” هكذا يحلو أن أمارس كتابة الشعر حين يضيع مني بعضا من التوازن، حيث أجدني أتيه في ملكوت الله، باحثا عمن يستطيع أن يشاكسني في وحدتي، متحديا ازميل الحياة، ومن يدري، ربما الكتابة كانت وستبقى قرينتي في عالم لم تكتمل تفاصيله إلا حين أحاول عبثا اعادة ترتيبه عبر مقاسات أحاسيسنا التي ربما تدركنا لكن بالمقابل لا يمكن لنا أن ندركها إلا حين نعتمر في شعابها ودهاليزها، مشاغبين، أو ربما مستفزين فينا لغة عصية عساها تستطيع اعادة تركيبتنا التي كلما أدركنا بعضا من تفاصيها، تداهمنا البدائل التي غالبا ما تلبس بلاغة الايحاء والغوص، فتجعلنا في آخر المطاف نبحث من جديد عن ماهية الشعر وكيميائها التي تأبى إلا أن تجعل من الشعر كائنا حيا، يتجدد بسرعة تفوق سرعة الضوء..
هكذا يا وحدي، يتحول فينا المبدع إلى قوة لا يمكن تعريفها وادراكها فما ادراك جوهرها على حد قول جيرار جينيت.. ترى إلى أي حد يمكن إذن معانقة قول نزار قباني:
حقا بني أمي الإنسان حيوان شاعر…”…”
الشعر وحده يستطيع أن يشكل في الذات المبدعة كونا غرائبيا من خلال علاقاته الفاتنة بأكوان لا تحدها فلسفة الزمكان .. يقترب منها عبر مثالة الاستعارة، ويلامسها عبر الحاسة السادسة بغية إبداع كوني جديد، وماهية ماكرة زئبقية .. والشاعر هو ذلك الطفلالصغير / الكبير المشاغب، والخارج من قمقم الفوضى؛ يبحث له عن شذا أزهار برية طالعة من أزمنة المهلهل وابن قزمان .. هو ذلك العنيد الذي يأبى أن تخنقه شراسة حضارة لا تبقي ولا تذر .. ليحتمي بذاكرة تعودت الانتظار على ضوء القمر العربي الخجول.. الشعر مملكة بوح لا زالت جاثمة على صدر ملكوت الله؛ تبحث عن قارورة الأسرار القابعة في تجاويف النسيان.. الشعر بوصلة يهتدي بها العشاق؛ وبركان أسئلة وقلق يعرف حقا كيف يكسر أقفال لغاتها العصية؛ وكيف يبعث حبر القصيدة من جمجمة امرئ القيس..
صدقت حقا يا نزار، حين قلت علانية:
« الإنسان حيوان شاعر»..!
فكم قرأنا الحقيقة، ذات الحقيقة في أعماق عيون النجوم الشاهدة إلى حد الآن على ليالي ألف ليلة وليلة..! وكم اختبرنا نوايا سمار الليل على إيقاع نور الفجر الصامت / الناطق..! الشعر حقا قنبلة عنقودية تحملها إلينا عذراء تحركها نشوة تتحدى الفناء الرمزي.. الشعر أنشودة كونية يحمل إلينا بريد الكينونة الخرساء على صهوة أبجدية عصية.. كذب الفلاسفة حين حددوا العناصر الأربعة في: النار، التراب، الهواء، والماء، متناسين الشعر باعتباره عنصرا خامسا مكون لهذا العالم الغرائبي…”
الدكتور عبد السلام فزازي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.