ظاهرة كرونا : فرصة لإعادة ترتيب البيت الداخلي
بقلم ذ.الفنان عمر أيت سعيد//
كم كان انبهارنا كثيرا حينما درسنا رواياتAlbert camus أيام الجامعة في الغرفة رقم 03 حينما اعتبر السجن ملاذا وملجأ خصبا يكثر من خصوبة خياله ويجعل من كتاباته أكثر حرية وبعيدا عن الواقع وأكثر التصاقا بالحلم ، كم كانت دهشتنا حينما كان هذا الكاتب ثائرا متمردا على قوانين الرواية الكلاسيكية و الواقعية فاعتبر السحن حرية والواقع قيودا. هذا الواقع الذي طالما اعتبره الكتاب بالخصوص واقع مليء بالقيود، تلك القيود الناشئة عن التربية وأنماطها فشخصية الأنسان كيفما كان تبقى لصيقة بالثقافة والمجتمع الذي أنتجها فهي مرأة لذلك المجتمع. فالتربية أنواع والواقع ثقافات مثقلة أحيانا بتقاليد تشكل أذيالا يجرها الإنسان معه، تشكل ماضيه وحاضره وربما مستقبله في الكثير من الأحيان، فإن لم يتسلح الإنسان بالعلم والثقافة هزمته التقاليد والعادات واثقله الماضي عوض التشبث باللحظة ومحاولة عيشها كي لا تختلط بالمستقبل ولا تموت مع الماضي فكما يقول ميلود فرعون ‘” هناك أفراح ومسرات وجب أحيانا الاستمتاع بها في الخفاء بعيدا عن الأضواء”.
كل هذه الكلمات نسوقها لكم لكي نربطها بواقع ”كرونا ” هذا المكروب الذي حول العالم الى سجون ،فسجن الإنسان في منازله كي يعيش بين الجذران ، كرونا لا تميز بين وزير وراعي وفقير ، هي لوحدها كشفت الغطاء عن الواقع الصحي للدول سواء أكانت عظمى أو سائرة في طريق النمو .
كرونا في هذه الأيام أدخلت الآباء أو الأزواج الى بيوتهم استجابة منهم لنداء القوانين والحكومات، فحصلت المفاجئة أن الآباء و الازواج لم يعتادوا المكوث لمدة أطول داخل البيوت فمنهم من ارتفت نسبة السكر في دمه ومنهم ارتفع الضغط في شرايينه ومنهم من تقبل الأمر وانصاع للأوامر والتوجيهات التي تبتها القنوات التلفزية التي تبث الساعات الطوال من الأخبار العجاف …
في الحقيقة نعزم وهذا يظل رأيا شخصيا أن هذا الوضع هو فرصة لمحاولة الجلوس والإنصات للذات ، لمحاولة بنائها وترميم العبث الذي يطالها للانطلاق من جديد . هي فرصة لوضع مسافة بينك وبين العمل أو الوظيفة التي تأخد الكثير من حياتك، لكي تقوم بتقويم او تقييم للحصيلة إن كانت هناك حصيلة وتتمين المنجزات ان كانت هناك منجزات ، هذه فرصة للعودة الى الكتاب فرصة لقراءة مزيدا من الروايات ، لعيش مزيدا من اللحظات في الخفاء وبين الجذران .
فرصة للجلوس الى الابناء بل للاستماع لأنينهم ، هذه فرصة لإغلاق التلفاز وفتح الكتاب ، فرصة لزيارة مطبخ البيت ومحاولة إعداد وجبة أو أكثر بل هي فرصة لسماع أغنيات الزمن الجميل أو متابعة فيلم جميل، هذه فرصة للاتصال بالعائلة ، للاتصال بصديق قديم .
وفي الختام لا شك أن هذه الظاهرة التي تأطر العالم وتضعه تحت الضغط تشكل منعطفا جديدا في التاريخ سواء على مستوى علاقة الإنسان بالإنسان أو في علاقة الإنسان بالأرض نفسها ، نحن هنا لا نعبث أبدا أو نستهزأ من واقع هذه الظاهرة لكن نحاول التخفيف قدر المستطاع من تأثيرها النفسي على الأزواج بصفة خاصة وعلى العائلات بصفة عامة، فوعينا و نضجنا يمكن أن نبرهن عليه من خلال التزامنا بهذا الحجر الصحي المؤقت الذي لا غرو يسير في مصلحة الوطن والمواطنين ، نلزم بيوتنا ونعتني بأبنائنا ونحب الخير لغيرنا .
بقلم ذ الفنان عمر ايت سعيد.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.