في الذكرى 15 لوفاته: علي صدقي أزايكو، المفكر الذي جاء قبل زمانه*
عندما نتناول بالدراسة فنانا مبدعا، أو سياسيا محنكا، أو قائدا عسكريا، أو مفكرا صاحب نظريات ومذاهب مثلا، فغالبا ما نميل إلى البحث عن وصف تركيبي نلخص به أهم ما يميز تلك الشخصية من أعمال ومنجزات يختص وينفرد بها عن باقي من يشتركون معه في نفس الميادين الفنية أو السياسية أو العسكرية أو الفكرية، مثل وصف طه حسين بـ”قاهر الظلام”، والحسن الثاني بـ”مبدع المسيرة الخضراء”، أو بن بركة بشهيد الفكر الاشتراكي بالمغرب… إلخ.
وعندما نبحث عن هذه الصيغة التركيبية التي يمكن أن نطلقها على أزايكو كعنوان يلخص ما ينفرد به الرجل ويميزه، فقد نفضل مثلا استعمال صيغ من قبيل: “الشاعر الأمازيغي المبدع”، “المؤرخ المجدد”، “مؤسس الفكر الأمازيغي الحديث”، “المفكر المجهول”1، أو ـ وهذا ما يميز أكثر أزايكو ـ “المعتقل السياسي الأول بسبب الأمازيغية”… إلخ.
لكن بعد عودتي إلى قراءة مجموعة من المقالات والدراسات التي كتبها أزايكو ما بين 1968 و1981، استنتجت واقتنعت أن أصدق وصف يمكن أن يطلق عليه كعنوان يلخص ويجمع ما يميزه وينفرد به هو أنه “ذلك المفكر الذي جاء قبل زمانه”، وهو العنوان الذي اخترته لهذه المداخلة القصيرة.
لم يكن أزايكو سابقا عن زمانه بما أثاره من قضايا جديدة وطرحه من أسئلة غير مسبوقة فحسب ـ فهذه من مهام كل مفكر ـ بل أيضا لأن ما أثاره من قضايا جديدة وطرحه من أسئلة غير مسبوقة لم يثر اهتمام الباحثين والمهتمين بمثل تلك القضايا والموضوعات في ذلك الوقت، لأن طرحها الجديد من طرف أزايكو لم يكن يدخل بعدُ في إطار “المفكر فيه” المحدد لموضوعات المعرفة épistémè في تلك المرحلة. وبعد أزيد من ربع قرن على تطرق أزايكو لتلك القضايا والأسئلة، بدأنا ـ بدأنا فقط ـ نستوعب شيئا فشيئا قيمة وأهمية ما قاله وكتبه منذ أزيد من خمس وعشرين سنة كما قلت.
هذا التقدم عن العصر، يتجلى لدى أزايكو في فهمه المبكر، السابق عن المرحلة التي كتب فيها ذلك كما أشرت، لطبيعة وحقيقة إشكالية اللغة والثقافة والهوية بالمغرب. وبسبب هذا الفهم الجديد، الخارج عما هو معروف ورائج حول موضوع الثقافة والهوية واللغة بالمغرب في ذلك الوقت، سيتعرض للمحاكمة عقابا له على خروجه عن عصره بما جاء به من أفكار وحقائق جديدة وغير ومسبوقة.
هذه الحقائق الجديدة ـ الخاصة باللغة والثقافة والهوية بالمغرب كما قلت ـ استخلصها أزايكو من قراءته الجديدة كذلك لتاريخ المغرب، والسابقة هي كذلك عن تلك المرحلة. إذن هناك قراءة جديدة للتاريخ، أعطت فهما جديدا لمسألة الهوية والثقافة واللغة بالمغرب، وهو ما كان سببا لمحاكمته المشهورة.
وعليه، سأقسم هذا العرض إلى ثلاثة عناصر: من التاريخ إلى الثقافة والهوية، حقيقة وطبيعة المشكل الثقافي بالمغرب كما يراه أزيكو، محاكمة نبي. من التاريخ إلى الثقافة والهوية.
وأخيرا، إذا كان أزايكو، بفكره الأمازيغي الذي جاء قبل زمانه، وبمحاكمته بسبب هذا الفكر، يشبه الأنبياء كما أشرت، فلنشبه نحن الحواريين وأتباع الأنبياء، ونعمل على نشر هذا الفكر وترسيخه وتعميميه والدفاع عنه.
هامش:
*مقدمة من مقال /عرض طويل نشره ذ.بودهان في الحوار المتمدن-العدد: 2782 – 2009 / 9 / 27 – 16:55 وهو ا العرض شارك به في الندوة الدولية التي خصصتها جمعية الجامعة الصيفية في دورتها الثامنة أيام 28، 29، 30 غشت 2005)
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.