“عين أسردن ببني ملال ، سحر الطبيعة يغزو عيون الزوار “

ازول بريس : رشيد حمري

وأنت مار بالقرب من العين تستهويك برودة الطقس وصمت الطبيعة، نقيق الضفادع لا ينتهي حتى في أوقات متأخرة من الليل، محدثا جرسا موسيقيا ممتعا، زقزقة العصافير، ورائحة الأشجار وصفاء الهواء وبعده عن ضجيج المدينة، في الطريق إليه تبصر فلاحا عاركته الأرض وعاركها، فلاح يمسك محراثه وابنه بجانبه يمسك فأسا ليعالج بها الأرض الصلبة، رجال ونساء وأطفال يمشون، يجرون للوصول إليه. من هو ذا يا ترى؟ وكيف له أن يتميز بكل ذي صفات؟؟؟.
هذه هي “عين أسردون”، المنتجع السياحي ذو الصيت العالي بمدينة بني ملال المغربية ، يقال أن ماءها حوالي 200 لتر مكعب في الثانية، فيها شلالان بارتفاع 2,5 متر تقريبا، وهي ذات أشجار عالية خضراء وجميلة.
يوجد تحت ظلالها مقاعد ثابته للجلوس، يأتيها الزوار من كل حدب وصوب، فيها ٍرائحة الأكسجين الطبيعي تكاد تخرج عن صمتها، ومع ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف تستقبل العين في كل عام حافلات من النصارى واليهود ومن المغاربة أيضا، سواء الجالية المقيمة بالخارج أم المحليين الراغبين في استكشاف المنتجع ومعرفة ما يحتويه من مراكز أثرية ينفرد به، والاستمتاع بجماله أخيرا.
إن نقاءها وطيب هوائها، وكثرة مائها وبعدها عن العالم المديني المزعج، لا يزيدها إلا رونقا وجمالا وإقبالا ورسوخا في الذاكرة لدى الزوار، وهو ما يخطف أذهانهم ويروح عنهم همومهم التي استعصى عليهم نسيانها.
تلك مزايا كثيرة للعين ، ولكن مشاكلها كثيرة أيضا ، فالمنتزه وبالرغم مما تجود به الطبيعة من خيرات وجمال طبيعي ساحر تبهر به العيون وتحير به القلوب، فإن الأغلبية الغالبة من الزوار لا يولون أية اهمية لطوبولوجيا المكان، فيرمون الأزبال وفتات طعامهم وما لا يصلح لهم في هذا الشأن، الأمر الذي يساعد على انتشار البعوض المسبب للحمى، وكذا الذباب الناقل للجراثيم.
هذا ! وبالإضافة الى أن الغالبية من الزوار لا يستقيمون في تأدية ما عليهم من مستحقات بعد استهلاكهم لإحدى المنتوجات أو الوجبات التي تباع في مكان من الأمكنة المخصصة لذلك، الأمر الذي صرحت به غير واحدة من النساء اللواتي يكدن ويكدحن بالمنتزه، وهن صاحبات مقاهي متواضعة شبه عشوائية تآكلت أبنيتها كتآكل تلك النسوة اللائي زجرهن الزمن وأرغمهن على تحمل تلك المعيشة الضنكة.{ بنادم ممزيانش…..}
وبشان المقاهي، فهي مبنية بالقصب وأعمدة الأشجار، ومفروشة على الطريقة التقليدية)زرابي…(، وصاحبتهن لا يملكن أية وثيقة قانونية تثبت ملكية أو كراء المكان المبني فوقه المقهى، الشيء الذي أكدته إحدى المالكات هناك، والتي تملك مقهى مدة 12سنة، كان ابنها متكفلا بأموره، قبل أن يتركه لها بعد أن أسعفه الحظ وغادر البلاد إلى الديار الأوربية)ايطاليا(.
كما تنتشر عربات البائعين المتجولين في أرجاء المكان وخارجه، محدثة نوعا من الازدحام داخل المنتجع والذي ينتج عن سوء تنظيمها.
وتجدر الإشارة كذلك الى بعض الشوائب التي جعلت الزوار يتراجعون بنوع أو باخر عن زيارة المنتجع، اضافة الى عامل النظافة، هناك بعض التجاوزات اللاأخلاقية التي يقوم بها بعض الشباب الطائش، حيث تحول المنتجع الى مسرح لممارسة الحب والغرام،{ بلا حشمة بلا حيا…} والتعاشق في الهواء الطلق وبين أحضان الطبيعة، في غياب شبه تام لعناصر الأمن، الشيء الذي يخلق نوعا من الاشمئزاز النفسي لدى البعض، خصوصا القادمين رفقة عائلاتهم وأولادهم، حيث تتحول الرغبة في الاستجمام والانقطاع عن العالم المديني المزعج، الى غضب مضمر وكراهية دفينة.
صرح أحد المسؤولين عن المنتزه الصيفي أن عين أسردون من المنتجعات الكبرى في المنطقة، وتحديدا جهة بني ملال خنيفرة، لذا وتبعا للمصدر نفسه فإن الجهة في شخص مسؤوليها يتوجب عليها المحافظة عليه، والعمل على تطويره وتنميته والتعريف به من أجل الزيادة من عدد الوافدين عليه.
حقا لقد كانت عين أسردون وماتزال من المناطق السياحية المستقبلة للسكان، فبرودة جوها تجعل مقهوري الحرارة لا يجدون ملاذا للاستراحة والاستجمام إلا فوق أرضها فالزوار لم ولن يقطعوا صلة ودهم بالعين المجوادة الرائعة التي لا يمكن أن تنمحي صورتها من الذاكرة بسهولة ما دامت العين توفر لهم ما يحتاجون إليه ، فبرغم التراجع الملحوظ الذي لا يمكن انكاره، إلا أن هناك من لا زالت وصال الحب بينه وبين الطبيعة الخلابة قائمة، فيزورها في فترات الصيف وأيام العطلة وعند الرغبة في كسر الروتين العملي الممل.
وهناك على أمتار قليلة من الشلال، هناك رجل كهل يبيع الماء، يملأ أنفورة طينية بالماء قبل أن يبدأ عمله في توزيعه وبيعه، وترى على ميمنته يوجد مصور بلغ منه الدهر مبلغا، على وجهه سمات الحزن بادية والأنين ، وكأن لسان حاله يريد أن يفصح عن شيء لطالما شكل عقدة في قرارة نفسه. مهمته تلبية رغبات الزوار الراغبين في الاحتفاظ بالذكريات مع شلال الماء أو منظر من المناظر الطبيعية الخلابة.
لم يبقى أمام المصور الذي قهرته التكنولوجيا الحديثة سوى الاشتكاء فمع تراجع مهمته ودخول مهنته مرحلة الاحتضار، رددا في حسرة قائلا “من نهار بان التليفون مول الكاميرا وحنا اللور اللور…” يعني بذلك أن تقدم التكنولوجيا أصبح يشكل منافسا قويا لمهنته كملتقط صور، حيث أصبح كل شخص يملك هاتفا ذكيا يجعله يستغني عن خدمات هذا الرجل الأمر الذي يؤذي الى التراجع في موارد رزقه وبالتالي انقراض مهنته.
وفي أحيان كثيرة يصادف المرء بعض الشباب المولعين بالموسيقى والرقص يحملون آلاتهم الموسيقية إلى عين المكان، فيعرضون معزوفاتهم التي حفظوها عن ظهر قلب في جو شبه عرسي، يطرب القلب ويريح النفس من قلقها ويدخلها في غمرة من الفرحة والسرور الذي سيرافقها لأيام.
هذا مع الإشارة إلى أن المكان لا يخلو من عمليات سرقة تنشط بعد أن تسحب الشمس شعاعها من المكان، فاسحة المجال أمام عتمة الليل، حيث تعتبر الأماكن البعيدة عن الضوء ملجأ للعديد من ذوي السوابق العدلية الذين يتربصون بالمارة واعتراض سبيلهم، تحت تهديدهم بالعنف اللفظي والجسدي، خصوصا صنف الإناث الذي يعد الصنف الأكثر استهدافا.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading