تأملات حول تحولات المجتمع المغربي، الحاجة إلى كونفوشيوس راهنا.

محمد لحميسة

لا ينكر أحد أن المجتمع المغربي يعيش في مرمى تحولات مهمة تقتلعه من التقليدانية الى نوع من تحديث لم يكتمل بعد، انه بلفظ عالم الاجتماع المغربي احمد شراك المجتمع البرزخي او مجتمع البين-بين.
إن مأساة هذا التحول القلِق تعود بالدرجة الأولى إلى كون مسار التحديث هذا، لم يكن نتيجة دينامية اجتماعية داخلية، بل فرض بعنف وفي مناخ استغلالي بدأ مع الاستعمار . وجد المجتمع المغربي نفسه في وضعية الايبوخي الهوسرلية، فلا هو مجتمع تقليدي 100/100 ولا هو مجتمع حديث100/100، بول باسكون يبتكر مفهوم لوصف الوضعية وهو “المجتمع المركب” .
منذ أنذاك والتحول قائم، ليس على مستوى البنيات المادية فقط، لكن هناك تحول عميق يصيب البنيات الرمزية الثقافية والقيمية والاخلاقية، انه تحول سلبي، الى الاسوء، يؤدي بالمنظومة الاجتماعية من مستوى التضامن، الحياء، الجدية، الاحترام، الى مستوى الفردانية الفجة، الابتدال، الطمع، الحرية غير المسؤولة، بلفظ واحد هي تجليات لاحتباس قيمي .
قد يتساءل البعض، أي علاقة بين هذا الاحتباس المزعوم وبين كونفوشيوس؟

يعد كونفوشيوس الاب الروحي للأمة الصينية، عاش شبابه في مجتمع صيني ممزق اتسم بالتفكك الاجتماعي والسياسي والاخلاقي، فلم يكن له من بد سوى ان يرتدي عباءة نبي بدون ديانة، ان يكون مصلح اجتماعي، او بتعبير غرامشي، كان مثقف عضوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

ولأن الزمن لن يأتي بكونفوشيوس أخر، ولأن التاريخ له عادة سيئة اذ يميل لأن يعيد نفسه، خاصة ان لم تستخلص الدروس من المرة الأولى. ولأن الفكر بعادته يتجاوز الزمان والمكان لأنه قبل كل شيء إنساني، وماهو انساني فهو يتجاوز ما هو اثني او ديني او عرقي. ولأننا نحن نعيش وضعا قيميا واخلاقيا يشبه وضع الصين زمن كونفوشيوس، فإن الدرس الكونفوشيوسي مهم لنا، لنعيد ترتيب الأوضاع ونعتزل فوضى اليومي حتى نضع الاخلاق محط تساؤل، ونتفق على ما من شأنه أن ينسف العيش المشترك، وما من شأنه أن يقويه.

إن فهم كونفوشيوس يستوجب منا الوقوف عند 4 عتبات أساسية:
– العتبة الاولى هي “جين”، وهي ما يجعلنا إنسانيين، هي القلب الطيب، الفضيلة، الخير الإنساني، هذا المسمى “جين” هو أساس العلاقات الإنسانية، بدون “جين” سنكون حيوانات شرسة، بدون قيود وبدون اخلاق، ان الجين هو الذي يقتلعنا من الانحطاط الى الرقي، وأن نكون كائنات بشرية حقة.
-العتبة الثانية هي “لي”، والتي تعني أداب المجتمع، إن “لي” هي ترجمة ل”جين”، جوهرها السيطرة على النفس وترويض دوافعنا الضارية، وتحويلها الى تعبيرات متحضرة عن طبيعة الانسانية، وقد تعني أيضا اشياء كثيرة، منها الدين أو المبدأ العام للنظام الاجتماعي، او الممارسات الاخلاقية، او الانضباط الاخلاقي والاداب العامة بشكل عام.
-العتبة الثالثة هي “هسياو” وتعني ولاء الابناء للأباء وللعائلة، يعطي كونفوشيوس أهمية كبيرة لهذا المفهوم، إذ أنه هو المفتاح للوصول إلى المفاهيم السابقة(جين، لي) فعندما يتعلم الاطفال احترام أبويهم وتوقيرهم فإن بمقدورهم أن يحبوا اخوتهم، وان يحترموهم، وعندما يحققون ذلك، فإن بإمكانهم أن يحبوا الانسانية بأسرها وأن يحترموها .
يذهب كوفوشيوس حد اعتبار حماية الجسم من الادى تكريم للأبوين، وأحد مظاهر توقيرهم ، اذ ان الجسم جاء منهما، الى جانب مظاهر وتجليات اخرى مثل حسن السلوك في الحياة.
-العتبة الاخيرة في الدرس الكونفوشيوسي هي “يي”، التي تعني الاستقامة، طريق التصرف الصحيح عن طريق الحدس الاخلاقي .
إن الأمراض الاجتماعية والاخلاقية التي تَجنَّد كونفوشيوس لمجابهتها بأسلحته المفاهيمية (جين/لي/هسياو/يي)، كلها توجد في المجتمع المغربي الراهن .
العائلة تتخلى عن دورها في التنشئة لفائدة وسائل أخرى تشكل خطرا مباشرا على الحزام الاخلاقي والقيمي، وأحد أبرز هذه الوسائل هي منصات التواصل الاجتماعي والترفيه، وفي المقابل أصبحت العائلة شيء من مقاولة تخضع لقوانين الربح والاستثمار .
قيم مثل الطيبة والغيرية سلاح دوما ما يستعمل ضد الشخص المتصف بها.
خصال الصدق والفضيلة مفاهيم تتماهى في المخيلة الشعبية مع السذاجة .
العفة والقناعة خطاب عفى عنه الزمن، في طغيان عقلية الربح والرغبة العمياء في الثروة التي يجب تحصيلها بأي طريقة كانت، حرفيا بأي طريقة!

إننا وبدون إضافات نحتاج تعلم الدرس الكونفوشيوسي وبأي ثمن. أن نحيي الإنساني الذي يغفوا بداخلنا، أن نتحرر من قيود الجشع والطمع والأنانية والفردانية الفجة والحرية غير المسؤولة والنزعات المحض مادية، من أجل قيم وفضائل التضامن والتآزر والغيرية والصدق . وأن ننصت قليلا لنداء “الجين”، ونتحلى ب “لي” و”يي”، ونلتزم ب “هسياو”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد