عبد الله الفرياضي: الإسرائيليون يعتزون بدور محمد الخامس في حماية اليهود من قانون فيشي

55
عبد الله الفرياضي ، الناشط الامازيغي ،واستاذ الفلسفة

عبد الله الفرياضي لنبض المجتمع بعد عودته من زيارة اسرائيل :

أكثر من 15 ألف سائح مغربي زاروا إسرائيل ما بين سنة 2012 وسنة 2015

في هذا الحوار الصريح والمثير بعد عودته من اسرائيل يسلط عبد الله الفرياضي الضوء على عدد من الحقائق غير معروفة لدى العديدين المغاربة تهم العلاقات المغربية الإسرائيلية ، والارتباط الوجداني  لليهود المغاربة، الذين يشكلون غالبية ساكنة اسرائيل، مع وطنهم الام واعتزازهم بملوك المغرب واستعدادهم الدائم للدفاع عن قضايا بلدهم الاصلي.

عبد الله الفرياضي ، الناشط الامازيغي ،واستاذ الفلسفة ، والمدير التنفيذي للمركز المغربي لسياسات التنمية، والوزير المنتدب لدى وزير الداخلية في حكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية والكاتب العام للمنظمة المغربية للصحراويين الوحدويين ، زار مؤخرا ضمن وفدي مغربي وأجرينا مع الحوار التالي .

يكثر النقد والتجريم كلما زار وفد يمثل أمازيغ المغرب إسرائيل ..كيف تفسرون هذا الأمر ؟؟

الجواب عن هذا السؤال مشروط، في نظري على الأقل، بضرورة التذكير ببعض الأرقام والإحصائيات التي بدونها لن نستطيع فهم واستيعاب الدواعي الحقيقية الكامنة وراء حملات الإستهداف الخبيثة التي يتعرض لها النشطاء الأمازيغ على وجه التخصيص كلما زاروا دولة إسرائيل (على اعتبار أنهم ليسوا الوحيدين من بين المغاربة الذين يزورون هذا البلد). حيث يمكننا أن نسجل مثلاً أن أكثر من 15 ألف سائح مغربي قد زاروا إسرائيل ما بين سنة 2012 وسنة 2015 (أي بمتوسط سنوي يفوق 3750 زائراً)، دون احتساب عدد المغاربة الذين زاروا هذا البلد سنة 2016. وبذلك يكون المغرب ثاني أهم سوق عربية للسياحة الإسرائيلية بعد الأردن، إذ أزاح مؤخرا مصر التي تراجعت بسبب ظروفها الإقتصادية إلى الرتبة الثالثة عربيا. أما على المستوى الإفريقي فقد جعلت هذه الأرقام – التي ينشرها دوريا المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي – جعلت المغرب محافظا على الرتبة الثالثة ضمن قائمة الأسواق الإفريقية المصدرة للسياح إلى إسرائيل بعد كل من جنوب أفريقيا ونيجيريا على التوالي. 
وتركيزي على إحصائيات هذه السنوات ليس اعتباطيا، بل القصد منه هو توضيح إنسيابية الدينامية السياحية بشكل تصاعدي من المغاربة نحو إسرائيل خلال الفترة الإنتدابية لأول حكومة يسيرها الإسلاميون في المغرب الذين يتخذون من شعار “مناهضة التطبيع مع إسرائيل” ورقة يستغلونها لكسب أصوات الناخبين عبر دغدغة عواطفهم. وهذه الإنسيابية لم تكن لتتحقق لولا توالي زيارات النشطاء الأمازيغ إلى إسرائيل وحرصهم على علنية تلك الزيارات وقوة خطابهم الحجاجي في إقناع المغاربة بأن العلاقات الدولية لا تتأسس على العواطف المتجاوزة، بل على قيمة وقوة المصالح المتبادلة بين الدول، بل أصبح المغاربة بفضل القوة الحجاجية لخطاب النشطاء الأمازيغ يدركون أن إسرائيل تعتبر في الواقع حليفا إستراتيجيا حقيقياً لبلدهم. وهنا لا بد من التذكير برقم آخر له دلالته العميقة في هذا السياق، يتعلق الأمر بكون عدد المغاربة الذين زاروا إسرائيل سنة 2009 لم يتجاوز عتبة 658 زائراً. وسنة 2009 هي السنة التي شهدت إحدى أقوى الزيارات الأولى للنشطاء الأمازيغ إلى إسرائيل وبالضبط يوم 23 نونبر 2009، بعدما مهد لها القيادي الأمازيغي أحمد الدغرني بزيارة سابقة قام بها في دجنبر من سنة 2007. من هنا يتبين أن استهداف النشطاء الأمازيغ حد تخوينهم والتحريض على الكراهية ضدهم إنما مرجعه إلى شعور التحالف القائم بين القوميين العروبيين والإسلامويين بالخطر الذي بدأ يتهدد مصداقية خطابهم الإنتخابوي لدى المغاربة.

ما الذي يميز الخطاب الأمازيغي إذن عن خطاب القوميين والإسلاميين؟ أو بالأحرى من أين استمد الخطاب الأمازيغي هذه القوة الحجاجية التي تحدثم عنها؟

خطاب الحركة الأمازيغية ليس في الواقع خطابا موحدا، لكنه في الغالب الأعم يتميز بانبنائه على مبدأ الإستقلالية وعدم التبعية لمراجع أجنبية، بخلاف الخطاب القومي العروبي أو الخطاب الإسلاموي. فالمغاربة قد لاحظوا بقوة أن القوميين لا يعتبرون المغرب في عمق خطابهم وطنا لهم، بل الوطن الحقيقي بالنسبة لهم يتجاوز الحدود القطرية للمملكة المغربية نحو بلاد الرافدين، إن وطنهم المأمول يعبرون عنه بعبارتهم الشهيرة (من الخليج إلى المحيط) وبهذا يكون ولاءهم الحقيقي لوطن آخر مفترض وليس للمغرب كوطن قائم له حدود وثوابت، وهو ما كان يلمسه المغاربة إذاك من تبعيتهم لبعض القيادات السياسية المشرقية من قبيل (جمال عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد وجورج حبش وميشيل عفلق). وبعد انهيار المشروع القومي العروبي، نجد اليوم نفس الشيء ينطبق على الإسلامويين الذين يدينون بالولاء لوطن آخر يتجاوز الوطن المغربي نحو وطن يعبرون عنه بعبارتهم الشهيرة (من طنجة إلى جاكارطا)، حيث لاحظ المغاربة كيف أن الإسلامويين المغاربة يدينون بالولاء لقيادات سياسية شرقية كسيد قطب ولحسن البنا المصريين سابقاً ثم لمحمد مرسي لاحقا (الإخوان المسلمون). ثم لأبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية سابقا في باكستان (القيادات الإسلاموية المغربية عادة ما تشارك في اللقاءات التنسيقية للتنظيمات الإسلاموية العالمية بمدينة لاهور الباكستانية مهد الجماعة الإسلامية). كما نلاحظ اليوم وبقوة أن الرمز السياسي للإسلامويين المغاربة هو الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لاعتقادهم أنه سيعيد بناء دولة الخلافة الإسلامية على خطى أسلافه العثمانيين. أما النشطاء الأمازيغ فقد كانوا واضحين منذ البداية في اختيار النزعة الوطنية المغربية (Patriotisme Marocain) عوض النزعة القومية ( Nationalisme Arabe/Islamique) التي يتبناها التياران السابقان. وهذا الأمر إن كان يشكل مصدر قوة للتيار الأمازيغي بالمغرب فإنه بالمقابل قد شكل مصدر قلق للعروبيين والإسلاميين على حد سواء بفعل النزعة الوطنية القوية للمغاربة.

زرتم مؤخرا اسرائيل رفقة عدد من الفعاليات الأمازيغية، وقيل الكثير حول الزيارة ..في أي اطار تندرح هذه الزيارة وما هي أهميتها ونتائجها؟

زيارتنا لإسرائيل أتت في إطار سياقين أساسيين. يتعلق أولهما بالمشاركة في فعاليات أيام دراسية حول الهولوكوست من تنظيم وزارة الخارجية الإسرائيلية ومعهد ياد فاشيم من أجل الوقوف على حجم المأساة التي تعرض لها اليهود عبر العالم جراء الممارسات النازية بما في ذلك اليهود المغاربة. وهي فرصة اغتنمناها لتبيان الدور الطلائعي الذي لعبه المغفور له محمد الخامس في حماية مواطنيه اليهود من قانون نظام فيشي الفرنسي الاستعماري المتواطئ مع هتلر. ثم الوقوف على أهمية التوظيف الإسرائيلي لهذا الحدث التاريخي المأساوي في البرامج التعليمية كنموذج مثالي يمكن الاقتداء به في تعميق الروح الوطنية لدى الناشئة، لارتكازه على الوظيفة الإدماجية للإيديولوجيا كما نظر لها الفيلسوف بول ريكور أو ما اصطلح عليه الفيلسوف المغربي عبد الله العروي بالأدلوجة الدولوية.
أما بالنسبة للسياق الثاني، فهذه الزيارة محكومة بهاجس وطني آخر بالإضافة إلى الهاجس الأكاديمي. حيث برمجنا على هامش الأيام الدراسية لقاءات مع هيئات وفعاليات مدنية وسياسية يهودية من أصول مغربية قصد التداول بشأن واقع ومستقبل ارتباطها ببلدها الأم مع ما يتيحه ذلك من إمكانيات للتنسيق بشأن الترافع الإيجابي بخصوص القضايا الاستراتيجية للمغرب، لاسيما قضية الصحراء المغربية. إضافة إلى لقاءات أخرى مع مسؤولين سياسيين ودبلوماسيين إسرائيليين آخرين. 

من المعلوم أن عددا هاما من المغاربة يقومون بزيارات لإسرائيل وضمنهم نشطاء أمازيغ لأغراض مختلفة. ما هو تقييمكم لهذه العلاقة؟ وكيف ينظر إليها من الخارج ومن إسرائيل بالضبط؟

موضوع العلاقات المغربية الإسرائيلية في نظري موضوع شائك وملفوف بالكثير من الغموض بسبب الحساسية المفرطة التي ألصقت به نتيجة التراكم الكمي والنوعي لممارسات الفاعلين السياسيين المغاربة، وهي ممارسات كتب لها في وقت من الأوقات ولأسباب ظرفية أن ترهن السياسة الخارجية للمغرب بأجندات خارجية/ شرقية فاشلة نؤدي ثمنها اليوم (أقصد هنا بالذات ارتهان القرار المغربي بقرارات جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي). 
لكن وبالرغم من أن العلاقات الرسمية بين البلدين على مستوى الظاهر تبدو مجمدة أو مقطوعة، فإن معطيات الواقع العملي تحيل على وضع مغاير. إذ أن الاتصالات السياسية ما تزال مستمرة بين السياسيين المغاربة ونظرائهم الإسرائيليين وهو ما أكده لنا (عوفير جندلمان) مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. بل تؤكده اللقاءات المعلنة التي عقدها المسؤولون المغاربة بالمسؤولين الإسرائيليين، وهنا يمكنني أن أذكر ببعض اللقاءات الرسمية على سبيل المثال لا الحصر كلقاء جلالة الملك محمد السادس برئيس حزب العمل الإسرائيلي السابق عمير بريتس يوم 17 فبراير 2006 كما سبق لجلالته أن استقبل أيضاً وزير الخارجية الإسرائيلي السابق سيلفان شالوم يوم 2 شتنبر 2003، فضلا عن اللقاءات التي تجمع بين الفينة والأخرى ديبلوماسيي البلدين كلقاء وزير الخارجية السابق محمد بنعيسى بوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني بباريس يوم 3 يوليوز 2007، وأخيراً مشاركة المستشار الملكي أندري أزولاي في مراسيم تشييع جثمان الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريس. أما على مستوى الحركية السياحية البينية فقد وضحنا سابقاً كيف وضحت متانة العلاقات الثنائية بين البلدين. هذا علاوة على ما تكشفه الإحصائيات المتعلقة بالمستوى المتقدم للتبادل التجاري بين المغرب وإسرائيل. حيث تشير آخر الأرقام التي أفرج عنها المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي إلى أن نسبة نمو المبادلات التجارية بين البلدين قد قاربت عتبة 145 في المائة خلال الفترة الممتدة ما بين يناير ودجنبر 2015، حيث بلغت قيمتها المالية خلال نفس الفترة ما يناهز 33 مليون دولار مقابل 13.2 مليون دولار المسجلة خلال سنة 2014. لكن رغم ذلك فالمسؤولون الإسرائيليون الذين التقينا بهم يطمحون إلى أن تتجاوز العلاقات المغربية الاسرائيلية هذا الوضع إلى وضع أكثر تقدماً.

من بين المواضيع التي أثيرت أثناء زيارتكم لإسرائيل قضية الصحراء المغربية. كيف تنظر إسرائيل للموضوع مقارنة بمواقف الفلسطينيين؟

الموقف الرسمي لدولة إسرائيل بشأن قضية الصحراء المغربية يعلمه القاصي والداني من خلال العديد من المؤشرات. حيث يمكن لأي متتبع عادي أن يكتشف الدور الكبير الذي تلعبه جماعات الضغط اليهودية (اللوبيات) الموالية لإسرائيل عبر العالم في الرد وبقوة على التكالب الجزائري على الوحدة الترابية للمغرب مؤخرا عبر تصريحات الأمين العام المنتهية ولايته للأمم المتحدة. وهي ذات اللوبيات التي أجبر أمريكا على سحب توصيتها لمجلس الأمن بتوسيع صلاحيات المينورسو بالصحراء المغربية وهَلُم مواقف مشرفة. وذلك في نفس الوقت الذي يحفل فيه التاريخ المعاصر بضلوع من نسميهم “إخوتنا” الفلسطينيين بالتواطؤ مع البوليساريو بدءا بجورج حبش ومسؤولي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مرورا بياسر عرفات وفضيحته في الجزائر سنة 1987 حين استدعى الزعيم الراحل للبوليساريو محمد عبد العزيز ليصف المغرب بالمحتل على منصة المجلس الوطني الفلسطيني، مروراً أيضا بطرد سفير فلسطين بالرباط سنة 2013 بعد ثبوت تورطه في دعم الانفصاليين بالصحراء. وصولاً إلى عدم انسحاب فلسطين من أشغال القمة العربية الإفريقية الرابعة المنعقدة مؤخرا بالعاصمة الغينية مالابو تضامنا مع المغرب بعد أن أصر الاتحاد الافريقي على مشاركة وفد جبهة البوليساريو الإنفصالية بوصفها دولة معترفا بها، رغم أن انسحاب المغرب عززته انسحابات تضامنية لثمانية دول عربية أخرى. وبالرغم من أن مواقف الدول يتم تصريفها عادة عبر القنوات الرسمية، ونحن لم نكن نمثل جهازا رسميا، فإن لقاءاتنا بالمسؤولين الإسرائيليين كشفت لنا أن إسرائيل تمثل فعلا حليفا استراتيجيا للمغرب بشأن قضية وحدته الترابية. فالمتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للإعلام العربي أكد لنا أن إسرائيل ليس لديها أي مشكلة مع المغرب ولن تكون، مؤكداً أنه من الأفضل للمغرب أن يتخلص من ارتهانه لإديولوجية أثبتت فشلها. أما رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والصحة والشغل بالبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) إيلي العلوف فقد قال بالحرف والكلمة (إذا تفضل الملك محمد السادس بزيارة إسرائيل فإن كل الإسرائيليين سيخرجون لاستقباله وتحيته) مضيفا أنه (لا يوجد رئيس دولة آخر سينال نفس الترحيب، نظراً لمكانة ملوك المغرب لدى اليهود بصفة عامة ولدى الإسرائيليين بصفة خاصة). وهذا الكلام نفسه تقريبا عبر لنا عنه ليور بن دور مدير شؤون مصر والدول المغاربية في وزارة الخارجية الإسرائيلية. أما على المستوى الموازي فقد كانت لنا أيضاً لقاءات مكثفة مع العديد من الهيئات والفعاليات الإسرائيلية ذات الأصل المغربي، خصوصاً قيادات حركة “تيكون/الإصلاح” وعلى رأسها رئيس الحركة الدكتور مئير بوزاكلو والدكتورة أورنا باعزيز. كما كانت لنا لقاءات مع فنانين إسرائيليين مؤثرين وعلى رأسهم الفنانة نطع القايم التي أبت إلا أن تبعث برسالة قوية من الإسرائيليين المغاربة حين غنت على شرفنا أغنية (العيون عينيا والساقية الحمراء ليا). والنتيجة التي خلصنا إليها تتجلى في أن الإسرائيليين ذوي الأصول المغربية مرتبطون أشد الارتباط ببلدهم الأم ومستعدون للدفاع عن قضاياه الاستراتيجية.

كيف تنظرون الى العلاقات المغربية الاسرائيلية في المستقبل مع التحولات الكبيرة التي عرفها المنطقة وكيف يجب ان تكون هذه العلاقات؟

أعتقد أن مستقبل العلاقات المغربية الاسرائيلية لن يكون إلا مستقبلا يطبعه التعاون المشترك، فالمغرب وإسرائيل باتا اليوم شبه مقتنعين بأن حالة الجمود والقطيعة لا تعطي أية نتائج إيجابية. إذ ما الذي تغير على مستوى القضية الفلسطينية منذ غلق مكتب الإتصال الإسرائيلي بالرباط ونظيره المغ بتل أفيف سنة 2000 إلى حدود الآن؟ بطبيعة الحال لا شيء إن لم نقل أن المغرب وفلسطين وإسرائيل قد خسروا جميعاً من حالة الجمود هاته. إننا في حاجة ماسة إلى استلهام مفهوم “العقلانية التواصلية” كما نظر له الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس بوصفها الآلية الكفيلة بوأد الهوة السحيقة التي يبدو أنها ستفصل بيننا إن لم نتداركها، على اعتبار أن الحوار والتواصل القائم على المساواة من دون ضغط أو إكراه يعد البداية الفعلية لجمعنة (sociabilité) المواقف المختلفة في أفق تحقيق تعاقد سياسي يحتكم إليه الجميع في أفق حلحلة الصراع القائم.

ما ردكم على المنتقدين لزيارتكم لإسرائيل المستندين على التضامن مع القضية الفلسطينية؟

الذين ينتقدوننا ممن امتهنوا مناهضة التطبيع مع إسرائيل كما تعودنا منهم،  اعتبروا زيارتنا معاكسة لما سموه أخلاق المغاربة، بدعوى أنها لن تقبل حسب زعمهم التحالف مع دولة تعيش حربا مع من سموهم (إخوانهم الفلسطينيين). هؤلاء يتحدثون أولا نيابة عن المغاربة أجمعين، ولست أدري من خولهم أن يفرضوا هذه الوصاية المقيتة على اختيارات الناس رغم أن الأرقام التي أشرت إليه سابقاً تبين زيف ادعاءاتهم. وإذا ما سلمنا معهم بهذا التصور المعيب لمفهوم الأخلاق، سنوافقهم الرأي أن ما ذهبنا إليه هو مبدأ شرير، لكنه سيكون كذلك إذا ما كان حكام الجزائر وحكام البلدان المعادية لوحدتنا الترابية أخيارا في تعاملهم مع المغرب وفق المنطق السياسي لميكيافيلي.

وما دمت، شخصياً، لا أتفق معهم أصلا حول تعريفهم لمفهوم الأخلاق، يكفيني أن أسائلهم هنا عن أي معنى لمفهوم الأخلاق يتحدثون؟ ففي نظري أن الأخلاق توجد أينما وجدت المصلحة والمنفعة. فالشيء الأخلاقي والحقيقي هو الشيء المفيد والنافع بتعبير الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس. والمنفعة هنا لا تتضمن تحقيق السعادة فحسب، بل تعني أيضا “تجنب الشقاء أو التخفيف منه” على نحو ما يؤكد الفيلسوف الانجليزي جون ستيوارت. وتبعا لذلك، أعتقد أن أي مغربي مسكون بالوطنية الصادقة لن يكون لديه لمفهوم الأخلاق أي معنى خارج المصلحة العليا لبلاده، وبالأخص فيما يخص قضية الصحراء. حيث ستصبح لديه جميع الوسائل مشروعة لنصرة مواقف وطنه بشأن النزاع المفتعل حول الصحراء، أو على الأقل تجنيب هذا الوطن أية خسائر إضافية.

بناء على ذلك، فإن مصلحة المغرب، من منظوري الشخصي دائما، تقتضي التحالف مع كل من يدعمه في الدفاع عن مصالحه وعلى رأسهم دولة إسرائيل. أما إذا كان المغاربة كلهم متفقين مع أصحاب الأطروحة المناهضة للتطبيع مع إسرائيل، فآنذاك يتوجب علينا أن نعيد النظر، لا في سياستنا الخارجية، وإنما في مفهوم الوطنية بالأساس. لماذا؟ لأن المسلمة النظرية التي ينطلق منها معارضو التطبيع، الإسلامويون منهم والقوميون العرب، لخصها زعيمهم رئيس ما يسمى “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع” أحمد ويحمان بمقولته الشهيرة التي أكد فيها أن “قضية الوحدة الترابية للمغرب تأتي في مرتبة ثانية وراء القضية الفلسطينية”.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading