قصة الكلب قديس الحراك الشعبي في الشيلي
في حوار مع الفنان التشيلي صانع تمثال الكلب "الثوري"
جرى الحوار:المصطفى روض
مرت سنتان و ثلاثة أشهر على انطلاق الحراك الشعبي في التشيلي و الذي رغم توقفه نتيجة أوضاع جائحة كورونا، فإن نتائجه على المستوى السياسي تجسدت في التغيرات الهامة لتي كانت ثمارها بارزة في الإنتخابات الرئاسية التي جائت برئبس يساري شاب يحمل مشعل التغيير، و قبله، جاءت بمجلس تأسيسي انتخب في استفتاء شعبي يتكفل بكتابة الديتور البديل الذي كان من المطالب الأساسية للحراك الشعبي.
و تحفظ ذاكرة الشعب الشيلي رمزية الكلب الزنجي “ماطاباكوس” التي يعود لها الفضل في تحفيز الحراك الاجتماعي و تأجيجه و الرفع من منسوب دينامكيته ما جعل الحراك كبيرا و مستقطبا لكل المنطاق الحضرية و القروية التي يعود الفضل في خلقها و استمرارها رغم أن الكلب المعني برمزيته الثورية قد توفي قبل انطلاق الحراك الاجتماعي.
و فكرة تجسيد و استعادة رمزية الكلب “ماطاباكوس” لاستثمارها في الحراك الشعبي اقتنصها الفنان الشيلي، “مارسيل صولا”، المتخصص في النحث، في وقت كان الجميع يعرف قصة الكلب الثوري الذي كان رفيقا أمينا يتطوع من تلقاء ذاته لمشاركة الحركة الطلابية نضالاتها اليومية سنوات2009 و 2017 بغاية واحدة وهي الدفاع عن الطلبة المتظاهرين و حمايتهم من بطش و قمع قوات الأمن لهم، فقام الفنان “صولا” بنحث تمثال الكلب الثوري لاستعادة رمزيته، و جعلها تشارك مظاهرات الحراك الاجتماعي سواء في سانتياغو العاصمة او في مدن اخرى كانت فيها الساكنة تطالب بإحضار تمثال “ماطاباكوس” للرفع من ديناميكية الحراك فيها.
و بغاية التعرف أكثر على قصة هذا الكلب الثوري، بعد ان كتبنا مقالا مطولا حوله ، ارتأينا إجراء حوار شيق و ممتع مع الفنان الذي حدثنا عن فكرته التي عبرها فن النحث إلى مساهم كبير في تأجيج الحراك الاجتماعي من خلال توظيف رمزية الكلب “ماطاباكوس” الذي بات نموذجا لقيم المقاومة المدنية.
الفنان “مارسيل صولا” حائز على إجازتين في الفنون و علم الجمال بعد دراسته في جامعتين بالتشيلي. كما أنه حاصل على ماجستير في علم المتاحف بجامعة “فيادوليد” بإسبانيا.
و كان مسيرا لأزيد من عشرة سنوات لرواق “سيان” الذي يقوم بتطوير الفنون في الشيلي، فضلا عن كونه فعالية تنشط في مجال الدفاع عن القضايا البيئية و الاجتماعية.
س: كيف تبلورت لديكم فكرة نحث تمثال خاص بالكلب الزنجي “ماطاباكوس” (قاتل رجال الشرطة) الذي يتغذى من رمزيته الحراك الشعبي في بلدكم التشيلي؟
مارسل صولا: نحث هذا التمثال في المقام الأول، مع إعادة التدوير، كان هدية لشعب الشيلي و تكريما، في ذات الوقت، لكل الذين ناضلوا بلا كلل من أجل الكرامة و العدالة الاجتماعية.
منذ انطلاق الحراك الاجتماعي يوم 18 أكتوبر 2019، اعتبرت، في غياب القادة و الناطقين الرسميين المتبنين لمطالب المواطنين، أنه لا بد من تقوية مرجع (إلكيلترو) “ماطاباكوس” (قاتل رجال الشرطة) باعتباره شعارا و أيقونة للمقاومة المدنية. “إلكيلترو”: هو صنف من كلاب ذات أحجام صغيرة وجدت في الشيلي قبل مجيء الأسبان، و هو التعبير الأكثر دقة، عندنا، عن هويتنا، و في كثير من الأحيان يتخلى عنها جزء كبير من الشيليين و يسيء معاملتها و يميزها بالطريقة ذاتها التي تتجاهل بها الطبقة السياسية مشاكل معظم المواطنين التشيليين.
صحيح أن صنع تمثال الكلب الزنجي “ماطاباكوس” استغرق مني أزيد من أسبوعين، ما حفز بطريقة سريعة إخراجه إلى الأماكن العامة في 15 نوفمبر، حيث الاستعمال الموازي للوحات البيضاء كان دليلا على السلام وإعلانا لمرحلة جديدة للحدث الوطني بناءً على الاتفاق السياسي الذي تم الإعلان عنه مساء أحد أيام الخميس لإجراء استفتاء على دستور جديد في أبريل القادم بدل تعديل الدستور الحالي.
و في حين احتفل البعض بالمبادرة، راقب الآلاف من التشيليين الآخرين المشهد بخيبة أمل وقلق إزاء عدم وجود حلول جوهرية مرتبطة بما يسمى “الأجندة الاجتماعية”، واعتبروا أن هذا الإجراء (الإعلان عن الاستفتاء) ليس أكثر من مجرد ستار دخان سيجعلنا نتأكد أن الأمور ستعود شيئا فشيئا إلى مجراها العادي.
س: إلى أي حد تكون رمزية الكلب الزنجي (ماطاباكوس) الذي توفي قبل سنتين تؤثر في خلق ديناميكية لمظاهرات الحراك الشعبي في التشيلي؟
مارسيل صولا: لقد أثرت بدرجة عالية منذ اعتبار أن صورة الكلب الزنجي توحي بكونه “المنقذ”. و هذا النوع من الكلاب التي تعيش في الشارع تظل على قيد الحياة لأنها “تقاوم” كل يوم و تواجه عدد لا يحصى من المحن وتعيش لامبالاة من طرف الكثيرين. ومع ذلك، بالنظر إلى التعاطف و الرعاية لهذه الكلاب من قبل العديد من الأشخاص، فإنها تكون مستعدة للاهتمام بهم و حمايتهم، بل و قد تعطيهم حياتها فداء لهم.
الكلب “ماطاباكوس”الأصلي يكون دائمًا في مقدمة خط المواجهة لأنه كان يشعر بالالتزام للدفاع عن جميع الطلاب في مظاهراتهم ما بين 2009 و 2017، لأنهم كانوا يطعمونه و يرعونه. و هذا هو السبب في أن اللافتات السوداء المكتوب عليها اسمه (ماطاباكوس) كان شعارا يولِّد إحساسًا كبيرًا بالانتماء والسيطرة الاجتماعية، نظرًا لأنه يشكل رمزا لمقاومة انتهاكات نظام ينكر هوية شعب و يرى أفراده مستهلكين و مجرد كتلة مهمشة. و لذلك، فإن رمزية “ماطاباكوس” تشجعنا على تعزيز إبداعنا و استنهاض وعينا بالدفاع عن حقوقنا السياسية و الاجتماعية و حماية البيئة، فضلا عن ضرورة احترامنا وتقديرنا للشعوب الأصلية، لضمان تكافؤ الفرص ضمن العديد من المتطلبات الاجتماعية الأخرى.
س: أنت كفنان للنحت، كيف تقيم تقديرات النخبة التشيلية بشكل خاص و المواطنين بشكل عام، لعملك الفني المتوج بنحت تمثال رائع حول الكلب الثوري “ماطاباكوس”؟
مارسيل صولا: لقد تأثرت لرؤية الامتنان و البهجة والأمل لدى الناس الذين جاءوا لمشاهدة هذا النصب التذكاري للكلب الزنجي. و بالفعل، في اليوم الأول الذي خرج فيه إلى الشوارع لساعات طويلة، حمله آلاف المتظاهرين كما لو كان قديسا في موكب. أخبروني في مناسبات متكررة أنه منحهم القوة للنهوض و المضي قدما في الحراك، كما منحهم الشعور بالتماسك والوحدة الاجتماعية. ما هو ملفت حقا، أن النصب التذكاري للكلب “ماطاباكوس” يكون محاطا باستمرار بأشخاص كثيرين بعد أن تحول إلى محرك دائم للحراك الشعبي كل أسبوع، و يتم نقله في كل مرة إلى ثلاثة أحياء شعبية لتعزيز التجمعات الإقليمية للبحث في المقترحات الخاصة بتأسيس المجلس التأسيسي الذي ستوكل له مهمة كتابة الدستور الجديد. و في كل مرة يصل فيها تمثال “ماطاباكوس” إلى منطقة جديدة، تزداد المساعدة الكبيرة للمواطنين و مشاركتهم المكثفة في مظاهرات الحراك الشعبي. و كان استقبال الناس لتمثال الكلب الزنجي لا يصدق. الناس من جميع الأعمار يأتون إلى حضنه لالتقاط الصور معه لتخليد هذه اللحظة التي ستحدد تاريخ التشيلي.
خلال هذه الأيام، يقوم ممثلون لمختلف الجماعات المنظمة للحراك بمبادرات عديدة بفضل وجود التمثال، إذ بدأوا في جمع اعتمادات مالية لعلاج المتظاهرين الذين أصيبوا في المظاهرات و المواجهات مع رجال الشرطة، فيما جزء آخر من الاعتمادات المالية سيخصصونه لشراء لوازم الإسعافات الأولية و استعمالها في إطار المظاهرات. و بالموازاة مع ذلك، تم اتخاذ سلسلة من المعايير و المقترحات لانقاد الكلاب المهجورة حيث سيكون “ماطاباكوس” مرجعا أساسيا لعملية تشجيع تبني الكلاب الزنجية الضالة التي نادرا ما يقبل على تبنيها الناس.
التعاطف والاعتراف بالهوية اللذان حققتهما صورة الكلب الزنجي “ماتاباكوس” ونصبه التذكاري لدى معظم المجتمع الشيلي تتعارض مع النخبة التي تعتبر رمزيته تهديدًا لها و للنظام. و لهذا السبب، تعرض النصب التذكاري للعديد من الهجمات لتدميره أو إتلافه كأيقونة للنضال الاجتماعي. لقد تعرض للضرب ، ورسمت عليه شعارات لليمين المتطرف. ثم، تم حرقه، ولكن بنية هيكل التمثال التي استحال تدميرها بواسطة الحرق، أخذها مئات الأشخاص لإعادة بناء التمثال و ذلك باستعمال الأزهار والأوراق. و لاحقا، أعيد بناؤه بدرع معدني. وبعد عدة أيام حاولت مجموعات منظمة تدعم النظام السياسي والاقتصادي الحالي تدميره عن طريق جر التمثال الذي تم ربطه بسيارة رباعية الدفع لمسافة طويلة.
و في كل مرة يتعرض فيها تمثال “ماطاباكوس” (قاتل رجال الشرطة) للهجوم ، يستيقظ مرة أخرى بدعم من الأشخاص الذين يتعاونون في إعادة بنائه. النخبة تعتبره تهديدًا لأنه يعد مرجعًا للتمكين و للاتحاد بين المواطنين، فيما يعتقد الناس أن هذه الأنواع من الأعمال العنيفة ضد النحت هي مجرد انعكاسات لما تفعله الطبقة السياسية الحاكمة مع أفراد المجتمع من خلال معاملتها لهم مثل الكلاب.
س: بعد المساهمة النضالية الكبيرة للكلب “ماطاباكوس” في المقاومة المدنية لفائدة الحركة الطلابية خلال عقد من الزمن، هل يمكن للكلاب الأخرى الموجودة بكثرة في شوارع المدن التشيلية أن تلعب نفس الدور الذي لعبه الكلب الزنجي؟
مارسيل صولا: كلاب الشوارع، بدلا من لعب دور نضالي، تتصرف بغريزة طبيعية من أجل البقاء الدائم. و كلما وقعت مواجهات بين المتظاهرين و قوات الشرطة، تنحاز إلى صف المتظاهرين الذين يكونون في حالة ضعف لأنهم غير مسلحين. و بالإضافة إلى الحب و الحماية التي تتلقاها الكلاب من المتظاهرين، يتحفز كل كلب منها على التوجه إلى الخط الأمامي للمواجهة مع رجال الشرطة مضحيا بحياته من أجل الإنسان المتظاهر. “ماطاباكوس” يعد مرجعا مميزا. فهناك الكثير من الكلاب التي ليس لديها نفس الدور و مع ذلك فإنها تنبح بصوت عالي كما لو أنها تنقل، بهذا الشكل، استياء الشعب التشيلي جراء سنوات من المعاملة السيئة.
س: من الصعب التحدث عن الكلاب المسيسة ، ألا تعتقد ذلك؟
مارسيل صولا: بالفعل، من الصعب تسييس تفكير الكلاب لأنها تتصرف خارج التفكير العقائدي بواسطة الغريزة الطبيعية. ومع ذلك، فقد أكد الطلاب الشباب في تشيلي مرارًا وتكرارًا أن الحيوانات الأليفة يجب أن تخضع لقانون يحميها مثل أي إنسان. و نحن ليس لدينا تشريع يضمن الملكية المسؤولة للحيوانات الأليفة و معاقبة كل من يعتدي عليها. و بغض النظر عن أن هذا الموضوع ليس سياسيا بحتا، فإنه يكتسي طابعا اجتماعيا، و لا بد من أن يصبح مطلبا للسياسيين بسبب الفراغ القانوني الذي يعكس الإهمال المستهدف لهذه القضية الحساسة داخل المجتمع. بالنسبة للحكومة التي ترتكز سياساتها على الرأسمالية الليبرالية، فإنها تهتم فقط بالنمو الاقتصادي الذي يخدم مصالح الأقلية الحاكمة و لا تفكر إطلاقا في الاهتمام بحقوق تلك الحيوانات الأليفة.
س: و الآن بعد أن بات واضحا أن الكلب “ماطاباكوس” بطل للمقاومة المدنية، هل، في نظرك، رمزيته تشكل تحديا للرمزيات النضالية الكبيرة مثل رمزية تشي غيفارا و بابلو نيرودا و فيكتور خارا و أليندي… ؟
مارسيل صولا: التشابه بين هذه المرجعيات و اليسار السياسي مع رمزية الكلب الزنجي “ماطاباكوس” يكمن في التحقق من صحتها و مدى شرعيتها الاجتماعية. هذا حيوان لا يستجيب لضوابط إيديولوجية و سياسية. و حاليا، فقدت الثقة في كل الزعماء الاجتماعيين و في الأحزاب السياسية التي غالبا ما تستفيد من أرباح و امتيازات تغدقها عليهم السلطة، فيما الكلاب تتصرف بنكران للذات و صدق و إخلاص. و هذه الصفات النبيلة بات من الصعب أن تجدها لدى الكثير من الأفراد. و فورا، ظاهرة “ماطاباكوس” بدأت تقدم لنا نوع من التحول في النموذج الذي سيترجم، عاجلا أو آجلا، إلى طرق جديدة للحكم يضمن تمثيلية و مشاركة أكثر للمواطنين. و هذا بالضبط ما يتم السعي إليه في التشيلي مع محاولة إعادة هندسة الدستور السياسي للجمهورية من خلال فكرة تأسيس جمعية تأسيسية متعددة القوميات تضمن وجود تكافؤ للفرص بين الجنسين في دستورها، و حضور ممثلين عن مختلف الأقليات مثل الشعوب الأصلية و التنوع الجنسي و المعوقين و ممثلي أقاليم البلد الذين يناشدون اللامركزية.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.