قانون تنظيمي لإعدام ترسيم الأمازيغية(1/3)
رغم أننا، في الحقيقة، تعبنا ومللنا من كثرة مناقشاتنا المتكررة لموضوع القانون التنظيمي لتفعيل ترسيم الأمازيغية لما يزيد عن ثماني سنوات، وذلك منذ يوليوز 2011 ، تاريخ الإقرار الاستفتائي للدستور الجديد الذي جاء فيه: «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة»، قبل أن تتسارع وتيرة هذه المناقشات، لنفس الموضوع، منذ أن أفرجت حكومة بنكيران في يونيو 2016، وعلى بعد أيام معدودة من نهاية ولايتها، على مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إلا أن هذه المناقشة ـ رغم كل ذلك ـ ستتواصل بلا شك، وحتى بعد المصادقة النهائية على هذا القانون، ما دام أنه لم ينصف الأمازيغية ليجعل منها هي أيضا لغة رسمية، حقا وعمليا، وليس فقط مبدئيا ورمزيا.
ونشير إلى أن مشروع هذا القانون التنظيمي، ورغم المصادقة عليه بصفة نهائية ـ مع تعديل يخص التنصيص على استعمال تيفيناغ لكتابة الأمازيغية، وتعديلين طفيفين اقتصرا على تغيير كلمتين بأخريين ـ من طرف البرلمان بمستوياته الثلاثة (من طرف الغرفة الأولى لمجلس النواب بتاريخ 10 يونيو 2019، ثم من طرف الغرفة الثانية لمجلس المستشارين بتاريخ 23 يوليوز 2019، وأخيرا من طرف الغرفة الأولى مرة أخرى في قراءة ثانية للمشروع يوم 26 يوليوز 2019)، إلا أنه لا زال لم يُعرض بعدُ على المحكمة الدستورية كمرحلة أخيرة، إعمالا للفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور. ولهذا سنتعامل مع هذا النص بوضعه القانوني الحالي، أي كمشروع قانون تنظيمي، ولو أننا مقتنعون أنه سوف لن يعرف تعديلات جوهرية لصالح الأمازيغية، حتى على فرض أن المحكمة الدستورية ستعيده إلى البرلمان بسبب مخالفته لمقتضيات الدستور.
ونذكّر أن هذه المناقشة ليست، وبالرغم أن الموضوع هو نفسه والعنوان هو تقريبا نفسه أيضا، تكرارا لمناقشة سابقة لمشروع القانون التنظيمي، نُشرت في شتنبر 2016، أي مباشرة بعد صدور هذا المشروع (انظر موضوع “مشروع القانون التنظيمي لمنع ترسيم الأمازيغية” ضمن كتاب “في الأمازيغية والنزعة الأمازيغوفوبية”). بل هي مناقشة تنصبّ على جوانب جديدة من هذا المشروع، أسئلةً وقضايا، أجوبةً وتحليلا كذلك.
فصل دستوري مخالف للدستور!
إذا كان مشروع هذا القانون التنظيمي مجحفا، كما سنرى، في حق الأمازيغية، ويَحُول، ما لم تدخل عليه تعديلات جوهرية، دون تفعيل ترسيمها الحقيقي، فذلك راجع أصلا إلى الأصل الذي ينطلق منه هذا المشروع، وهو الفصل الخامس من الدستور الذي يتضمّن أن الأمازيغية هي أيضا لغة رسمية للدولة. فالإجحاف في حق الأمازيغية يبدأ من هذا الفصل، الذي كان، في صيغته الأولى القانونية، منصفا لها قبل أن يُحرّف، في صيغته الثانية غير القانونية، بالشكل الذي حوّله من الإنصاف إلى الإجحاف. كيف ذلك؟
الفقرتان الأولى والثانية للنص الأصلي القانوني للفصل الخامس، الذي وضعته اللجنة القانونية المعيّنة لإعداد مشرع دستور 2011، كانتا مصاغتين على الشكل التالي:
1 ـ «العربية والأمازيغية هما اللغتان الرسميتان للدولة.
2 ـ «لكي تتمكن الأمازيغية من القيام مستقبلا بوظيفتها كلغة رسمية، يحدد فانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي لهذه اللغة، وكذا كيفيات إدماجها في التعليم وفي مجالات الحياة العمومية ذات الأولوية».
إلا أن جهات من خارج اللجنة، لا تكنّ ودّا للأمازيغية، وذات وزن سياسي لا يستهان به، عبّرت عن رفضها لترسيم الأمازيغية في الوثيقة الدستورية، وطالبت بإلغاء النص الذي يقرّ ذلك الترسيم. لكن لما أفهمها وأبلغها المستشار الملكي، الذي كان مكلّفا بتتبع عملية إعداد مشروع الدستور الجديد، أن الملك يلحّ على الترسيم الدستوري للأمازيغية، لم تجد تلك الجهات أمامها من وسيلة لإلغاء هذا الترسيم إلا إعادة صياغة الفصل الخامس بالشكل الذي يفيد أن العربية هي وحدها اللغة الرسمية للدولة، ولكنه يشير في نفس الوقت إلى اعتبار الأمازيغية لغة رسمية. وهكذا تدخّلت، ودون أن تملك الصفة للقيام بذلك، فحوّرت الفقرة الأولى الأصلية، التي تساوي بين العربية والأمازيغية بشكل كامل وواضح لا لبس فيه ولا تأويل، إلى ثلاث فقرات هي التي يتضمنها الدستور الحالي، والتي تقول:
«تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.
وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها.
تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء».
وأين المشكل في هذا التدخل والتحوير؟
المشكل، أولا، أن هذا التدخل غير قانوني، لأن هؤلاء المتدخلين لتغيير فصل أو أكثر من فصول مشروع الدستور، ليسوا أعضاء معيّنين قانونا في اللجنة المشكّلة قانونا، والتي وحدها كانت لها الصفة لإعداد وكتابة مواد مشروع الدستور. فتدخلهم غير قانوني، مما يجعل نتائجه ـ التحوير والتعديل ـ غير قانونية. ولهذا فإن هذا الفصل الخامس، هو، من هذه الناحية التي تخص المسطرة القانونية لإعداد وكتابة مشروع الدستور، هو مخالف للدستور نفسه.
والمشكل الثاني هو أن هؤلاء، المنتحلين لصفة أعضاء في لجنة إعداد مشروع الدستور، حرّفوا الفقرة الأولى الأصلية والقانونية من الفصل الخامس لهذا المشروع، وأعادوا صياغتها بشكل قصدوا به الإيحاء أن العربية هي وحدها اللغة الرسمية للدولة. ليس لأنهم أفردوا لها فقرة أولى خاصة بها وحدها، واستعملوا فعل “تظلّ” للدلالة على الدوام والاستمرار، وإنما لأنهم استعملوا عمدا عبارة “اللغة العربية” بالتعريف، وليس بالنكرة التي تفيد أنه توجد بجانب العربية لغة أو لغات أخرى رسمية.
لكن الفقرة الثالثة، الخاصة بالأمازيغية، ستبدّد كل هذه الاعتبارات وتحسم في أمر رسمية الأمازيغية عندما تقول: «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة». وإذا كان محرّفو ومحوّرو هذا الفصل الخامس، بدافع الإجحاف في حق الأمازيغية كما سبقت الإشارة، قد استعملوا أداة “أيضا”، التي تحيل على العربية، لإبراز أن ترسيم الأمازيغية ثانوي وتابع للترسيم الأصلي للعربية، وذلك بغية نفي المساواة الدستورية بين اللغتين على مستوى ترسيمهما، إلا أن هذه “التبعية”، المستخلصة من أداة “أيضا”، هي ما يؤكد هذه المساواة بين اللغتين بصفتهما رسميتين. كيف وأين تتجلّى هذه المساواة، التي بذل محرّفو هذا الفصل الخامس مجهودا كبيرا لنفيها؟
تتجلّى، بكل بساطة، في استعمال أداة “أيضا”، التي تحيل على العربية، وتعني أن ما يسري على هذه الأخيرة كلغة رسمية سيسري كذلك على الأمازيغية بصفتها لغة رسمية. نعم هناك حقا تبعية، إذ ترسيم الأمازيغية تابع ـ ومستمدّ من ـ لترسيم العربية. لكن هذه التبعية هي التي تجعل الأمازيغية متساوية مع العربية بالنظر، كما تتضمّن ذلك أداة “أيضا”، إلى أنها ستقوم، بصفتها لغة رسمية، بنفس الوظائف التي تقوم بها العربية كلغة رسمية.
لماذا هذا الاستطراد بخصوص هذا التلاعب الذي طال الفصل الخامس الأصلي من مشروع الدستور؟
لأن واضعي مشروع القانون التنظيمي حرروه في ضوء الفقرة الأولى (تظل العربية اللغة الرسمية للدولة) دون الأخذ بعين الاعتبار للفقرة الثالثة (تعد أيضا الأمازيغية لغة رسمية للدولة). ولهذا صاغوا مشروعهم، كما سنوضّح ذلك في ما يأتي، بشكل يتماشى مع ما أراده محوّرو الفصل الخامس من صياغتهم (لا نشك أن الذين تدخلوا خارج القانون لتحريف الفصل الخامس يشتركون مع محرري مشروع القانون التنظيمي في نفس الانتماء الإيديولوجي، وربما حتى الحزبي. هذا ما لم يكونوا هم نفس الأشخاص) لفقرته الأولى، التي قصدوا بها الإيحاء أن العربية هي وحدها اللغة الرسمية للدولة. ولهذا فإن هذا المشروع خال من أي تفعيل حقيقي لترسيم حقيقي للأمازيغية، كما سنبيّن ذلك. وهو ما يجعله مخالفا للدستور ومعطّلا لمقتضى الفقرة الثالثة، التي تنصّ بشكل واضح أن الأمازيغية لغة رسمية للدولة مثلها مثل العربية، كما تدل على ذلك أداة “أيضا”، كما سبق بيان ذلك.
هذه التوضيحات كانت إذن ضرورية لفهم تناقضات والتباسات وثغرات وأمازيغوفوبية ولا دستورية مشروع القانون التنظيمي الذي سنناقشه في ما يأتي.
قانون من أجل تفعيل الطابع غير الرسمي للأمازيغية:
لو كنت من الذين يعشقون نظرية المؤامرة ويعشقون توظيفها، لسارعت، وبدون تردّد، إلى تفسير ما فعله أعضاء في الحكومة ونواب في البرلمان المغربي يوم 21 ماي 2019 عندما رفضوا، داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، أن تدرج كتابة تيفيناغ الأمازيغية على الأوراق المالية والقطع النقدية، على أنه مؤامرة مدبّرة ومحبوكة من أجل تمرير مشروع القانون التنظيمي بكل عيوبه ونواقصه وخطورته على الأمازيغية وحتى على وحدة الهوية الوطنية، كما سأبيّن في ما بعد، ودون اعتراض عليه لمجرد إقراره حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية، وهو ما كان موضوع خلاف تسبّب في تأخير المواقفة على المشروع. لماذا استحضار نظرية المؤامرة؟
لأن هذا المشروع، بالنظر إلى مضمونه وأهدافه، لا يرمي إلى تفعيل ترسيم الأمازيغية، بل يرمي إلى إعدام هذا الترسيم، وذلك بتحديد، ليس مراحل تفعيل طابعها الرسمي، كما تقول الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، بل مراحل تفعيل طابعها غير الرسمي بهدف إبقائها، عمليا، على الحالة التي كانت عليها قبل دستور 2011، عندما كانت لغة غير رسمية دستوريا. وهو ما يعني أن هذا القانون يعطّل، كما قلت، أحد أحكام الدستور ويوقف العمل به. بل هو، من هذه الناحية، لا يخالف فقط أحد مقتضيات الدستور، بل يلغيها كأنها غير موجودة.
ولهذا فحتى عندما نبذل ـ كما فعلت أنا شخصيا ـ مجهودا مقصودا لنكون إيجابيين في قراءتنا لهذا الشروع، ونبحث عما هو إيجابي فيه حتى لا نتهم بأننا عدميون، إلا أننا لا نجد أمامنا في النهاية إلا العدم والإعدام بخصوص الترسيم الفعلي والحقيقي للأمازيغية، إذ تكشف لنا ديباجة المشروع (ما يسمّيه بالمذكّرة التقديمية) ومواده أن الغاية منه هو إعدام ترسيم الأمازيغية الذي جاء به دستور 2011، والاستعاضة عن ذلك بترسيم طابعها غير الرسمي، حتى لا تكون لغة رسمية كما أكدت على ذلك الفقرة الثالثة من الفصل الخامس المشار إليها.
مفهوم اللغة الرسمية:
وحتى لا يقال إن كلامنا هذا مجرد انطباعات مزاجية وأحكام ذاتية، وحتى نؤكد أن هذا القانون هو من أجل إعدام ترسيم الأمازيغية، وتفعيل طابعها غير الرسمي ـ وليس الرسمي ـ، فإن المنهجية العلمية، بخصوص هذه الحالة، تقتضي منا تعريف أولا مفهوم اللغة الرسمية، ثم قراءة نص المشروع لنرى هل ما يمنحه للأمازيغية يدخل حقا ضمن مفهوم اللغة الرسمية. فما هي اللغة الرسمية؟
اللغة الرسمية تعني، في خاصيتها الأساسية، اللغة الموحَّدة للدولة (“الموحّدة” لا علاقة لها باللغة الواحدة، وإنما تخص وحدة نفس اللغة، وهو ما لا يمنع وجود أكثر من لغة رسمية واحدة شريطة أن تكون كل منها موحّدة)، أي اللغة التي تشتغل بها، وبشكل موحّد، مؤسسات هذه الدولة. وما معنى أن تشتغل مؤسسات الدولة بهذه اللغة أو تلك؟ معناه أن الموظّفين والمسؤولين العموميين، الممثلين للدولة ولمؤسساتها، يستعملون هذه اللغة في قراءة وتحرير وإنتاج الوثائق الرسمية، وفي خطاباتهم وتصريحاتهم الشفوية ذات الصبغة العمومية، أي التي يتحدثون فيها باسم الدولة ومؤسساتها. وهو ما يعني أن هؤلاء الموظّفين والمسؤولين يتقنون قراءة وكتابة هذه اللغة، التي يقرأون ويحررون بها الوثائق الرسمية.
وهذا ما قصدته الفقرة الثالثة من الفصل الخامس عندما تقول: «تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة»، أي أنها لغة مؤسسات الدولة ووثائقها الرسمية وخطابات مسؤوليها المتحدثين باسم هذه الدولة. وهناك عنصر ثانٍ آخر تؤكد عليه هذه الفقرة، وهو الإحالة على العربية باستعمال أداة “أيضا”، حسب ما سبق شرحه. وهو ما يسمح لنا بأن نستخلص من هذه الفقرة الثالثة أن هاك شرطين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية: استعمالها لغة للدولة ومؤسساتها ووثائقها الرسمية، واستعمالها، ثانيا، بنفس الوظائف الرسمية التي تستعمل بها العربية بصفتها لغة رسمية للدولة.
أين استعمال أيضا الأمازيغية كلغة رسمية للدولة؟
وبالرجوع إلى مشروع القانون التنظيمي، وقراءة ديباجته ومواده الخمس والثلاثين، بحثا عما يفيد أن الأمازيغية ستكون يوما ما، هي أيضا، لغة مؤسسات الدولة ووثائقها الرسمية، وأنها ستستعمل لهذا الغرض كما تستعمل العربية، إعمالا لمدلول الأداة “أيضا”، فلا نعثر على شيء من ذلك إطلاقا. وسأبيّن ذلك بالمثالين التاليين:
ـ فبخصوص إدماج الأمازيغية في ما سماه المشروع مجال التقاضي، الذي خصّه بمادة واحدة هي الثلاثون، هل هناك ما يفيد، ولو بعد مدة طويلة من الإعداد والتأهيل، أن الأحكام والقرارات القضائية، والمذكرات الترافعية، وسجلات كتابة الضبط، ومحاضر الشرطية القضائية…، ستُكتب يوما بالأمازيغية أيضا، تطبيقا للفقرة الثالثة من الفصل الخامس من الدستور، كما تُكتب اليوم بالعربية؟
ـ ونفس الأسئلة تُطرح بخصوص استعمال الأمازيغية في إدارات الدولة ومرافقها (المواد 21 إلى 26): هل هناك ما يفيد، ولو بعد مدة طويلة من الإعداد والتأهيل، أن المواطنين سيكونون قادرين على تقديم طلباتهم وشكاياتهم إلى الإدارة محررة بالأمازيغية أيضا كما يفعلون اليوم بالعربية، وستجيب عنها هذه الإدارة بنفس اللغة الأمازيغية؟ هل ستبعث إليهم باستدعاءات بالأمازيغية قصد الحضور إلى مكاتبها لأمر يهمهم…؟
هكذا ـ لو أن مواد المشروع تفيد الإجابة عن هذه الأسئلة بنعم ـ ستُستعمل الأمازيغية كلغة رسمية أيضا، كما تُستعمل العربية بهذه الصفة وهذه الوظيفة، في مجال القضاء وفي الإدارات العمومية ـ في حالة الشكايات والطلبات كما أشرت ـ، حتى تكون هي أيضا لغة رسمية للدولة، كما يقضي بذلك الدستور. لكن مثل هذا الاستعمال الكتابي الرسمي الحقيقي للأمازيغية، المطابق لمضمون الفقرة الثالثة من الفصل الخامس من الدستور، مستبعد ومغيّب تماما من مشروع القانون التنظيمي. وهو ما يؤكد ما قلنا بأن هذا القانون صيغ بالشكل الذي يفّعل الطابع غير الرسمي للأمازيغية، ويعطّل تفعيل طابعها الرسمي، وبالتالي يعطّل حكما دستوريا.
قناعة مسبقة أن الأمازيغية لن تكون هي أيضا لغة رسمية:
مواد المشروع تؤكد إذن أن الذين حرروه، وكذلك الذين أقرّوه وصادقوا عليه في البرلمان، هم مقتنعون مسبقا أن الأمازيغية لا يمكن ـ ولا ينبغي ـ أن تكون هي أيضا لغة رسمية للدولة. وها هو الدليل على ذلك:
فهؤلاء، عندما كتبوا وقبلوا المادة 30 التي تقول: «تكفل الدولة للمتقاضين الناطقين بالأمازيغية، بناء على طلبهم، الحق في استعمال اللغة الأمازيغية في إجراءات التحقيق أو للترافع […] تؤمن الدولة لهذه الغاية خدمة الترجمة دون مصاريف بالنسبة للمتقاضين. يحق للمتقاضين، بطلب منهم، سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية…»، فهم مقتنعون مسبقا أن الأمازيغية لن تكون ولن تُستعمل هي أيضا لغة رسمية للدولة. ذلك لأن اللغة الرسمية لا تتوقف على تقديم طلب لاستعمالها تبعا لرغبة ومصلحة هذا المواطن أو ذاك، ولا تتطلّب ترجمانا ليفهمها موظفو الدولة. بل هي لغة اختارتها الدولة وفرضت استعمالها على الجميع، بما في ذلك من لا يحبها ولا يرغب في استعمالها، وهي تفترض، بالتعريف، أن موظفي الدولة يفهمونها ويستعملونها، ولا يحتاجون بالتالي إلى من يترجمها لهم حتى يفهموا ما يقول من يستعملها. فقمة العبث هو اللجوء إلى الترجمة حتى يفهم الموظف لغة تعتبر رسمية، في الوقت الذي تعرّف فيه اللغة الرسمية بأنها اللغة التي يستعملها ويشتغل بها موظفو الدولة. كل هذا يعني ويكشف بالواضح أن الذين كتبوا هذا المشروع ينطلقون من قناعة راسخة ومسبقة لديهم، وهي أن الأمازيغية ليست هي أيضا لغة رسمية، خلافا لما تنص عليه الفقرة الثالثة من الفصل الخامس من الدستور. بل الأدهى من ذلك أن اللجوء إلى الترجمة بالنسبة إلى الأمازيغية، لا ينفي فقط عن هذه اللغة الطابع الرسمي، بل يجعل منها لغة أجنبية، يُعطي القانون لمستعملها الأجنبي الحق في أن يستعين بمترجم حتى يتواصل مع الموظف الذي يستعمل اللغة الرسمية لبلده.
لماذا “التقاضي” وليس “القضاء”؟
(يُتبع)
بقلم: محمد بودهان
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.