حتى لا يظلم الريف من جديد
مند طحن الشاب محسن فكري في حاوية للأزبال وهو يجري لانقاد قوت يومه ومختلف مناطق الريف بالشمال المغربي تغلي مطالبة من جهة بمعاقبة المتورطين في قتل محسن و من جهة أخرى في الاستجابة لمجموعة من المطالب الاقتصادية و الاجتماعية لساكنة المنطقة. إلى حدود اليوم فالمطالب عادية وتقتسمها العديد من المناطق المغربية التي جعلتها السياسات الحكومية المتعاقبة مند الاستقلال متأخرة على مستويات عدة. لكن يبدوا أن كلمة “الريف” لوحدها تخيف البعض وتعيد إحياء سلسلة من التمثلات الموروثة عن الماضي وخاصة تلك المشكلة خلال مرحلة حرب الريف وزعيهما محمد بن عبد الكريم الخطابي. فصورة المتمرد و المقاوم الشرس و الرافض الدائم لسيطرة المركز و المعتز بهويته الأمازيغية تعود تلقائيا أثناء كل حديث عن الريف و سكانه. بل إن هذه الصفات المشكلة عبر سيرورة تاريخية طويلة, مع ما قد يشوبها من مبالغة أحيانا, وهو حال كل التمثلات, تتحول إلى تهم بالرغبة في الانفصال و خدمة أجندات خارجية. لقد ترسخت هذه الصورة بعد الاستقلال وتعززت بعد الأحداث الكثيرة المرتبطة بالريف. وبما أن هذا الصنف من التمثلات يصعب ازالته في المتخيل الجمعي فقد عادت نفس الاتهامات من جديد و نجدها في العديد من المواقف المعبر عنها في مواقع التواصل الاجتماعي والتي قد تصل إلى السب و الشتم كما نستشفها أيضا من تصريحات رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني و من مواقف ممثلي أحزاب الأغلبية الحكومية.
اذا كانت بعض العبارات و الشعارات المستعملة في الحراك ك “شعب الريف سير سير, حتى النصر و التحرير” الذي يتكرر مرارا و رفع علم “جمهورية الريف” ذات الحمولات التاريخية العميقة قد تؤول سياسيا في اتجاه تأكيد الاتهامات السابقة فان تصريحات قيادات هذا الحراك تؤكد العكس وتتشبث بكون مطالبها اقتصادية و اجتماعية و ثقافية محضة يكفي الاستجابة لها ليمتص الغضب.
إن كل سوء تقدير في التعامل مع الاحتجاجات السلمية للريف قد لا تحمد عقباه ولنا في دول الجوار خير أنمودج. فالمطلوب هو الحوار في أفق الاستجابة للمطالب العادلة و المشروعة للساكنة وفق أجندة محددة بعيدا عن منطق التخوين الذي لن يزيد الوضع إلا تعقيدا ويزيد السكان إحساسا بالحكرة و الإقصاء وهو ما يغدي التمثلات الموروثة عن الماضي ويبحث لها عن سبل التحقق في الواقع.
*استاذ الانتربولوجيا بجامعة ابن زهر
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.