قضية ريان وما ينبغي أن يقال… المناطق الجبلية وسؤال التنمية
محمد بلهي
محمد بلهي: عضو المجلس الوطني للإئتلاف المدني من أجل الجبل
هناك في عمق المغرب المنسي ، بدوار إغران / تامروت التابع لإقليم شفشاون بسلسلة جبال الريف تقطن أسرة فقيرة كما هو شأن الملايين من الأسر المغربية المنفية قسرا في مختلف المناطق النائية على هامش الوطن.
هناك إنزلق ريان ذو الخمس سنوات فتهاوى في حفرة منسية كانت قد حفرت على أنها بئر بحثا عن قطرة ماء ، سقط ريان في غفلة من الأسرة والمجتمع ليصعد شعاع الروح مناديا أنا ها هنا أقبع فانقدوني . هبت الأسرة والجيران فتراء لهم ريان في الجب فصرخوا صرخة مدوية تردد صداؤها على أركان الكون فانتبه العالم الى أن هناك عالم ذاخل عالمهم وأن هناك شعب مازال يسكن في الفيافي وفي المغارات وفي ظروف أقرب إلى العصور الوسطى .
تجند الجميع ، مسؤولون ومتطوعون ، وجيش من الصحفيين والإعلاميين ينقلون الحدث بعضهم تسلح بالمهنية والإحترافية وبعضهم داس عليها وعلى أخلاقية المهنة بحثا عن “البوز ” والعائد المادي بكل الطرق والوسائل .
خمسة أيام ، وصل فيها الليل بالنهار ، من الحفر والنبش تارة بالٱلة وتارة باليد ، والتخطيط يتأرجح بين المقاسات الهندسية والحرفة اليدوية المتمرسة في حفر “الخطارات ” في مغرب لم تصله الجرافة بعد .
خمسة ايام قضاها ريان في ظلمة البئر الموحش والبارد متسلحا بجينات الصمود والشموخ التي ورثها عن أبويه وعن ناس قبيلته .
طال الإنتظار بين الحفر والنبش والدعاء فقرر ريان أن يطلق محررا روحه لتصعد من البئر وتخترق الحشود صاعدة إلى السماء لتتركنا ها هنا نتلاوم ونعود مصدومين خائبين إلى واقعنا المتخم بالتهميش والإقصاء واللامبالات .
*باسم ريان اعدلوا وانصفوا الجبل *
__________
تشغل المناطق الجبلية بالمغرب ما يقارب 3,2 مليون هكتار أي ما يقارب ٪35 من المساحة الإجمالية للمغرب ويقطن بها 7000548 نسمة وهي مناطق تنتمي الى الهامش ،بعيدا عن المركز ، وتتسم بالوعورة من حيث المسالك والممرات وبالفقر من حيث البنيات التحتية والتجهيزات والخدمات الأساسية .
كما أنها- وتلك مفارقة – غنية بالثروات الطبيعية كالمياه والغابات والمناجم المعدنية فضلا عن كنوز التراث المادي واللامادي .ومع ذلك يعيش سكانها فقرا مدقعا تحت وطأة التهميش والإقصاء .وهي كما وصفها الشاعر والكاتب الصحفي محمد مستاوي ” الجبل كالجمل الذي يحمل الثمر ويأكل الثبن “.
ومن مظاهر هذه المفارقة العجيبة أن الجبال بالمغرب تعتبر خزانا للمياه الجوفية والسطحية وهي غنية بالمنتوجات الفلاحية الطبيعية ذات الجودة العالية ( بيو -Bio) وبالمناجم المعدنية النفيسة كما أنها تزخر بالمٱثر التاريخية والمواقع الطبيعية الجميلة والصالحة للإستثمار في السياحة الجبلية والثقافية . إضافة الى ذلك تزخر المناطق الجبلية بكنوز التراث المادي واللامادي كالصناعة التقليدية والأنماط الثقافية من تقاليد وعادات ولباس وأكلات والفنون التراثية الفنية والجميلة .
ومع ذلك وفي غياب رؤية إستراتيجية وإرادة سياسية بقيت هذه المناطق ترزخ تحت وطأة الفقر والتهميش والإقصاء من حيث البنية التحتية كالطرق والمسالك مما يضطر معه سكان هذه المناطق إلى التنقل عبر مسالك وعرة وشاقة تتعقد معه الأمور في حالات المرض ومخاضات الولادة مما يعرض أصحابها لخطر الموت ومصادرة حقهم في الحياة ،خاصة في غياب المستشفيات والمراكز الصحية والأطر الطبية داخل هذا المجال .
وما ينطبق على الصحة ينطبق على التعليم في غياب مؤسسات تعليمية بمواصفات تستجيب للمعايير الأساسية ولو في حدودها الدنيا ،إن على مستوى البنيات والبنايات او على مستوى الموارد البشرية مما جعل الولوج لعملية التعلم والتمدرس هذه شاقة على مستوى المرحلة الإبتدائية وأكثر صعوبة في الإعدادي والثانوي والجامعي للبعد الحاصل بين هذه المؤسسات وبين مناطق سكنى المتمدرسين ولتكلفة التنقل والإقامة والمعيشة في مدن الإستقبال وضعف و/او غياب الداخليات والنقل المدرسي بالنسبة للإعدادي والثانوي بشكل يغطي الحاجيات الأساسية للمتمدرسين .
فضلا عن هذا – ونحن ندخل الألفية الثالثة – مازالت هناك مناطق محرومة من خدمات الماء الصالح للشرب والكهرباء وتغطية شبكات الاتصالات الهاتفية والأنترنيت .
* معانات المرأة في المناطق الجبلية *
__________
تعتبر المرأة من أكبر الضحايا للسياسات العمومية التي تنهجها الحكومات ومجالس الجماعات الترابية المنتخبة في العالم القروي والمناطق الجبلية أساسا ، فبإستثناء الشعارات المرفوعة في الإعلام وفي المنتذيات النسائية ،تبقى المرأة الجبلية تعاني الويلات كطفلة فرصها في التعليم والتمدرس ضئيلة ومحفوفة بالصعوبة والمشقة لفقر أسرتها وبالتالي عجزها عن تأمين هذا الحق وانتشار الأمية في المجتمع الذي تنتمي اليه .ويزداد الأمر تعقيدا كلما تقدمت في المسيرة نحو الثانوي والجامعي ليكون الهذر المدرسي هو المصير وبالتالي العودة الى المطبخ وإنتظار او طرق لباب الأسرة طلبا يدها للزواج المبكر ، لتدخل بذلك عالم الإنجاب والتوالد بلا ضوابط ولا تخطيط مما يؤثر على صحتها الجسدية والنفسية بل وعلى حياتها اثناء الوضع .
كما أن معانات المرأة هذه تتواصل كمرتفقة للإدارة الترابية لإرتفاع تكلفة التنقل من والى الدوار ، فمثلا إنجاز البطاقة الوطنية يكلفها التنقل بين عدة إدارات :القيادة ومركز الدرك الملكي ومركز الشرطة وغالبا ما تتوزع هذه الإدارات بين عدة مدن ، مما يتطلب وقتا قد يزيد عن ثلاثة أيام ومصاريف إضافية خاصة أنها تكون برفقة زوجها أو أحد أفراد الأسرة مما يشكل عبئا ماليا إضافيا على الأسرة .
أضف الى ذلك غياب فرص الشغل في غياب مشاريع مدرة للدخل بالمناطق التي تنتمي إليها .
الشباب ايضا يعاني الويلات مع هذا الوضع إذ يضطر إلى الهجرة إلى المدن بحثا عن لقمة العيش وفي ظروف صعبة تفرض عليه العمل خارج الضوابط القانونية وساعات طويلة في غياب الترسيم والتغطية الصحية مما يضطر معه الى الإقامة في البرارك ومدن الصفيح على هوامش المدن ويبقى ممزقا عندما يتزوج ما بين أن يعيش هناك وحيدا بعدا عن زوجته وابنائه الذين تركهم بمسقط رأسه وبين أن يستقدمهم الى حيث يعمل مع ما يكتنف ذلك من صعوبة ومخاطر الضياع والإنحراف بالنسبة للأبناء في مثل هذه البنية غير الملائمة .
* من اجل عدالة مجالية تنصف الجبل *
_________
في إطار سياسته الترافعية الهادفة إلى إثارة الإنتباه الى الأوضاع المزرية التي تعيشها ساكنة المناطق الجبلية دعى الإئتلاف المدني من أجل الجبل ، سواء في مذكرته المطلبية او في مشروع قانون الجبل الذي أعده وقدمه لرئيس الحكومة السابقة كما قدم نسخ منها للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وللمجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي الى جانب الفرق البرلمانية والأحزاب السياسية ، دعى إلى سن سياسة عمومية منصفة للجبل أخدا بالإعتبار خصوصياته الإيكولوجية والتنوع البيولوجي والغنى الثقافي والتراثي
وذلك بالحد من الفوارق المجالية والإقصاء الإجتماعي وتحقيق عدالة مجالية تنصف الجبل وسن سياسات عمومية ملائمة لتنمية الجبل والحفاض عليه وذلك من أجل إستفادة سكان الجبل من مردود ثرواته
__________
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.