فرانسوا هوبير أو  “هوبير النحل”

أزول بريس – لكدروري لحسن سيفاو //

ستظل سير وقصص العظماء ذوي الإرادة القوية والهمة العالية مصدر الهام للشعوب والأفراد…وحافزا لذوي الطموح  …وعبرا للدارسين ..وأيضا  مسحة ولمسة سلوان  لمن خانه الحظ  وعاكسته الظروف وجار عليه الزمن… ومددا له بالقوة  …لعدم الاستسلام  والمحاولة كرة وأخرى و بإصرار دءوب….

 موضوع هذه الورقة  هو نبذة  من  سيرة فرانسوا هوبير. … أو …”Huber des Abeilles ” : 

 “هوبير النحل”.اللقب الذي اشتهر به.تمييزا له .بين العلماء والمهتمين بالطبيعيات من معاصريه….كما عرف  بإصراره  وعزيمته …المذهلة …

. هذا العالم الذي فقد بصره وأصيب بالعمى ..وهو فتى  في العشرين من عمره..والذي. …لم تمنعه إعاقته وإصابته بالعمى .بل تحداها في  تحدي معجز وبإرادة فولاذية ..  واشتغل بأصناف متعددة من العلوم  ونبغ في  دراسة وملاحظة أحوال  النحل وهو أعمى !!! .. ..بل انه  سيحدث ثورة  في المعلومات التي كانت رائجة في زمنه حول التاريخ الطبيعي للنحل وأحواله .  و تصبح  أبحاثه ثورة في عصره ..  وطبعت ما بعده  ولتبقى سيرة هذا الرجل ومثابرته  وتحديه لظروفه القاهرة والشديدة الصعوبة   ملهمة  للكثيرين .. ومحل إعجاب كبير…ويكتب له الخلود في الأذهان… و لم تكن اكتشافات  هوبير ودراسته لأحوال  النحل غير مسبوقة فقط…بل ليس لها نظير…ولم يتم تجاوزها  او دحضها لمدة أكثر من قرنين..

 ولد  فرانسوا هوبير ….. “هوبير النحل ” في مدينة جنيف بسويسرا سنة وبدأت محنته …حين  أصيب  في سن الخامسة عشرة  بمرض  احدث له ضررا كبيرا  ونقصا حادا بالبصر …وبعد سنوات من البحث عن العلاج….عجز الأطباء عن مداواته ..و.انتهى به الحال إلى فقد كلي لحاسة البصر …والإصابة بالعمى التام ….ليصبح مستقبله كله في مهب الريح …وتوالت المصائب عليه .وتعددت الخيبات ..وعاش سنوات عجاف حتى اذا بلغ سن الزواج ..جاءته صدمة أخرى ….اذ رفض والد الفتاة التي اختارها أن تكون شريكة حياتها إتمام تلك الزيجة …ولكن إصرار الفتاة وتعلقها بهوبير أدى إلى الزواج بها سنة  1776.

( وطافت حكاية زواجهما وانتشرت في كل أوروبا …وصارت مبعث الهام لبعض الأدباء من معاصريه) ….كل ما مر به هوبير من أحداث ونوائب وكبوات  … صهرت شخصيته ومنحته طاقة تحمل خرافية ..جعلت منه شخصا لا يتذمر أبدا ولا يشتكي…ولا يستسلم لإعاقته …أو يجد اليأس إلى نفسه  سبيلا

وبدأ هوبير أبحاثه  العلمية ومن بينها دراسة أحول النحل في ضيعته بتشجيع من زوجته …

وليتمكن من التنقل  في ضيعته…دون مساعدة احد….. اتخذ هوبير  أسلاكا للاستدلال بها على الطريق  …كما اخترع آلة طباعة لطبع مراسلاته بنفسه …واهتم أيضا بأنواع أخرى من العلوم كالرياضيات…. وكان يقوم بعمليات الحساب عبر أرقام منحوتة…أو من ورق مقوى ….كما كان موسيقيا بارعا أيضا .

وتوصل إلى نتائج جعلته في مصاف كبار علماء عصره  .. وتم له ذلك بفضل زوجته ومساعدة بورننس  (Burnens) خادمه وملازمه وسكرتيره الوفي …الذي ظل في خدمته لمدة 15 سنة ..من 1780 الى 1795مساعدة مثمرة …حيث اظهر بورننس  دقة كبيرة في الملاحظة والتجربة قل نظيرهما …ليكون بذلك عيونا وأيادي عوضا  لهوبير .  ولتكون شراكة علمية نادرة وفريدة… و بعد 22 سنة  عن نشر  مؤلفه الأول… أصدر هوبير في سنة  1814 مؤلفه الشهير

 “ملاحظات جديدة حول النحل” والذي احدث ثورة في عالم النحل…الجزء الأول من مؤلفه  هذا  يضم … مجموعات رسائل كتبت ما بين 1789و 1791 موجهة لعالم الطبيعيات شارل بونيه..في .الرسالة الأولى يصف فيها هوبير نموذجا  لخلية صممها والتي تسمى الخلية الكتاب أو الورقية …..ليتمكن من مراقبة ما يجري بداخلها بسهولة ويسر دون الاضطرار لإيذاء  أو إزعاج النحل …أو كسر الخلية …وهذا مكنه من استنتاج حقائق عديدة…وتعتبر هذه الخلية هي  أصل الخلايا العصرية المستعملة اليوم في كل أنحاء العالم .. ويعتبر اكتشاف خصوبة ملكات  النحل مثالا على نباهة وفطنة هوبير…في سلسلة من الملاحظات  البسيطة لكنها كانت حاسمة وقاطعة  وأثبتت أن التلقيح قد يكون في الأجواء أثناء طيران التزاوج للملكة …ويصف أيضا  الملكات العذراوات …وإبادة ذكور النحل في أواخر فصل الصيف…

كما كان السباق إلى اتباث  أن الشمع ..تنتجه النحلة الشغالة  من غدد توجد تحت بطنها…

وكان الشائع عند الناس حتى ذلك الوقت ان الشمع كان مصدره من حبوب اللقاح الذي تجنيه وتجمعه النحلة..

.كما اثبت ان اليرقات تتغذى ..على حبوب اللقاح..مبرزا وشارحا الكيفية التي يغذي بها النحل يرقاته

 كما وصف ..الكيفية التي يبني بها النحل  الأقراص الشمعية ..والعيون السداسية في تناسق وتناسب هندسي مبهر ومبدع رائع …دونها في ملاحظاته المدهشة ….مدعومة برسوم توضيحية ذات جودة مبهرة….

 وفي الأخير اهتم هوبير  بطريقة تنفس النحل …وشارك أيضا  عالم النباتات  sénebier في سلسلة أبحاث حول تأثير الأوكسجين على إنبات البذور…كانت خلاصتها عبارة عن مذكرة تزيد عدد صفحاتها على 200 صفحة نشرت  سنة 1801 وبهذا صار هوبير يعرف كثيرا عن خصائص الهواء..

.التي طبقها على هذه الحشرة المباركة  التي أعجب بها   وتعلق بها  واستهوته  نظمها العجيبة وبهرته دقة هندستها…..متبثا أن النحل  يقوم بتجديد ..الهواء داخل الخلية مستدلا بتجارب قام بها ..حيث وضع شرائط …دقيقة وناعمة في أماكن مختلفة من الخلية …تعمل عمل مقياس شدة الرياح..وحركة الهواء ليخلص ..إلى أن النحل يقوم بعملية  بالتهوية

لتغيير الهواء الفاسد واستبداله بالهواء النقي ……

عاش  هوبير ولازال   محاطا بهالة من  التقدير  والإعجاب غير محدود… واسما لامعا بين العلماء الطبيعيين في عصر الأنوار ونجما ساطعا بين دارسي طبائع النحل وأحواله….

توفي”هوبير النحل”… بمدينة  لوزان السويسرية سنة 1831 ….لم  يرى ابدا  بعينه مواضيع أبحاثه …ومع ذلك ظل راضي النفس راضيا بقدره تمام الرضا في غير عجز أو تشكي أو تذمر أو استسلام   مع كل هذا فأكثر ما يميز  هوبير هو انه كان رقيق  المشاعر زكي الإحساس..محبا لكل الخلق …

ولعل سر قوة  هوبير هو حسه الإنساني  العالي الذي اختزلته إحدى  مقولاته و أجدها لعمقها وفيضها الإنساني  أفضل ما يختم به الكلام عن هذا العالم ..  يقول  هوبير :

“شيء واحد لم استطع تعلمه .. هو :  أن أبغض”


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading