رقصة “أحواش “جوهرة الفن الشعبي الأمازيغي

        ahwach    سميرة أصبان*// 

   اذا تتبعنا البدايات الاولى للرقص الأمازيغي في المغرب فسيظهر جليا أنه ارتبط منذ القدم بالمقاومة والنضال  ضد الأعداء و الغزاة.  و تعد رقصة «أحواش» جزء لايتجزء عن التراث الفني الأمازيغي. و يطلق لفظ «أحواش» الذي يعني الغناء، على الرقص الجماعي بجميع أشكاله في الوسط  المغربي، خاصة مناطق جبال الأطلس الكبير والصغير، حيث موطن القبائل الأمازيغية المتحدثة بلهجة «تاشلحيت»، التي تنظم  هذه الرقصة لإحياء مختلف المناسبات كالأعياد الدينية والوطنية والحفلات الاجتماعية كالاعراس، لكنها تبقى في عمومها رقصة تعبير عن الفرحة الجماعية التي توافق وتطبع مواسم الحياة الزراعية، ومنها فصل الربيع، وموسم الحصاد، أو تجمعات جني غلال الجوز في مناطق إمنتانوت، وبذور شجرة الأركان بمناطق حاحة وسوس .

       تؤدى رقصة “أحواش “  بشكل جماعي في صفين متقابلين، واحد يضم الذكور والثاني الإناث، غير ان «الرايس»، وهو قائد المجموعة، يشترط للمشاركة في رقصة «أحواش» الفتيات اللاواتي لازلن عازبات، مستبعدا النساء المتزوجات. على اعتبار أن هذه الرقصة فرصة للالتقاء بين الفتيان و الفتيات،لعلها إذن فرصة ذهبية لمن يبحث عن شريكة لحياته.

      ولا تبدأ هذه الرقصة  إلا بعد إلقاء بعض الأبيات الشعرية او كما تسمى باللغة الأمازيغية  ( أمارك – تنضامت ) من قبل شاعر الفرقة أو من مجموعة من الشعراء بشكل متناوب، وانطلاق زغاريد النساء لتعقبها بعد ذلك رقصة أحواش. كأن هذه المراحل  بداية

لتسخين جو الحفل، واستشعار لأجواء الرقص والحركات التي تهتز فيها الأكتاف والرؤوس والأجساد ، وتتميز رقصة أحواش بتماثل حركات الراقصين والراقصات التي تنساق مدا وجزرا أمام المايسترو،هذا الأخير الذي يعمل على مراقبة حركاتهم الجسدية التي يختلف شكلها وسرعة إيقاعها باختلاف المناسبة ، فهي اذن ليست اعتباطية أو عشوائية بل لكل حركة معنى و دلالة ،وفي هذا الصدد يقول أحد الباحثين الغربيين واصفا الرقص الأمازيغي:” إنه من إيحاء تموجات السنابل…أو الكثبان في الصحراء، أو أعراف الجبال في الآفاق”.

  و بخصوص الزي الذي يلبس خلال هذه الرقصة ،فنجد الرجال يلبسون الجلباب المغربي الأصيل، و «تشامير» والعمامة البيضاء، ويتقلدون الخنجر الفضي الناصع،إضافة إلى «أقراب» و هو محفظة جلدية مرصعة بالحرير كان المغاربة القدامى يضعون فيها النقود بداية القرن التاسع عشر، بينما تتزين العذارى بالحلي التقليدية، المتكونة من قطع الفضة والذهب المسبوك، وعقد كرات اللوبان.

 و تستهل رقصة أحواش في الغالب بتمايل صفي الرجال والنساء، ، ويكون مطلع أهازيجها الأول ذكر الله وخاتم الأنبياء، ثم مكة والمدينة وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، و بعد ذلك ينطلقون في الرقص بتحريك الأطراف العلوية والأكتاف بسرعة متناغمة مع ألة «البندير» الإيقاعية وحنحنات الرباب.

     لقد أضحت رقصة أحواش نمطا فنيا متميزا يجسد جوهر الهوية الأمازيغية، كما أن جمهوره لم يعد يقتصر فقط  على الأمازيغ، حيث تمكن هذا النمط الفني من الخروج من حدود القبيلة للسفر به الى مسارح  مختلف المهرجانات الفنية و الملتقيات الثقافية سواء بالمدن المغربية أو العواصم العالمية،و يرجع الفضل في ذلك لمجموعة من الفنانين الأمازيغ الذين عملوا على تطوير هذا النمط الفني ليصبح مكونا اساسيا من مكونات الفنون الشعبية المغربية المعاصرة.

* صحفية متدربة 

                                                                             


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading