل المهيل للقداسة وتأكيد على مركزية الجسد والأنطولوجية في الوجود الإنساني.
أما محمد أوزي، فقد تناول المشروع النقدي والتنظيري للباحث، وتوقف عند بعض معالم هدا المسار من خلال جل مؤلفاته، حيث وضح أن الحاحي ولج عالم البحث والكتابة النقدية بعد سبره لأغوار الفن ومجال التشكيل والصورة ومقوماته الجمالية والرمزية، وبعد تكوينه الفكري، كرس دعوته إلى ضرورة إيقاظ روح الفن والجمال، وإعمال الفكر والنقد الرصين، لأنهما، أي الفن والفكر، الروح والعقل المحددان لفعالية وحيوية الشعوب الحرة.
حسب الباحث يوسف بناصر فإن النسق الجامع لمشروع رشيد الحاحي، يبدو أنه التحفز لنحت رؤية جديدة لمسار الثقافة الأمازيغية تستمد مرجعيتها من المفاهيم الحداثية المعاصرة، ويتطلع لنقد ما تراكم من كتابات حولها وتفكيك المواقف التي عالجت بعض من قضاياها، وقد عمل على بلورة هذا الموقف في عدة بحوث أكد فيها على مشروعية المدخل الحداثي لفهم وحلحلة العديد من إشكالات الثقافة الأمازيغية. فالأستاذ الحاحي يحاول أن يهدم البنية الأيديولوجية التي أطرت الكثير من مقولات البحث في حقول الثقافة الأمازيغية، سواء كانت هذه أفكارا مسبقة أو مؤسسة لغياب المعرفة العلمية أو لاستناد بعض الباحثين على إرادة الأيديولوجيا بدل إرادة المعرفة أثناء ممارساتهم السؤال والحفر في هذا المجال، إنها محاولة لاستعادة المتن الأمازيغي بكل تشكلاته الرمزية والفلسفية والمادية وتحريره من الوقوع في أسر التصنيفات المغلقة، وفتحه على آفاق إنسانية موسومة بالعقلانية والتنوير والموضوعية.
يرى الباحث أحمد الخنبوبي أن ما يميز مسار رشيد الحاحي، هو أنه استطاع أن يجمع ما بين الفكر والكتابة والممارسة والتنظيم، فهو ليس من فئة المثقفين الذي يقبعون في أبراجهم العاجية ويحاولون أن يسدوا النصائح للناس دون أن ينطلقوا من أنفسهم، ودون أن يقوموا بأية مبادرة، بالإضافة إلى أنه شخص متعدد الانتاجات والاهتمامات، هذا التعدد هو ما أعطى لكتاباته عمقا ثقافيا ونفسا أنثروبولوجيا، فهو من خلال كتاباته يرصد جزئيات الظواهر التي يتناولها ويعطيها الأهمية التي تستحقها، مما يمكنه من الوصول إلى المسائل العامة والنظريات الشاملة.
ويروم الناشر من خلال هذا العمل الاحتفاء بالمنجز الثقافي لرشيد الحاحي من خلال تنظيم هده الندوة الدراسية التي شارك في أشغالها عدة باحثين، ونشر أعمالها، كما يسعى من خلال ذلك إلى تثمين وإبراز جانب من تحققات الخطاب الفكري والترافعي الأمازيغي في المغرب، وتطور مقارباته لقضايا اللغة والثقافة والهوية والتنمية، ومساهمته البارزة في تجديد المفاهيم والمقولات والارتقاء بالنقاش العام وبالفكر وبالبحث العلوم إنساني من أجل الفهم وتصحيح المغالطات وتغيير النظرة إلى الذات والعالم، واستكشاف مقومات الإنسية المغربية وممكنها الثقافي والتنموي الوطني.
الناشر
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.