فيلا فاخرة نواحي مراكش
حسب مجلة فوربيس التي تحصي أغنياء العالم فإن ثروة أغنى رجل في المغرب زادت ب 600 مليون دولار في عام واحد بين 2012 و2013 و انتقلت من 2.5 مليار دولار إلى 3.1 مليار دولار. وهذا رقم مهول في بلد مثل المغرب. لتسليط الضوء عن الموضوع سألت أستاذا جامعيا في الاقتصاد: كيف أجد إحصاء عن الدخل وتوزيع الثروة في المغرب؟
أجاب “هذا الجواب غير موجود. لا توجد إحصاءات للأملاك والمداخيل”. كل عام تعلن المنظمات الدولية نسبة الفقراء في المجتمعات، نادرا ما تعلن نسبة الغنى. ومع وجود أغنياء مغاربة يلصقون حذوة حصان فضية بمقدمة سيارات مرسديس آخر موديل لدرء عين الحسود، فإنه يصعب التصريح بالممتلكات. لذا فإن المنهج الاستنباطي غير مفيد هنا، ولابد من النزول للميدان بالمنهج الاستقرائي في ثلاث فضاءات رئيسية: أحياء كيليز والنخيل في مراكش. حي الرياض وطريق زعير في الرباط وطبعا حيي أنفا وعين الذياب في الدار البيضاء. قريبا من المنطقة السياحية وبعيدا عن المصانع والعشوائيات… قضيت النهار في عين الذياب. وقد كان هناك نهر صغير من القاذوروات يصب في البحر وأمام مقهى وليس في مكان خفي. على بعد أمتار خلف فندق فال أنفا… هنا شوارع عرضها عرض ملاعب كرة القدم. صفوف فيلات ممتدة، صمت، فيالق سيارات فاخرة، ظلال وورود، خضرة تشبع العين. أشجار عملاقة عريقة مثل أصحابها. أسوار مزركشة بالحجر أعلى من غيرها تعكس نفوذ المقيمين، لديهم ما يخفونه… وفجأة يدوي نباح كلب يزن قنطارا يجعل القلب يرتجف… صوت الحارس على قدر الكتلة التي صدر عنها… بين حين وآخر صالات رياضية وعيادات تجميل وبقال في جراج فيلا يبيع علب سجائر بمئة دولار وقناني ويسكي معشقة… ولديه صبي يوصل الطلبات. فالأغنياء يقضون جل حاجاتهم بمكالمة هاتفية لذا لديهم وقت الفراغ. يعيشون في فضاءات واسعة لذا فهم متباعدين حتى داخل الفيلا الواحدة. من لا يملك الخلوة ووقت الفراغ ليس غنيا.
للتلصص على المشهد من الداخل حاورت حراس فيلات وخدما. التقيت سباكا خرج من فيلا، قال إن المقيمين هنا طيبون يحسنون إليه، يمنحونه ملابس وأشياء أخرى، يجلبونه للعمل بسياراتهم في الحالات المستعجلة. سباك سعيد ينظر للأغنياء بلا حقد. حاولت بجهد استدراجه ليحكي أسرار مطابخ الأغنياء فكشف أنهم يستخدمون سخانات ماء كبيرة تكفي فندقا.
بدا لي فلاحا فسألته عن نساء الأغنياء، هنا تحرك حسه النقدي، لا يشاهدن المسلسلات التركية رغم أرقهن. تستفزه بنات الأغنياء، مسترجلات ويظهرن أكبر من سنهن الحقيقي ولا يخجلن بدليل أنهن يصرحن بممتلكاتهن على مستوى الصدر والفخذين. لم يؤدبهن الفقر ويعاملنه باستعلاء حين يجدنه في المطبخ… أضاف السباك انه أحيانا يقع خلاف حول موقع آلة الغسيل، تريدها المرأة في موقع جيد، بينما يريد الرجل إبعادها…
وماذا عن أولاد الأغنياء؟
لا مشكلة للسباك مع الذكور لأنهم ذكور. لكن يقول إنهم محظوظون.
صح.
يولدون في بيئة عالمة بشؤون الاقتصاد، يعيشون بخدود ممتلئة ويتعلمون كل شيء: اللغات والباليه والإتيكت… يرثون التراكم في الأملاك والكتب. يعيشون محميين من الجوع. لديهم فرص وخيارات عديدة في حياتهم بينما للفقراء فرصة واحدة في العمر. وعادة يضيع الفقراء مصالحهم بسبب عواطفهم المندفعة، نادرا ما يرتكب الأغنياء هذا الخطأ لأن تدبير المال والاحتفاظ به وتنميته لوقت طويل برد عواطفهم وصقل عقلهم المحاسباتي.
هكذا قدم السباك استقراء داخليا لعالم الفيلات. وهو فضاء مغري، لكنه قاسي في انتقائه لسكانه. فالبقاء للأغنى. ووحدهم المتفوقون في هذا الانتقاء يصلون للسكن في فيلات يزيد ثمنها عن مليون دولار. هنا حيث كلمة السر هي “رقم المعاملات”. يقول المثل الشعبي “المال ينادي المال”. لذا يربح أصحاب الرأسمال. يستثمرون ويشترون عقارات يضعونها على الرف إلى أن يرتفع ثمنها. في تصورهم المؤسس على قانون السوق البورصة هي مقياس الحقيقة.
طبعا يزعم الأغنياء أن المال لا يجلب السعادة، لكنهم لا يتخلون عنه ويستمرون في دفع ضريبة شفوية لصد عين الحاسدين.
رجعت لأستاذ الاقتصاد: من هم أغنياء مغرب اليوم في نظرك؟
قال: ملاك أراضي فلاحية، ملاك عقارات في المدن، مستثمرون كبار في السياحة والصناعة… يشكلون طبقة، والطبقة بتعريف ماركس “هي جماعة من الناس تتماثل في علاقتها بوسائل الإنتاج. أي الطرق التي يكسبون بها رزقهم”.
يمكن تصنيف مكونات هذه الطبقة إلى أسر عريقة ومحدثي نعمة. في القسم الأول أسر أحفاد وزراء ومحافظين وضباط وسفراء سهلت وظائفهم تحسين وضعهم. من هؤلاء من حافظ على دخله فوعيه يطابق وضعه. ومنهم من تدهور دخله فبقي المجد في خياله لا في نمط عيشه. صار يعيش بوعي زائف ويعبر عن حنقه بمعجم سوقي ليوحي بأنه ثوري.
في القسم الثاني محدثي نعمة متعلمين وأنصاف متعلمين. يسهل على المتعلمين استدخال سلوكيات “الهاي كلاص” بسهولة، بينما في القسم الثاني، كلما بذلوا جهدا – بالشراء المبالغ فيه خاصة – انكشف أنه لا تربطهم صلة ولا بصلة بالطبقة التي يتشوقون للانتماء إليها… لكنهم هناك في الأحياء الغالية (الراقية؟) لأن المكانة الاجتماعية تبنى على الثروة لا على المعرفة والأخلاق.
كيف صنع هؤلاء ثروتهم؟
بالعلاقات الشخصية، بالحصول على الصفقات العمومية بمواقعهم في الإدارة، بامتيازات اقتصاد الريع. قلة قليلة منهم بنوا ثروتهم بعرق جبينهم. لذلك تبذل أغلبيتهم جهدا كبيرا ليشرعنوا ثرواتهم فلا تبدو لقيطة.
يفخرون بكفاءتهم، يصاهرون العائلات العريقة، يؤسسون جمعيات رياضية لأن الرياضة حبيبة الجماهير. ينضمون للأحزاب الموالية للسلطة. وحين يريد فرد من شارع الأغنياء الفوز في الانتخابات لا يترشح في شارعه لأن أشباهه لن يصوتوا عليه. لا يحتاجونه. لذلك يترشح في أكثر الأحياء فقرا، والأفضل في البوادي حيث يسهل عليه استعراض عضلاته في الكرم…
آخر تمرين علني لشرعنة الثروة جرى في رمضان الماضي حين عمد أرباب العقار، والعقار هو بترول المغرب، إلى تمويل وصلات إشهارية مكلفة لمطربين وممثلين كبار. أصحاب الإشهار وممولوه لا يعنيهم المال ولا بيع شقق 50 متر. تعنيهم الوجاهة الاجتماعية يريدون تصدر المشهد. يريدون أن يقرن اسمهم وصورهم بالشاب خالد “صديق جلالة الملك” والممثل الهندي شاه روخان، يريدون التبجح بأنهم يحبون السينما مثل محمد السادس كما كان نظراءهم في عهد الحسن الثاني يحبون الغولف. هذا صراع وجاهة وتدبير رأسمال رمزي لتسلق السلم الاجتماعي. صراع مكلف قد لا يبيض وجوه مموليه، وحين يعجزون عن شرعنة ثرائهم الفاحش يكتبون على مبانيهم وسياراتهم “هذا من فضل ربي”.
الشيطان الذي ساعدهم يعرف الحقيقة.
benaziz12@gmail.com
التعليقات مغلقة.