دراسات في الادب الحكائي الامازيغي .. الدراسة 2: رمزية القط في الحكايات الأمازيغية.
أزول بريس – الحسن زهور //
دراسات في الادب الحكائي الامازيغي.
– الدراسة 2: رمزية القط في الحكايات الأمازيغية.
أهم الشخصيات الحيوانية في الحكايات التربوية الأمازيغية هي شخصيتا القنفذ والذئب اللتان خصص لهما الادب الحكائي اكثر من 15حلقة حكائية من سلسلة حكائية مشهورة لهما.
في هذه السلسلة، يلعب القنفذ فيها دور الحكيم الداهية، ويقابله في الأدب العربي شخصية الثعلب الهندية الأصل التي أدخلها ابن المقفع الى الثقافة العربية وترمز الى الدهاء والمكر.( وسنخصص دراسة لاحقة لشخصيتي القنفذ والذئب).
رأينا سابقا كيف تسلسلت الأحداث في الحكاية الأمازيغية ” أزان يوگين ئمنسي” او ” le petit enfant” كما دونها جوزيف غيڤييغ Josephe Riviere، أو ” أكلة البطاطس” بعنوان احمد بوكماخ، ورأينا كيف خرجت فيه الاحداث عن مسار قانون الطبيعة القائم على التضاد الى ان وصل هذا المسار الخاطئ الى شخصية القط ليعيده الى وضعه الطبيعي القائم على صراع الاضداد.
ولكن لماذا القط في الحكاية وليس حيوانا آخر؟
القط في الاساطير والحكايات الأمازيغية يحمل خاصيتين متضادتين هما: الألفة و التوحش حسب الدراسة التي وردت في كتاب محمد اوسوس ” كوكرا في دراسة الميثولوجيا الأمازيغية” من اصدار المعهد الملكي 2006. القط في الحكايات الأسطورية الأمازيغية يعيش حالتين متناقضتين و متصارعتين داخله. فهو غالبا أليف، لكنه متوحش حين يغلبه طبعه (والطبع يغلب التطبع)، وهو ما عبر عنه مثل امازيغي يقول بان الكلب يبقى دوما وفيا لصاحبه في حين ان القط يتنكر احيانا له اذا وجد مكانا افضل.
طبيعة الألفة و التوحش هذه ترد في حكاية امازيغية بعنوان ” موزيا” المدونة في كتابي ” موزيا” 1994, وتتحدث عن فتاة وقطتها.
ذات يوم اثناء كنس منزلها, وجدت “موزيا” حبة قمح ( وفي رواية أخرى قطعة خبز، لكن حبة قمح هي الاصل لأن هذه الحكاية ترد أصل التجويف الموجود وسط حبة القمح الى موضع أسنان موزيا عندما ارادت تقسيم الحبة بينها وبين قطتها)، وتنادي “موزيا” على قطتها لتقاسمها الحبة ( الألفة)، فلما لم تستجب لندائها أكلت الحبة، فانتقمت القطة منها باطفاء موقد البيت بمائها(غلبة التوحش)، اضطرت معه الفتاة للخروج من منزلها ( الألفة/ الثقافة) للبحث عن النار عند الأسد( التوحش/ الطبيعة) الذي عزم على افتراسها بعد ان منحها جذوة النار، فتتبع خطواتها نحو منزلها…
إطفاء النار هنا هو عودة القطة إلى طبيعة التوحش الكامنة فيها، اي اطفاء نار المعرفة والحكمة التي استطاع بها الإنسان ان يمتلك سرا من اسرار الآلهة والذي سرقه برومتيوس ووهبه للبشر حسب الاساطير اليونانية.
وفي حكاية أمازيغية اوردها الباحث محمد اوسوس في كتابه السابق صفحة 283، تفسر العداوة الشديدة بين القط والفأر مفادها ان القط وضع لدى الفأر الخياط قماشا جميلا ليصنع له منه ثوبا، لكن الفأر بدأ يقرض منه كل يوم قطعة، و بدأ يماطل القط، وأمام تهديد القط له، صنع له الفأر مما تبقى من الثوب قطعة وضيعة، فلما رآها القط انقض عليه لالتهامه، فهرب الفأر الى جحره وتوارى فيه، ومنذ ذلك الحين نشأت هذه العداوة الشديدة بين القط والفأر. وهناك حكايات أخرى تفسر هذا العداء الطبيعي بين القط والفأر.
اذن رمزية القط في الحكايات الأمازيغية ترجح طبيعة التوحش فيه رغم طبيعة الألفة التي يبديها؛ وهو ما يفسر وصول مسار الأحداث في الحكاية الامازيغية ” أزان يوگين ئمنسي” أو “أكلة البطاطس”( بعنوان احمد بوكماخ) إلى القط ليوقف المسار غير الطبيعي للأحداث وبالتالي ليعيد الحكي الى بدايته ، وليرجع الاحداث إلى شكلها الطبيعي اي التضاد الذي تقوم عليه الطبيعة، والتضاد هنا يعني أن على القط التهام الفأر.
ترقبوا الحلقة القادمة:
في الدراسة القادمة( الثالثة) سأتحدث عن حكاية من حكايات السلسلة الحكائية القنفذ و الذئب : ” وراء كل حق أو قانون قوة تحميه”
التعليقات مغلقة.