دراسات في الادب الحكائي الامازيغي. الدراسة 5 : رمزية الذئب في الحكايات الأمازيغية

أزول بريس – الحسن زهور //

في الحكايات والاساطير الأوروبية والشرقية يرمز الثعلب الى الدهاء والمكر والخديعة، وينظر اليه كتجسيد لقوى طبيعية بدائية تكون أحيانا خيرة وأحيانا شريرة فوضوية، ومن تم ترسخت شخصية هذا الحيوان في بهذا التصور في الاشكال التعبيرية لهذه الثقافات( الامثال، الحكايات، الاساطير.. ابن المقفع وكتابه ‘ كليلة ودمنة’، الشعر: لافاتين ‘ الغراب والثعلب’ ، احمد شوقي ‘ الثعلب والديك’، ثعلب الصحراء: رومر، رواية الثعلب لأغاثا كريستي، ومجموعة زفزاف القصصية ‘الثعلب الذي يظهر ويختفي’… ).
في الحكايات الامازيغية تحل شخصيتا القنفذ والذئب محل الثعلب، ، شخصيتان تتقاسمان الدهاء والمكر ( شخصية الثعلب قليلة جديدا في الحكايات الامازيغية ويمكن ان تكون ذئبية الأصل)، فمرجعيتها الثقافية أوجدت ثنائية للتمييز بين الدهاء الايجابي الذي يبني ويؤسس لمجتمع الحق والعدل وبين الدهاء السلبي اي المكر الذي يهدم ويعيد الإنسانية إلى التوحش المبني على القوة.
فكيف ميزت بينهما؟
المكر الايجابي أي الدهاء وتوظيف العقل والوسائل السلمية في حل الامور اسند الى شخصية القنفذ. وشملت هذه الخاصية الاشكال الثقافية الاخرى ففي الامثال مثلا نقول عن الداهية الايجابي: ” زوند بومحند”. اي مثل القنفذ.
أما المكر السلبي و الدهاء المرافق للقوة والفوضى فأسندت الى الذئب، ليلخصها المثل في ” ولايني ذيب!” دلالة على الدهاء السلبي المعتمد على القوة. لكن في الحكايات الأمازيغية يتغلب احيانا جانب الخير في الذئب حين يخرج من طبيعته المتوحشة المرتكزة على القوة والفوضى أي من الطبيعة الى الثقافة.
هذه الخاصية المضطربة للذئب، والتي تجمع بين المكر السلبي والقوة والتوحش وبين الجنوح الى العقل ومسايرة الواقع في الحكايات الأمازيغية، تتحدث عنها اسطورة أمازيغية تفسر أصل الذئب.
تقول هذه الأسطورة ( دونها الباحث محمد أوسوس في كتابه ‘ دراسات في الفكر الميثي الامازيغي ” 2007, من اصدار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ):
كان الذئب والكلب أخوين ولدا من بطن واحدة, لكن طبيعة التوحش فيه تغلب احيانا طبيعة الألفة عكس الكلب الذي تغلبت لديه طبيعة الألفة. وكانا يرعيان الغنم، ومرة سقطت شاة من الجرف فارسل الكلب الذئب لمساعدتها، فبدأ باسعافها بلعق الدم من جرحها. وبتذوقه للدم استيقظت فيه طبيعته المتوحشة فلم يتوقف من صم الدم من جرح الشاة الى ان قضى عليها، فعلم الكلب بفعلته الشنيعة فطرده الى الغابة حيث التوحش، وفي كل ليلة يقف على ربوة القرية ينادي الكلب طالبا السماح له بالرجوع.
وفي حكاية أخرى منتشرة في إحاحان وإدا وتانان ( رواية الاستاذ محمد اكناض) تفسر اصل توحش الذئب مفادها ان الذئاب في غابر الازمان غدرت بجد الكلاب واسمه ” هاوون”، فطردتها الكلاب من مجتمعها، و كلما اشتاق الذئب الى طبيعة الألفة يقف فوق ربوة أمام القرية وينادى الكلاب عواء:
– ئس ئلا لهناااا؟؟ هل عم السلم بيننا؟
فتجيبه الكلاب نباحا:
– مانزا هاوووون؟؟؟. اين هاوووون؟؟؟
إذا فالحكايات و الاساطير الأمازيغية المتعلقة بالذئب تظهره سلبيا بذكائه السلبي الذي يغلب عليه التوحش و قليلا ما يوظف ذكاءه الايجابي للرجوع الى الطبيعة المدنية اي الرضوخ للقوانين. فمن خصائص الذئب في الحكايات:
– الذئب رمز لطبيعة التوحش و الفوضى التي تدمر التمدن البشري، ويعبر عنها المثل الامازيغي” تمازيرت ئخلا ووشن” اي البلدة/ البلاد التي خربها الذئب. كما نجد في بعض العادات الأمازيغية مظاهر يقوم بها الناس لإبعاد شره الدال على التوحش. اورد المختار السوسي احتفالا يقوم به شباب منطقته اليغ: ” وفي ليلة عاشوراء يخرج الرعاع زمرا زمرا الى بعيد قريتهم فينادون-فيما زعموا – على الذئب ان يبعد عن غنمهم فيرمون هناك احجار في محلات ثم يرجعون” المعسول1، ص 30. ولماذا يرمون الاحجار في محلات؟ هل لوضع حدود بين التوحش والمدنية؟ ام لها علاقة بالرمزية الدينية ل” أكركور”؟
– الذئب رمز الفوضى الكونية، حيث ربط المخيال الامازيغي الذئب ببعض المظاهر الطبيعية التي تتداخل فيها المتناقضات اي الفوضى، كامتزاج سقوط المطر من غيمة بأشعة الشمس ” تامغرا ن ووشن” اي عرس الذيب، في العادة سقوط المطر يرتبط بغياب الشمس وراء السحب ( يراجع فصل “تامغرا ن ووشن أو الفوضى الكونية” في الكتاب السابق ).
،- هذه الطبيعة الفوضوية في الذئب تشير اليها كذلك بعض الامثال الأمازيغية التي تربط الفوضى بالذيب” زوند احليگ ن ووشن” اي مثل بطن الذيب، وهذا المثل وظفته الروائية المغربية ملعيد العدناني كعنوان لروايتها الجديدة ” ئديس ن ووشن” اي بطن الذئب، من اصدار رابطة تيرا 2020.
في الحكايات التي تجمعة بالقنفذ، غالبا ما يتجسد فيها الذئب كقوة تميل الى التوحش و الجشع الذي يعمي بصيرته فيسقط أحيانا في البلادة لكن القنفذ يعيد اليه توازنه كما يعيد الى الاشياء توازنها وفق نظامها وقانونها الطبيعية والمجتمعي.
في الحكايات التي تتخذ الذئب بطلا و يغيب فيها القنفذ غالبا ما تظهر الذئب كرمز للفوضى كحكاية ” la curée du chakal ” التي دونها إميل لاوست في كتابه” contes berbères du Maroc “، وكرمز للدهاء السلبي اي المكر كما في حكاية ” الذئب والحمار” في كتاب أرسين غو arsènne Roux بعنوان” Recits, contes légendes bèrbere” 1942.
وكرمز للشجع الذي يؤدي بصاحبه الى الهلاك كحكاية” الذئب والصياد” في كتاب إميل لاوست…
كخلاصة: شخصية الذئب في الحكايات الأمازيغية تحمل خصائص متناقضة: الذكاء والمكر، والفوضى، والجشع وغالبا ما تؤدي به الى الهلاك, لكن في الحكايات التي تجمعه بالقنفذ غالبا ما يرجعه الاخير الى طبيعة الألفة والالتزام بالنظام، حيث يعود النظام المجتمعي الاجتماعي الى طبيعته المتوازنة وهي إقامة التوازن بين طرفي ثنائية: الخير والشر، التوحش والتمدن، الطبيعة والثقافة….
وطبيعة التوازن بين الطرفين يقيمها النظام القائم على القانون والأخلاق…
ذ. الحسن زهور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد