يحتل الحق في المشاركة السياسية للمرأة موقعا محوريا ضمن حقوق الإنسان الأساسية، فلقد أكدت عليه كل المواثيق الدولية والإعلانات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، كما كرسته الدساتير الوطنية على نطاق واسع، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
فمشاركة المرأة في الحياة السياسية ضرورة ملحة يفرضها واقع التطور، وتحتمها الحاجة إلى الدعم والحفاظ على مصداقية النهج الديمقراطي الذي تسعى الدول إلى تحقيقه خاصة وان هذا التوجه أصبح حقيقة، وفي الوقت نفسه انشغالا عالميا يتصدر رزنامة نشاطات المجتمع الدولي خلال العشريتين الأخيرتين، كما غدا من غير الممكن تعزيز دولة القانون أو تحقيق أي تطور على صعيد إرساء قواعد الممارسة الديمقراطية في مجتمعاتنا بعيدا عن مشاركة نصف المجتمع، الذي تمثله المرأة من خلال مشاركتها في التنمية وكذا في مراكز اتخاذ القرار. خاصة أن كل الجهود التي بذلت للدفاع عن حقوق المرأة قد تكرست ضمن المواثيق الدولية والإقليمية وفي الدساتير والقوانين الوطنية في عدد من الدول و كان المغرب من بينها.
ويرتبط الاهتمام بقضية مشاركة المرأة في الحياة السياسية بالجهود التي أخذت تبذلها الشعوب من أجل التغيير والتقدم الاجتماعي، وبسبب إدراك الارتباط الوثيق بين قضية تحرر المرأة وبين قضية تحرر المجتمع، حيث عرف البناء الاجتماعي والثقافي للعلاقات بين الجنسين في الدول المغاربية ، تحولات هامة سواء كان ذلك في الفضاء العام أو الفضاء الخاص، ويمكن تفسير هذه التحولات بتضافر عدة عوامل مثل إصدار النصوص القانونية المؤكدة على المساواة بين المرأة والرجل وإقرار التعليم المجاني والإجباري للجنسين وخروج المرأة للعمل ولقد شهدت السنوات الأخيرة خاصة في فترة ما قبل الحراك العربي اهتماما متزايدا بالدور الذي تضطلع به المرأة داخل المجتمعات العربية. ومن جهتها فقد انتبهت الدول المغاربية لأهمية إشراك المرأة في عملية التغيير والتنمية وبناء مجتمع ديمقراطي
وعلى غرار باقي الدول، فإن قضية المرأة و مشاركتها في جميع مناحي الحياة، داخل المجتمع احتلت حيزا مهما من النقاش والجدل داخل المغرب. استطاعت من خلاله المرأة تحقيق قفزة نوعية على جميع المستويات، ومكاسب مهمة في مجالات سياسية واقتصادية وقانونية، وهو ما جعل البعض يطلق عليها اسم الثورة البيضاء، حيث لم يكن من الممكن عزل هذه القضية عن مسلسل الانتقال الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب منذ القرن الماضي. و لأن تقدم المرأة هو أحد مرتكزات تعزيز هذا الانتقال وبناء الدولة الحديثة.
وقد سجلت العشرية الأخيرة، تقدما ملحوظا لدور المرأة، والذي جاء نتيجة لتضافر العديد من العوامل من أهمها تنامي حركات ديمقراطية وحقوقية تجسدت في نضالات الحركات النسائية، وحضورها بشكل مكثف في مختلف هيئات المجتمع المدني.
وبالعودة إلى الدستور المغربي لسنة 2011، نجده ينص في تصديره على أن المغرب ” يرتكز على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية. ” كما ينص في فصله السادس على أنه “تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرة المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم ومن مشاركتهم في الحياة السياسية. ”أما الفصل التاسع عشر فقد أكد على انه” يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي المقتضيات الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.