أنا بنت الكرم، سليلة الأسر الباذخة في الحقول.. ممن تزاحم الأنبياء إلى طريق الحقيقة، شقيقة الروح، بهجة طعام الملوك وقائدة الشعراء نحو مُهَج العمق الإنساني..
نزيف جراح عناقيد العنب، مُنتجة النعم، من يثري الأماني الفقيرة في نفس من بلغوا سن اليأس، أنا من يرشد الفقراء إلى جواهر الكنوز المختبئة تحت وسائدهم العفنة، من توسع دائرة الأمكنة وتخدر أوصال أفعى الزمن في أقداح اللذة لخلود اللحظة.
حين أنسكب في الجسد، أجفف منابع حزن المهمشين والمهمشات، وخوف البحارة حتى يطمئنوا إلى عاهرات في ميناء عابر، منارة التائهين في حوادث اصطدامات الحياة..
أنا نشيد مملكة السكارى، بدر يضيء عتمات ليل الساهرين، مفتاح قفل الأحزان.
دوما أنجح في إيقاظ الحواسِّ من خدرها الكسول.. لفْت انتباه أعضاء الجسد لما تبقَّى فيه من خلايا حية، تأصيل الأصول والانفتاح على هويات غير متوحشة، ومصالحة الأنا بدون رَجْم نَرْجسيات الآخر.. أطفئ غضب المنسيين وأوقد نار الثورات والعصف الجميل لفضيلة الانتقام.
أنا جِمَاع التناقضات في درب الوجود: شراب الملوك والمتصوفة أحباب الله، زاد الرعاع والملاحدة الكفار، مشعلة الفتن في أرواح منفلتة، مزيلة لفتيلها.. بنشوتي يحتفي الفائزون بانتصاراتهم ويدفن المنهزمون خيباتهم..
أنا شعلة الفرح ومنْفضة الأحزان.. مانحة صبر الصيادين، زاد العاشقين حين تتعطل لغة الكلام.. المحرمة في جحيم الدنيا المبشر بها في النعيم، كشافة الحقائق وحاجبة للنسيان، سند الجواسيس إلى دروب قصية، فاتحة لعلب الأسرار، قفلها ومفتاحها في آن..
أنا ابنة الكرم! مكتشفة وحدة الجنس البشري، دليل الإنسان إلى نواته الأولى، بذرة جماله وصفائه الكوني.. سليلة الوهم، مُزيلة الغصة، خيط الصداقة، منعرج دقيق للنفس..
لي شفافية الورد وطعم أقراص الحكيم أبقراط، دمي يعيد للروح صفاءها، يوقظ الذكريات من خمولها، ويعيد الألفة للشفاه الذابلة.
التعليقات مغلقة.