روبورطاج : الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى..

الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى
الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى

 

انجز موفد فرانس24 إلى مدينة لفيف، الزميل “طاهر هاني” هذا الروبورطاج نعيد نشره تعميما للفائدة : 

منذ بدء العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا الخميس الماضي، يتوافد آلاف الأوكرانيين والأجانب إلى معبر “ميديكا” الحدودي مع بولندا بهدف مغادرة البلاد. فيما تشير إحصائيات الأمم المتحدة أن 50 ألف مواطن اوكراني غادروا البلاد باتجاه الدول المجاورة، في حين نزح حوالي 100 ألف منذ ثلاثة أيام. فرانس24 التقت بأوكرانيين وأجانب لا زالوا ينتظرون أمام معبر “ميديكا” للدخول إلى بولندا وسط جو بارد ونقص للمواد الغائية والمياه. ريبوتاج

آلاف الأوكرانيين وغير الأوكرانيين تدفقوا منذ مساء الخميس إلى معبر “ميديكا” الحدودي مع بولندا في محاولة منهم لمغادرة البلاد بسبب التدخل العسكري الروسي والضربات العسكرية التي تطال العديد من المدن الأوكرانية.

جاؤوا من مدن عديدة، كالعاصمة كييف وخاركيف ولفيف وروستف، على متن سيارات خاصة أو حافلات وفي ذهنهم هدف واحد: العبور إلى بولندا المجاورة حيث تم تجهيز بعض المراكز لاستقبالهم وإيوائهم.

الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى
الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى

ويكفي أن ترى الازدحام غير العادي للسيارات الذي يبدأ من نهاية مدينة لفيف تقريبا (وهي آخر مدينة أوكرانية على الحدود مع بولندا، على مسافة 75 كيلومترا) إلى غاية نقطة المعبر والقوافل الإنسانية التي تسير في الظلام لتدرك بأن أزمة إنسانية حقيقية قادمة لا محالة في أوكرانيا.

غالبية الفارين هم من النساء والأطفال والمسنين لأن الجيش الأوكراني لا يسمح للرجال الذين تبلغ أعمارهم ما بين 18 إلى 60 عاما تقريبا بمغادرة البلاد، بل يحثونهم على رفع السلاح والمقاومة ضد “الغزو الروسي” كما يقول بعض الأوكرانيين.

المنظر أمام مبنى معبر “ميديكا” الحدودي محزن جدا. آلاف العائلات رفقة أطفالهن الصغار والطلبة والعاملين من جنسيات مختلفة ينتظرون منذ ثلاثة أبام على الأقل ويتساءلون هل ستسمح لهم بولندا بالدخول إلى أراضيها أم لا.

ويمكن أن يستمر الانتظار أياما بسبب التدفق الهائل والمفاجئ للاجئين. البعض يفترش الأرض على الرغم من البرد القارس والبعض الآخر ينام داخل سياراتهم أمام أعين عناصر الجيش الأوكراني الذين يحاولون تنظيم عملية العبور إلى بولندا.

الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى
الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى

والتقت فرانس24 بالشابة صوفيا، وهي أم أوكرانية فرت من العاصمة كييف برفقة ابنها الصغير بسبب القصف الروسي المستمر حسب قولها. وقالت: “غادرنا المدينة الأربعاء الماضي على متن حافلة. لكن قبل أن نصل إلى المعبر الحدودي بنحو 20 كيلومترا، نزلنا من الحافلة وواصلنا الرحلة مشيا على الأقدام لأن الازدحام المروري كان خانقا بسبب الكم الهائل من السيارات التي تسير يتجاه الحدود”.

وأضافت: “شاهدنا طائرات عسكرية روسية وهي تقصف مستودعا من الأسلحة على بعد حوالي 5 كيلومترات من منزلنا. انتابنا الخوف الشديد، فلم أكن قادرة أن أقول لأولادي يجب علينا أن نغادر المنزل وبسرعة”. ومنذ يوم الخميس، لا تزال صوفيا تنتظر أمام مبنى المعبر الحدودي لكي تدخل إلى بولندا رفقة ابنها ونساء أخريات.

نفس القصة تقريبا رواها عمار العمري (24 عاما) وهو شاب جزائري كان يدرس الموسيقى في الجامعة بكييف. فقد وصل إلى المعبر الحدودي مع بولندا مساء الجمعة قادما من العاصمة الأوكرانية برفقة العديد من زملاءه الطلبة وعلى متن حافلة.

وقال لفرانس24: “كنا نائمين في الإقامة الجامعية حتى سمعنا انفجارات مدوية. كانت الساعة تشير آنذك إلى الرابعة صباحا تقريبا. استيقظنا بسرعة وبهلع لا يمكن وصفه. في البداية لم أفكر في الهجوم الروسي لأنني كنت دائما اعتقد بأن بوتين لن يهاجم أوكرانيا، لكن عندما اتصلت ببعض الزملاء أكدوا لي بأن الطائرات العسكرية الروسية هي التي قصفت بعض المواقع في كييف”.

الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى
الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى

وتابع عمار:” قررنا بسرعة مغادرة كييف على متن حافلة رفقة طلاب أخرين واتجهنا إلى الحدود البولندية. الرحلة استغرقت حوالي 30 ساعة. وعندما تبقى لنا 25 كيلومترا، اضطررنا لإنهاء السفر مشيا على الأقدام لأن الحافلة لم تكن قادرة على التحرك من مكانها بسبب الازدحام الهائل للسيارات”.

ولايزال عمار العمري واقفا أمام المعبر الحدودي تجاه بولندا دون أن يلقى أية مساعدة من قبل السفارة الجزائرية في أوكرانيا. “اتصلنا بمصالح السفارة لكن لم يجبنا أحدا. لا أريد العودة إلى الجزائر، بل إذا أسعفني الحظ سأدخل إلى بولندا ثم بعد ذلك سأذهب إلى ألمانيا عبر القطار إذ يعيش أحد أفراد عائلتي هناك”.

إضافة إلى المواطنين الأوكرانيين، توافد مئات من الأجانب إلى المعبر الحدودي مع بولندا. من بينهم طلاب من دول شمال أفريقيا وأردنيون وعاملون من نيجيريا والصومال وبلدان أفريقية أخرى. كلهم يودون العودة إلى بلدانهم والهروب من “الجحيم الأوكراني” كما وصفه كمال وهو شاب من أصل مغاربي كان يعمل في مجال البنوك بالعاصمة كييف.

وقال لفرانس24:” أشعر حقا بالحزن إزاء معاناة الشعب الأوكراني. هو شعب طيب وحنون. الأوكرانيون هم الذين سيعانون أكثر من هذه الحرب لأنهم سيفقدون ربما كل شيء، عائلاتهم، منازلهم، وظائفهم إلخ. أما نحن فسنعود إلى ديارنا ولن نترك أي شيء هنا”. كما أكد كمال أنه لن يعود أبدا إلى أوكرانيا لأنه أصبح يشعر بالخوف، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الذي سيتدهور أكثر في الأيام أو الأشهر القليلة المقبلة، حسب اعتقاده.

لكن بالمقابل، مهما كانت الصعوبات والعراقيل ومهما تدهور الوضع الأمني، فهذا لن يدفع أناتولي إلى مغادرة بلاده. هذا الشاب (24 عاما) الذي يحمل جنسية مزدوجة إسرائيلية وأوكرانية يقوم بمساعدة كل الذين يريدون مغادرة البلاد إلى بولندا. فهو يقوم بواسطة سيارته بنقل العائلات من مدينة لفيف إلى المعبر الحدودي عدة مرات في اليوم وبشكل مجاني.

الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى
الأوكرانيون من ظلام القصف إلى جحيم المنفى

وقال لفرانس24: “نمر حقيقة بوضع صعب للغاية في أوكرانيا، لذا كل واحد منا يحاول أن يساعد قدر إمكانيته. وأنا من خلال نقل الأوكرانيين إلى الحدود لأن العديد منهم لا يملكون سيارات ولا يستطيعون المشي على الأقدام طيلة مسافة تقدر بـ75 كيلومترا”.

وتابع: “عندما أرى مثلا في الشارع نساء رفقة أولادهن، فأقترح لهن إيصالهن إلى الحدود مع بولندا مجانا”.

وتابع:” أشعر بالحزن عندما أرى هذا المشهد (يتحدث على آلاف الأوكرانيين الذين يحاولون مغادرة بلادهم). نحن في فصل الشتاء والجو بارد جدا. الأطفال الصغار يشعرون بالبرد ويبكون وينامون على الأرض. كل هذه الأسباب وغيرها جعلتني أساعد العائلات وأبقى هنا بالرغم من أن عائلتي المتواجدة في إسرائيل تحثني على الرحيل”.

وانتقد أناتولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتن واصفا إياه بـ”القاتل” ويريد أن يفرض نفسه “إمبراطورا” على أوروبا. لكنه في نفس الوقت لا “يكره الشعب الروسي لأنه هو أيضا وقع ضحية النظام الروسي”.

وفي سؤال كيف ينظر الآن إلى مستقبل أوكرانيا؟، أجاب قائلا: “هذا السؤال صعب جدا. طبعا الكل يعترف بأن بوتين يملك جيشا قويا ربما الأول أو الثاني في العالم، لكن نحن سنصمد بكل ما لدينا من قوة وعزيمة لأن الأوكرانيين يعشقون الحرية وسيدافعون عن حريتهم مهما بلغ الثمن”.

أما تاسابة أناستازيا فلقد تمكنت من العبور إلى بولندا بعد يومين من الرحلة قادمة من كييف. وبفرحة اختلطت مع البكاء، قالت:”أنا سعيدة جدا بوصولي إلى بولندا لكن عائلتي تركتها في كييف. تحدثت معهم هاتفيا وقالوا لي إن كل شيء على ما يرام لكن الأيام المقبلة ستكون صعبة لن سكان كييف ينتظرون هجوما كثيفا من طرف القوات الروسية”.

وفعلا أشارت المعلومات يوم السبت إلى تقدم وحدات الجيش الروسي في العاصمة كييف في حين ازداد تدفق اللاجئين على نقاط العبور. فحسب الأمم المتحدة، الهجمات الروسية أدت إلى نزوح أكثر من 100 ألف أوكراني في حين تمكن 50 ألف شخص من مغادرة البلاد.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading