عباس الشرقاوي :كتاب جديد للأستاذ عبد الله كيكر

ترجع فكرة هذا الكتاب، عن الأستاذ الكبير والمربي المقتدر والإداري الكفء والمثقف النير، إلى أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين لما كنت بصدد إعداد كتاب عن ثانوية يوسف بن تاشفين، والذي سميته : “ثانوية يوسف بن تاشفين خمسون سنة من العطاء” ضمنته عددا كبيرا من الإداريين الذين تعاقبوا على إدارة المؤسسة من مديرين ونظار وحراس عامين ومعيدين ومقتصدين وكتاب، وأيضا عددا من الأعوان، سواء منهم الذين عملوا في القسم الداخلي للثانوية أو الخارجي، كما ضمنته عددا من الأساتذة الذين عملوا فيها وقدرا كبيرا من تلامذتها، كنت أتصل بالأحياء منهم وآخذ منهم بعض المعلومات الشخصية، من أين جاءوا إلى الثانوية وأين انتقلوا لما غادروها ثم مسارهم المهني فيما بعد، ثم أطلب منهم صورهم الشخصية أو آخذها لهم، والأستاذ عباس الشرقاوي كان من الأساتذة الذين سبق لهم أن عملوا في الثانوية، ثم كان قريبا مني في أكادير واتصلت به.
كانت سمعة سي عباس الشرقاوي في أكادير، لما كان مديرا لثانوية الإدريسي التقنية، تخرق الآفاق، بسبب أسلوبه الإداري والتربوي الذي كان يتبعه في إدارة الثانوية وأيضا بسبب أنشطته الثقافية والاجتماعية على صعيد المدينة، وبسبب مواقفه الشجاعة في كثير من القضايا التي كان يحضر مناقشتها، سواء منها المهنية أو الإدارية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الفنية أو السياسية، وبأسلوب منطقي وعقلي، يقنع به الجميع، بفضل تكوينه الفلسفي، يضاف إلى هذا جسمه الفاره ولباسه الأنيق على الدوام، فأكسيه ذلك كله مهابة وتقديرا من طرف الجميع.
ذلك ما جعلني أتهيب اللقاء به ومجالسته، بحيث لم تكن تتعدى لقاءتنا تبادل السلام والتحيات، وتشاء الظروف أن أعين لسنة واحدة مديرا لثانوية الإدريسي التقنية التي كان عليها مديرا قبل أن يعين نائبا للوزارة في طانطان، ومن حسن حظي أنني لم أعين بعده مباشرة بل عينت بعد المدير الذي جاء بعده والذي كان ناظرا للثانوية في أيامه، وكان شخصا ضعيفا فاقدا للشخصية، وكان يتخبط خبط عشواء في أموره، ما جعل سي عباس يضيف مهامه إلى مهامه هو، فصار مديرا وناظرا في نفس الوقت، ولما انتقل عين الناظر مديرا فغرقت الثانوية في مشاكل لا حد لها، وكان أعوصها اصطدام المدير بالأساتذة وبالإداريين ما جعله يطلب التقاعد النسبي فأعطى له، فكانت هذه المشاكل هي التي هيأت لي الظروف لأحل محل سي عباس ولأجد بعض القبول من طاقم المؤسسة، وبالتالي العون والمساعدة للقيام بمهمتي، وإلا ما كان لي ذلك لو جئت إلى الثانوية مباشرة بعد سي عباس، لما كان لشخصيته من تأثير ونفوذ.
وأول مرة جالسته واستمعت إليه مباشرة كان لما زار مسكنه الذي احتفظ به في الثانوية، وهو مصحتها، إذ وجد عميد كلية العلوم، لما عين مديرا للثانوية، قد احتل مسكنه فاضطر للسكن فيها، وكنت يومئذ مديرا للثانوية، جالسته هناك مع أحد أقاربه الذي تجادب معه أطراف الحديث حول بعض المشاكل العائلية، فكان ذلك سببا في التخفيف عني من النظرة المهيبة التي كنت أنظر بها لسي عباس، إذ تلك المشاكل التي تحدث فيها مع قريبه قربتني منه أكثر، فزالت بعض المهابة التي كنت أشعر بها تجاهه.
مرض سي عباس وتشاء الصدف أن ألتقي به ذات يوم في تالبورجت بأكادير أتناء معاناته من مرضه وسلمت عليه، وتمنيت يومئذ لو لم ألتق به، لقد صار شخصا آخر، امحت عظمته ومهابته وشخصيته.
لم يمر إلا وقت يسير عن هذا اللقاء حتى قررت أن أزوره في منزله، لأخذ بعض المعلومات عنه وأخذ صورة له، كأحد الأساتذة الذين سبق لهم العمل في الثانوية، وذلك لما كنت أهيئ كتابي عنها، كما سبق الذكر، وهذا ما كتبته عنه في الكتاب بعد ذلك اللقاء، مع الصورة التي أخذتها له في حينه.
الأستاذ عباس الشرقاوي متقاعد

الأستاذ سي عباس

 

 

 

التحق سي عباس بمدرسة المعلمين في السنة الدراسية 62 / 63، ولما تخرج منها عين معلما بمدرسة الليمون وعمل بها سنتين، وفي سنة 1965 حصل على البكالوريا فالتحق بالمدرسة العليا للأساتذة فحصل على الإجازة في الفلسفة، وبعد تخرجه عين في ثانوية النهضة بسلا، ومنها جاء إلى ثانوية يوسف بن تاشفين أسـتـاذا للـفـلـسـفة سنة 1972، عمل بها
لمدة ثلاث سنوات، وفي سنة 1975 عين الأستاذ عباس الشرقاوي، ناظرا لثانوية عبد الله بن يـاسـيـن بـإنـزكـان، وفي نفس الوقـت كـلـفـه الـنـائـب عـبـد الوهاب بنجلون بالقسم التربوي بالنيابة، حيث كان يعمل في الصباح في النيابة، وفي المساء في الثانوية، وفي سنة 1978 عين مديرا لثانوية مولاي رشيد بتزنيت، ثم عين نائبا للوزارة في طاطا سنة 1980، ولم يعجبه الأمر فتخلى عنها ورجع إلى ثانوية مولاي رشيد، وبعد سنة عين مديرا لثانوية ابن سليمان الروداني، واتصل به السلمي عبد الله فأبدى له رغبته في أن يتولى هو إدارة الثانوية، وكان السلمي يعمل مديرا لإعدادية الحسن الأول، فقبل سي عباس التبادل ، إذ لم يكن عنده استعداد لتحمل مسؤولية لثانوية بداخليتها، لأنه كان يأ خذ الأمور بحزم، وعمل بإعدادية الحسن الأول بتارودانت إلى سنة 1986، حيث انتقل مديرا لثانوية الإدريسي التقنية، عمل بها إلى سنة 1994 فعين نائبا للوزارة في طانطان، ثم انتقل نائبا إلى نيابة بني ملال، وفي سنة 1998، أعفي من النيابة مع مجموعة كبيرة من النواب، في عهد حكومة التناوب، أيام مولاي اسماعيل العلوي، وبقي بدون عمل لمدة ثلاث سنوات، مع توصله براتبه الشهري، شأنه شأن كل زملائه الذين أعفوا من النيابات، وفي سنة 2001 عين مفتشا عاما في الأكاديمية الجهوية لأكادير، وبقي في هذا المنصب إلى أن تقاعد سنة 2006.
الأستاذ عباس الشرقاوي، كان من الأساتذة الكبار، على صعيد الجنوب كله، ما من نشاط ثقافي نظم إلا وأستدعي له، ليؤطره أو يشارك فيه أو يحاضر، لقد أعطى الكثير للتعليم وللثقافة بسوس، وكان سيعطي أكثر بعد تقاعده لولا المرض الذي ألم به وأبعده عن الثقافة وميدان العلم، نرجوا أن يجمع ما كتبه من مقالات وما ألقى من محاضرات وما ألف، ويطبع لتعم فائدته.
هذا ما كتبته في كتاب “ثانوية يوسف بن تاشفين خمسون سنة من العطاء”
إذن ففكرة الكتاب انطلقت من هذا اللقاء، وخاصة لما علمت أن كل ما كتب بل وكل مكتبته، والتي كانت تشتمل على مئات من الكتب، قد ضاعت في ظروف غامضة، وكانت الفكرة تراودني على الدوام ، وازدادت رغبتي أكثر لما كنت أهيئ كتابا عن الأستاذ بوزيد أحمد، مؤرخ تارودانت، ووجدت من بين رسائله رسائل سي عباس إليه، فأعجبت بأسلوبها وبأفكارها، وسيصيب الكمون هذه الفكرة إلى اللقاء الذي تم في “زاوية تاوسنا” عند الدكتور خالد العيوض بمناسبة تكريمي أنا وبنيدير جامع في ماي 2024، وسيثار الحديث عن سي عباس بيني وبين بعض الأساتذة منهم الأستاذ كحمو الحسن والأستاذة بنشريق فاطمة، والأستاذ البيض محمد، وسأقترح الفكرة، فكرة جمع انتاجات سي عباس في كتاب، وتحمس الجميع لها، وتقرر أن نبدأ العمل من يومه، ولكن مع الأسف بدأته وأنهيته وحدي، وقد شجعني على ذلك تكفل، صديقه وزميله، النائب المحترم سي عبد الرزاق مويسات بطبعه على نفقته جزاه الله خسرا.
بحثت عن مقالات سي عباس ومحاضراته في الكتب والمجلات التي ظننت أنني سأجدها فيها فلم أجد إلا أربعة، اثنتين في “أعمال دورات الجامعة الصيفية” وثالثة في كتاب “ندوة تيزنيت وباديتها” ورابعة في كتاب “تارودانت حاضرة سوس” وهما من إصدار كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، ومقالين أرشدني إليهما الأستاذ ورزمان جامع مشكورا، أحدهما في مجلة المقاومة وجيش التحرير عدد 40، والثاني في مجلة علوم التربية العدد الأول. ثم أضفت إليها بعض رسائله إلى الأستاذ أحمد بوزيد ثم مداخلاته في البرنامج التلفزي الذي أداره والذي أعد بمناسبة يوم في ربوع بلادي.
ولما كنت بصدد البحث عن مقالاته ومحاضراته اتصلت بعدد كبر من تلامذته وزملائه وأصدقائه، ليمدوني بما لديهم منها أو يرشدوني إلى مظانها، ففوجئت بهم يتحدثون لي عن سي عباس الأستاذ والمربي والمثقف والإداري والإنساني وما تركه من آثار في نفوسهم وفي تكوينهم وتأثيره على شخصيتهم، تحدثوا عن ذلك أكثر مما تحدثوا عن أبحاثه ومقالاته، فوجدت أن توثيق هذه المميزات لسي عباس أهم بكثير من توثيق مقالاته وأبحاثه. فحاولت أن أفعل، قبل توثيق ما عثرت عليه من آثاره، مستعينا بشهاداتهم وآرائهم فيه، غير أن ما يقرأ بين سطور شهادات هؤلاء الزملاء والتلاميذ والأصدقاء والأهل ، من المميزات أكثر بكثير مما استخرجته منها، لهذا حرصت أن أكتبها كما سمعتها منهم.
ويبقى الأمر في الأول وفي الأخير، في هذه المحاولة نحو سي عباس، اجتهاد شخص معجب بسي عباس، وسي عباس يستحق أكثر، أرجوا أن يأتي من يوفيه حقه ويجعله في المرتبة التي يستحقها من بين شخصيات سوس العظماء، وخاصة منهم المثقفين.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading