ما أوردته جريدة الگرديان حول المهدي بنبركة يدخل ضمن التاريخ السياسي لبلدنا وضمن تاريخ اليسار المغربي فترتي الستينات والسبعينات.
هل كان السيد بن بركة “عميلا” ( وأتحفظ على هذه الصفة التي وردت في مقال الگارديان) في علاقته بالمعسكر الشرقي وبجهاز الاستخبارات لتشيكوسلوفاكيا التى خرجت منها الوثائق التي اعتمدت عليها جريدة “الگارديان” البريطانية أم كان مناضلا ( وهذا هو الراجح وإن أخطأ الطريق) أسدى خدماته للمعسكر الشرقي الشيوعي كما أسدى البعض من المناضلين والثوريين خدماتهم للجهات اليسارية القومية او الشيوعية التي يساندونها ويتبنون ايديولوجيتها؟
هنا سيختلف الوصف باختلاف زاوية النظر التي ينظر منها الى الصفتين( العمالة والنضال).
لكن ما يهمنا هنا ليس اطلاق الأوصاف ولا الاتهامات ولا التبريرات..، ما يهمنا هو قراءة الماضي اي ماضينا القريب للاستفادة منه ، لئلا يكرر البعض ( وهذا ما يفعله الآن بعض المؤدلجين افرادا وتيارات سياسية) نفس الاخطاء و لئلا يسلك نفس مسار الانزلاقات التي ستلحق الضرر بالوطن.
اليساري المهدي بن بركة (كما اغلب اليساريين المغاربة لفترة الستينات والسبعينات) هو نتاج ايديولوجيات يسارية قومية او ماركسية طغت في الستينات وحاولت إيجاد نسخة لها في المغرب، وتبناها الكثيرون( مثقفون واحزاب ومنظمات..) وكادت أن تؤدي بالبلد الى انزلاقات كارثية لو نجحت سياسيا ( ونتائجها نراها حاليا في الشرق الاوسط وفي بعض دول شمال افريقيا)، أما كوارثها الثقافية والفكرية فما زلنا تؤدي ثمنها, وما زالت رواسبها الايديولوجية الكارثية على ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا المغربية نعيشها الى اليوم، والمتمثلة في سلخ المغاربة عن هويتهم الثقافية والحضارية وربطهم بالشرق.. وتطلب الأمر أكثر من 40 سنة من نضال الحركة الامازيغية المدني والثقافي والحقوقي لارجاع الكثير والكثير من المغاربة إلى هويتهم الثقافية واللغوية المغربية المرتبطة بهذه الارض، وما زال الطريق طويلا ويتطلب الكثير من العمل.
لن نلوم المهدي بن بركة لأنه كما قلنا كان نتاج ايديولوجية جامحة ومهيمنة في الشرق وامتد لهيبها الى المغرب، سنلوم المنظومات الايديولوجية بأجهزتها الحزبية السياسية العلنية والسرية في مغرب الستينات والسبعينات التي حاولت تبني ايديولوجيات الشرق واستنساخها في المغرب سياسيا وثقافيا وحضاريا، واللوم هنا يقتضي المطالبة بنقد ذاتي من اتباع تلك المنظومات الايديولوجية مثقفين او تنظيمات وأحزاب( والكثير من المثقفين قاموا بنقد ذاتي) ، والنقد يعني كذلك العمل من أجل ثقافة وهوية هذا الوطن بصلبها الامازيغي والاعتزاز بكل ما له علاقة لها، فالنقد صابون كما يشير إلى ذلك المثل المغربي( الحساب صابون).
لكن اليوم سنلوم كل اللوم هؤلاء الذين ما يزالون يحلمون بتلك الايديولوجيات ومنها الإسلاموية التي تتبناها بعض التنظيمات السياسية والحزبية والثقافية في مغربنا اليوم،
لكن بتكتيك مراوغ، تفضحه بعض المواقف الوطنية التي تحتم عليهم الاصطفاف الى جانب وطنهم، لكنهم خذلوه، وسيخذلونه ما داموا أسرى ايديولوجياتهم الطوباوية. افاعتراف امريكا مثلا بمغربية الصحراء وإعادة المغرب لعلاقته مع اسرائيل، أظهرت من يقف مع مصالح وطنه، ومن ينحاز الى ايديولوجيته البرانية ضد مصالح بلده.
هل أخطأ المهدي بن بركة الاختيار، كما أخطأ لحظته التاريخية؟
هل كانت اللحظة التاريخية آنذاك ( الستينات والسبعينات) هي التي فرضت على البعض استنساخ النماذج الشرقية سياسيا وثقافيا؟
الجواب سيختلف باختلاف زاوية الرؤية.
لكن لماذا افرزت تلك اللحظة نفسها (في الستينات) الحركة الامازيغية التي آلت على نفسها الدفاع عن هوية هذا الوطن وتميز الثقافي والسياسي فوقفت صامدة أمام المد القومي الشرقي الثقافي والايديولوجي والسياسي الذي اعتمدت عليه القوى اليسارية ليكتسح البلد؟
هنا يكمن الأمر في الاختيار، وبالاختيار الصحيح نجحت الحركة الامازيغية في مهامها.
ما قام به المهدي بن بركة ( المعارضة من الخارج …) قام به الكثيرون من السياسيين والمثقفين والكتاب الذين تبنوا ايديولوجية القومية العربية واليسارية، فمنهم من التجأ الى الجزائر، او الى ليبيا او الى مصر او الى سوريا وانتهى المسار بالكثير منهم الى فرنسا ثم رجعوا إلى وطنهم المغربي، والكثير منهم تقلدوا فيما بعد مناصب وزارية وسامية وخدموا وطنهم المغربي.. والكثير منهم عادوا الى ثقافتهم المغربية..
فإطلاق الاوصاف ك “العمالة” أوالنضال لن يزيد في الامر شيئا لأن ذلك يدخل ضمن التاريخ، لكن ما يهمنا هو قراءة هذا التاريخ والاستفادة منه لئلا نسقط في نفس الاخطاء.
ولنعد تحذيرنا، وفي الإعادة ترسيخ كما يقول المثل الامازيغي” ألاس أد ئتغمان
Allas add ittghaman”.
بمعنى (أن تكرار التحنية في العملية الواحدة هو ما يديم جمال الحناء).
أن يمجد البعض من الإسلاميين اليوم اردوگان او ايران أو حزب الله أو حماس أو طالبان كنماذج لخلافة اسلامية طاوباوية لا توجد الا في أحلام الايديولوجية للحالمين بها، فهذا يسقطهم في أخطاء الستينات والسبعينات أي تلك سقط فيها جانب كبير من اليسار مما يدخل ضمن ” موالاة الأجنبي”، فالموالاة الايديولوجية هي نوع من خذلان الوطن سواء كانت باسم القومية او باسم الدين أو باسم اليوتوبيا…
فما معنى ان يتهم البعض من المثقفين والسياسيين المغاربة، ومنهم مسؤولة عن حزب سياسي يساري، وطنها المغربي بأن سيادته سلمت لاسرائيل؟ ألا يعيد هؤلاء نفس أخطاء الستينات، اي تغليب الايديولوجيا على مصلحة الوطن؟ فمن هو اولى بالحب والولاء : هل الوطن الذي ولدنا وترعرعنا فيه ورضعنا ثقافته وهويته… ام الايديولوجيا التي تربطنا بالبلدان الاخرى؟ وإذا تعارضت المصلحتان، فمن هو اولى للدفاع عنه, هل الوطن او الايديولوجيا ووهمها؟
فالوطن وطن.
ذ. الحسن زهور
التعليقات مغلقة.