في زمن كورونا البقال المغربي عنوان للتآزر والتضامن

في ظلّ هذا الاستنفار العام الذي تعرفه مختلف مصالح الدولة لمحاصرة انتشار هذا الوباء القاتل من خلال التركيز على العزل الجماعي للمغاربة داخل المنازل ترتّب عنه إغلاق المقاهي والمصبنات وصالونات الحلاقة وغيرها من موارد المعيش اليومي لاغلبية الفئات الشعبية التي تشتغل على الاقتصاد غير المهيكل والمتأثر مباشرة بحالة الطوارئ الصحية التى تعرفها البلاد..حيث سارعت

لجنة اليقظة الاقتصادية في اجتماعها ليوم الاثنين 23 مارس 2020 الى اتخاد جملة إجراءات لصرف 500 مليار سنتيم من صندوق الدعم في أدنى تقدير لدعم هذه الطبقة الفقيرة..

وقبل أن يتمّ ذلك.. وحيث أن أغلبية هذه الفئات الشعبية بالمرة لم تتسابق إلى المتاجر الكبرى لاقتناء حاجياتها من المواد الغدائية تحسباً لهذه الطوارئ نظرا لقصر يدها مادّيا فإن ملجأها اليومي بل المنقذ هو ( مول الحانوت د الدرب) أوالبقّال.. وباللغة الرسمية التاجر الصغير.. لكنه في العمق.. هو أكبر مما نتصور.. وأسمى من كل هذه الكليشيهات التى عادة ما تحمل نفس السخرية والإستهزاء..

إذ ونحن في ظلّ هذه الأزمة.. نجد أهمية الدور المحوري للبقال المغربي باعتباره عنصرا أساسيا من عناصر الحماية الاجتماعية في المغرب للعدد الكبير من المواطنين البسطاء الذين يمكنهم التعامل بـ”الكارني” بتوفير حاجياتهم من المؤونة الغذائية، دون أداء مقابلها في الحين؛

بل هو أكبر من مجرد بقال يبيع مواد غذائية لزبائنه/ جيرانه، بل “مؤسسة مالية قرضية دون فوائد ودون ضمانات”، وهو “الشخص الوحيد من خارج الأسرة الذي يساهم في توفير الغذاء والحاجيات المنزلية، وربما مبالغ مالية عندما تنفذ الأجرة الشهرية ويكون موعد تلقي الرواتب لا زال بعيدا”.. و”مول الحانوت” هو “الشخص الوحيد خارج أفراد الأسرة الذي يمكن أن يثق فيه أفراد العائلة حيث يدعون لديه مفاتيح المنزل و الأموال والوثائق الشخصية”.

” مول الحانوت ” اليوم – وكما كان دائما – يطبق بكل صدق وإيمان قوله تعالى ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة..) الآية 280..

إذ أن زبناءه لن يخرجوا عن هذه الفئات الهشة اليوم التي تمر بمرحلة جدّ عسرة جراء إيقاف مدخولها اليومي…لترتقي المعاملة التجارية بين الطرفين إلى سلوك تضامني إنساني تعكس قيَم التعاضد والتكافل بين أفراد المجتمع عبر خدمات القرب التي يقدمها للمعسرين..بواسطة ما يُسمى بالكَارْنِي”… دون أن يتوفر عن أي ضمانة لاسترداد قيمتها المالية…لأن الربح هنا لا يتوقّف على عنصر الثقة فحسب بل رفع العسرة على جار أو زبون بمثابة صدقة جارية.وخصوصا في الظرف الصعب الذي تمرّ به البلاد والعباد..

مما يجعل من دور التاجر الصغير اليوم لا يقّل أهمية عن هؤلاء الجنود المجنّدة من أطباء وممرضين والقوات العمومية والأمن من أجل القضاء على هذا الوباء..

هو التاجر الصغير كما في الأدبيات الرسمية ب81٪ من التجارة الداخلية بقدر ما ساهم في تعميق قيم التضامن والتعاضد بين أفراد المجتمع كعامل حاسم في الاستقرار الاجتماعي.. بقدر ما يتطلب اليوم الانتباه إلى هذا القطاع وتثمين دوره الاجتماعي الإنساني أكثر بكل ما يمكن أن يخفّف عنه هذا الرزمانة من الضرائب والجبايات من جهة..

وأيضا علينا جميعا أن نعيد النظر في كل التصورات القدحية اللصيقة ب(مول الحانوت) من نمادجها تلك النكتة الحامضة المرتبطة بأحد قيادي الحركة الإسلامية وهو يحاضر بإحدى دول الخليج…

التاجر الصغير اليوم..
عنوان للإيثار والتضحية والتضامن..

بقلم يوسف غريب


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading