كتاب “شرفات سياسية” لحميد لشهب، المنشور من طرف دار النشر “النورس”، جاء ليعزز الدراسات السياسية، التي اشتغل عليها المؤلف بنفحة سيكو-سوسيولوجي في العمق، مقترحا بذلك تأويلا إضافيا للظواهر والتيمات السياسية على الصعيد العالمي والقومي والقطري. والكتاب هو عبارة على مقالات ودراسات مختلفة في السياسية، يمكن اعتبارها ورشات عمل مفتوحة.
يتوزع الكتاب على مضامين متكاملة، استهلها الباحث بالسياسية الإمبريالية الأمريكية وممارساتها في العالم العربي، وعرج على السياسات الفرنسية اتجاه المهاجرين وبلدانهم الأصلية، ثم خصص حيزا لسياسة أردوغان البرغماتية وتأثيرها السلبي على العالم العربي والإسلامي، قبل أن يحط الرحال لتقديم عينة من النصوص حول السياسة في العالم العربي الحالي، سواء في جناحه الخليجي أو في بلاد الشام وفلسطين.
ويؤكد لشهب، بأن قضايا بلده الأصلي تلازمه ولم يسلك أبدا بحياد أو تجاهل أو لامبالاة تُجاه القضايا الكبرى للمغرب، وبالأخص قضية وحدته الترابية، على الرغم من عيشه لسنوات في الغربة. ويوثق باعتزاز من جهة بعض التقدم في ميادين مختلفة في بلده الأصلي، وخاصة فيما يخص البنية التحتية في المدن الكبرى، التي تضاهي كبار المدن الأوروبية فيما يخص عصرنة هذه البنية. إلا أنه يرصد أيضا الكثير من بقع التوتر والإختلال في السياسات العمومية على كل المستويات. ولربما يربط هذه الإختلالات في اشتغال الأحزاب السياسة المغربية.
فالأحزاب في المغرب في نظره، على كثرتها واختلافاتها، لا تساير العصر -كما هو الحال مع المؤسسة الملكية- بل متشبثة بفهم ضيق وقصير المدى للعمل السياسي، سواء أكانت في المعارضة أو تتحمل مسؤولية حكومية. أصبحت سياسة الأحزاب، في نظر لشهب تركز على التسابق الأعمى على كراسي السلطة، دون مراعات لمصير الشعب ومصير البلاد عموما.
بل يذهب لشهب إلى أكثر من هذا عندما يؤكد بأن هذه الأحزاب لا تمثل الشعب بتاتا، بقدر ما تمثل مصالحها الخاصة وتدافع على مواقعها وكراسيها، ولهذا السبب يبتعد الشعب عنها، بل تبعده هي بطرقها الخاصة لكي لا يهتم بالسياسة.
ومن بين ما يقوله في هذا الإطار هو تحديه لكل حزب يبرهن بأن له قاعدة، أي أناس منخرطون في الحزب ويشاركونه أيديولوجته وتوجهاته السياسية والإجتماعية والإقتصادية إلخ. ما يراه لشهب في هذا الإطار هي مجموعة من موظفي الأحزاب لا غير. علاوة على هذا يلاحظ لشهب بأن المشهد السياسي المغربي اختلطت فيه الأوراق والألوان، ولم يعد التمييز ممكنا بين الأحزاب وبين برامجها وتوجهاتها السياسية والأيديولوجية، ولم يعد التقسيم التقليدي للأحزاب (يمين، وسط، يسار) ناجعا، ذلك أن المرء يجد هذه التقسيمات في الحزب الواحد.
يقترح كتاب “شرفات سياسية” شرفات مختلفة للإطلال على السياسة في معناها الواسع، ويقترح مقاربات مختلفة، اختلاف المواضيع المقترحة. ويقترح هذا الإختلاف أيضا متعة في القراءة والإستيعاب ولربما أيضا يلهم باحثين آخرين للتوسع فيما بدأه وتعميقه والمضي به إلى مستوى أعلى من البحث والتنقيب.
وللتذكير يتحدث حميد لشهب من قلب السياسة، إذا أخذنا بعين الإعتبار ممارسته السياسية لمدة خمسة عشر سنة كعضو في المجلس البلدي للمدينة حيث يعيش حاليا (فيلدكرخ النمساوية)، وخبرته للممارسة السياسية في الميدان.
التعليقات مغلقة.