أثير مؤخرا على مواقع التواصل الإجتماعي حوار/جدال كبير بين فنانين أمازيغيين يتزعمهم الرايس اوتجاجت من جهة وفقيه أمازيغي سمى نفسه أبوعمار من جهة أخرى بعدما عمد هذا الأخير إلى نشر فيديو على قناته الشخصية يحرم فيها الغناء وقام بالتهجم على الفنانين الأمازيغيين، الذين قامو بدورهم بالرد عليه إما بقصائد مغناة كما هو حال الرايس عمر المرجان أو عبر قناته على اليوتوب كما هو حال الفنان أوتجاجت.
وتعكس هذه الواقعة أهمية مواقع التواصل الإجتماعي في المجتمع حيث يستعملها الجميع باختلاف مواقعهم الإجتماعية ومستواهم الثقافي وإمكاناتهم المادية للتعبير عن آرائهم ونشر أفكارهم ومعتقداتهم. ولذلك أضحت مواقع التواصل الإجتماعي فضاء حرا للنقاش لما توفره من إمكانات المتابعة على أوسع نطاق وبأقل تكلفة. وإذا كان موقف الفقيه المحرم للفن مألوفا لدى عينة من الفقهاء المعاصرين بحكم تبنيهم لاتجاهات دينية معينة جعلت لنفسها موقعا في بلدنا مستغلين في ذلك التطور التكنولوجي لوسائل التواصل نفسها، دون إغفال وجود هذه المواقف على قلتها في تاريخ المغرب مند موقف المهدي بن تومرت بعد عودته من المشرق العربي، فإن الجديد في الواقعة هو ردة فعل الفنانين الرافضة لموقف التحريم والمدافعة عن الفن استنادا إلى قراءات معينة للدين وبحث عميق في الروايات المتعددة للآيات القرآنية والأحاذيث النبوية المتعلقة بالموضوع.
فقد أظهر الفنان اوتجاجت من خلال رده براعة في التواصل وهدوء في النقاش وتمكنا من اللغة العربية وقدرا مقبولا من المعرفة الدينية بل وحسا سياسيا جعلته يدعو الفقيه إلى إعادة النظر في موقفه وعدم المتاجرة بالدين من خلال البحث عن ارتفاع نسبة المشاهدة لقناته وضرورة مناقشة قضايا أخرى أكثر أهمية من المواضيع الخلافية.
فدفاع الفنان أوتجاجت عن فنه يؤسس لمرحلة جديدة لم يعد فيها الرايس يغني مع ستر إحساسه بالذنب وقد يتمنى أن يهديه الله يوما ما للإقلاع عن الفن، بل يمارس مهنة شريفة بكل اقتناع ومسؤولية ولا يرى في ذلك أي تعارض مع دينه الإسلامي. كما أن الفقيه لم يعد المصدر الوحيد للمعلومة الدينية والمرجع الوحيد للموقف الديني بل سمحت مواقع التواصل الإجتماعي للإطلاع على مختلف التفاسير الموجودة ومجادلة الفقيه في أسباب تبني موقف معين دون غيره.
وهذا ما قام به الرايس أوتجاجت بكثير من الذكاء معتمدا على كتب التفاسير واستنادا أيضا على مواقف بعض فقهاء سوس المعروفين كالحاج الحبيب التنالتي الذي استشاره المرحوم الرايس الدمسيري في الموضوع فلم يحرم الغناء. ومن جهته أيضا فقد استشهد الفنان عمر المرجان في أغنيته-الرد بموقف الحاج الحبيب في إشارة للتحولات التي عرفها موقف فقهاء سوس بين الماضي والحاضر، وحاول أن يرد على الفقيه أبوعمار باتهامه بالجهل واستغلال الدين بحثا عن رفع نسبة مشاهدة قناته وكذا التجاءه للفتوى الدينية بعد أن طرد من العمل لعدم جديته كما يدعو لذلك الإسلام نفسه.
إذا كان هذا النقاش قديما في المجتمع السوسي فإن ذلك لم يمنع السوسيون من الإبداع الغنائي في مختلف المجالات ولم يفرقوا في ذلك بين الرجال والنساء إلا استثناء ولذلك تعددت الفنون الغنائية بسوس وتجددت حسب الأزمنة بدءا بمختلف الفنون الجماعية (إحواشن)، ثم ظهر فن الروايس فالمجموعات الغنائية العصرية ثم الموسيقى الشبابية وظاهرة الفيزيون…فالسوسي يعشق الفن والفنون ولا يجد بعض الفقهاء أي حرج في أن يؤموا بالناس صلاة العشاء ثم يخرج مباشرة ليشارك في رقصة أحواش فيقرض الشعر، كما تغنى الروايس عن الدين كما في قصيدة “الحج” للمهدي بن مبارك، وظهروا أحيانا في جلباب وعاض كما في قصيدة “توتمين” للحاج بلعيد دون أن ننسى الإنشاد الديني بالأمازيغية إما في شكل أكراو النسائي أو قصائد الرايس الحسين أمنتاك مؤخرا.
ومع ذلك لابد من الإشارة إلى أن تأثير هذه الأفكار الرافضة للفن بدأ يظهر في عدد من المناطق السوسية حيث تمر الأعراس بدون أي إشارة للفرح بما في ذلك تحريم الزغاريد، كما يحجم الناس أحيانا عن ممارسة أحواش والعديد من الطقوس ذات الطابع الإحتفالي بضغط من بعض “الفقهاء” الجدد.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.