لحسن بوخنفر//
بدأت عملية هدم البنايات في سفوح جبال مدينة اكادير في بداية سنة 2012 وجندت الدولة المئات من القوات بكل أنواعها، ونزلت تلك القوات إلى أحياء سفوح جبال مدينة أكادير وقامت بتطويقها، وفتكت بالسكان ضربا وطردا من البيوت بالقوة، لتفسح الطريق للجرافات التي انهالت على أعمدة المنازل لترديها خرابا. والغريب في الأمر هو أن العملية تمت بدون الاستناد على محاضر المعاينة وبدون صدور أحكام قضائية بالهدم، وتمت العملية باعتماد مقاربة أمنية عنيفة جدا لم تحترم فيها الكرامة الإنسانية في ابسط صورها، وفي ظل اعتقالات مجانية واسعة في صفوف المتضررين.وبالتالي فعملية الهدم كانت عشوائية همجية وغير قانونية.
ولقد أسفرت عمليات الهدم في سفوح الجبال على هدم أكثر من 4000 بناية بمعنى زلزال غير طبيعي، لم يشهد له المغرب مثيلا على مر العصور، مما شكل كارثة إنسانية بكل المقاييس.فقد كانت الخسارة المالية التي تكبدها المتضررون فادحة مما ترتب عليها مشاكل نفسية وصحية لازال المتضررون يعانون من ويلاتها. لقد شردت العديد من الأسر وباتت تعيش في فقر مطلق.
وتشير الإحصائيات بهذا الشأن إلى أن %67 من المتضررين هم أناس لا يتوفرون على عمل قار وأن %21 بدون عمل كما شكلت نسبة الموظفين%5 و%7 هي نسبة المستخدمين. كما تشير الإحصائيات كذلك إلى أن%74 من المتضررين اقترضوا أموالا من البنوك عبر اخذ سلفيات أو قروض صغرى أو من أقربائهم. وكان السؤال الذي طرح نفسه بعد عملية الهدم هو من كان المسئول عما حدث؟
لقد أشارت جل أصابع الاتهام إلى المتضررين أنفسهم بدعوى عدم احترام القانون. فالإعلام المحلي والوطني، السلطات المحلية، الهيئات المنتخبة وعلى رأسهم عمدة المدينة. والمسئولون الحكوميون كلهم أجمعوا على أن من كان يتحمل المسؤولية هو المتضرر نفسه فتم إلباس الحق بالباطل ووصف المتضررون بأبشع الصفات من مجرمين وسماسرة ولوبيات عقارية.
مما لا يخفى عليكم أن ما وقع في سفوح جبال أكادير و ضواحيها كان نتيجة للسياسات السكنية الفاشلة التي سنتها الحكومات منذ عقود. فكيف يعقل ان تسلم الدولة البقع الأرضية للوبيات العقارية ب 100 درهم للمتر المربع الواحد وتبيعها للمواطن ب 8000 درهم للمتر الواحد. وكيف يمكن للأسرة المغربية المكونة من 6و7 أشخاص أن تعيش في شقة مساحتها 48 متر مربع.
فتعقيد المساطر القانونية للحصول على الوثائق العقارية، وغلاء أسعار البقع المجهزة والتلاعب في عمليات البيع، وضيق مساحات الشقق وغلاِؤها وعدم جودة البناء وتحكم اللوبيات العقارية في السياسات السكنية في البلاد، كل هذه الأسباب هي التي أدت إلى تفاقم البناء في سفوح الجبال و ضواحيها. فمسؤولية الدولة كانت واضحة في هذا المجال ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان نحمل المسئولية للضحايا لأنهم أضعف حلقة في المشكل.
اذن بعد عملية الهدم خرج الضحايا في مسيرات جابت كل شوارع مدينة اكادير، ونظمت الجمعية وقفات احتجاجية ومظاهرات سلمية أمام الولاية والبلدية ومؤسسة العمران و كذلك أمام الباشوية وكان لهذه المظاهرات والوقفات الدور الكبير في تغيير مواقف المسئولين، فاعترف الوالي السابق محمد بوسعيد بمسئولية الدولة فيما حدث وأطلق مبادرته المعروفة لتعويض الضحايا ، كما اعترف وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة السابق محمد بن عبد الله بمسئولية الدولة فيما حدث خلال اللقاء التواصلي الذي نظم في غرفة التجارة والصناعة والخدمات.
فالتزمت السلطات المحلية في شخص الوالي بتجهيز تجزئة لفائدة المتضررين بتكلفة بسيطة شرط الإدلاء بشكاية ضد بائع البقعة و إثبات الهدم وكذلك عدم تملك السكن، وفعلا انخرط الضحايا في هذه العملية وثم الإدلاء بالوثائق اللازمة، ووصل عدد الضحايا الذين يستجيبون للشروط اللازمة إلى 1384 متضرر.
بعدها أصدر الوالي الحالي زلو قرارا عامليا يوم 02 غشت 2012 يحدث بموجبه لجنة اقليمية لتتبع ملف الضحايا، هذه اللجنة يترأسها الوالي ويتكلف بسكرتاريتها المفتش الجهوي للسكنى والتعمير وتضم في عضويتها ممثلي السلطة المحلية ورئيس جماعة اكادير ومدير الوكالة الحضرية والمدير الجهوي للمكتب الوطني للكهرباء والماء والمندوبية السامية للمياه والغابات ومدير وكالة الحوض المائي ومدير الوكالة المستقلة المتعددة الخدمات لأكادير والمدير الجهوي لأملاك الدولة ومدير شركة العمران. هذه اللجنة كان مقررا أن تجتمع مرة كل أسبوع وأن تشتغل على انجاز مشروع تجزئة خاصة بالمتضررين، وأن مهمة هذه اللجنة تبسيط المساطر من أجل انجاز هذا الورش واستقبال طلبات المستفيدين والمصادقة على لوائح الاستفادة المتوصل بها من قبل المفتشية الجهوية للإسكان بعد تمييز من يستحق الاستفادة من عدمه وفق شروط ومعايير ستتفق عليها هذه اللجنة.
الا اننا فوجئنا بتوقف أشغال اللجنة الإقليمية والمحلية وعدم عقدها لاجتماعاتها الدورية منذ شهر ماي 2013 ، وعدم إخراج أي حل لحيز الوجود،مما يثبت أنه لا توجد نية جادة وصادقة لإنصاف الضحايا، وأمام تماطل عمالة أكادير اداوتنان عن الالتزام بقراراتها ( القرار العاملي 81 الذي أصدره الوالي السابق والقرار 90 الذي أصدره الوالي الحالي) واللذان تلتزم فيهما العمالة بانجاز تجزئة لفائدة المتضررين، بات الضحايا يعيشون التشرد والفقر المطلق.
هذا من جهة ومن جهة القضاء فقد ثم ايداع اكثر من 1800 شكاية ضد أصحاب الارض الذين باعوا أراضي للضحايا في سفوح جبال مدينة اكادير، ولقد مرت سنتان والشكايات لازلت قابعة في رفوف المحكمة الابتدائية باكادير ولم تحرك في شانها أية متابعة. تفاديا لأي اصطدام وتشبثا بالقانون ما زال الضحايا يراوحون المحاكم والإدارات المسئولة من اجل حمايتهم وحماية ممتلكاتهم وحقوقهم دون جدوى مما جعل الضحايا يعيشون مشاكل اجتماعية ونفسية لا حد لها.
ان المسؤولية الأخلاقية والسياسية تحتم على المسؤولين الالتزام بقراراتهم واخص بالذكر والي جهة سوس ماسة درعة الذي أصدر قراران 81 و 90 يلتزم فيهما بانجاز تجزئة لفائدة المتضررين، فالاسرع بإخراج هذا المشروع إلى حيز الوجود أصبح ضرورة ملحة لانقاد ما يمكن انقاده.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.