بودرا في حوار مع صحيفة الناس: هناك أطراف تريد أن تقول للملك إن “ريافة” لا يستحقون الثقة

*انسحبت مؤخرا، فرق المعارضة من البرلمان احتجاجا على عدم حصول الحكومة على الثقة البرلمانية، ماهو تصور حزبكم للقضية، هل هو تعديل حكومي أم هندسة حكومية جديدة؟

في تصور الحزب، فإن النسخة الثانية من حكومة عبد الإله ابن كيران، ليست تعديلا حكومية لأنه لم يقتصر فقط على تعويض وزراء حزب الاستقلال فقط وإنما أحدث تغييرا كاملا على التشكيلة الحكومية عبر الاعتماد على أقطاب حكومية كبرى تقاسمتها الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك توجه واضح إلى زيادة عدد الوزارات وتغيير بعض الوزراء المنتمين إلى أحزاب التحالف الحكومي وبالتالي فإن كل مقومات التغيير الحكومي الشامل متوافرة. إذن، هي حكومة جديدة، بنفس رئيس الحكومة، وحتى التصريحات التي أطلقها قادة الأغلبية توحي أن البرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحكومة تغيرت بالمقارنة مع البرامج السابقة، وهي في حاجة إلى ثقة برلمانية لتكون دستورية.

إلى وقت قريب كان حزب التجمع الوطني للأحرار حليفا سياسيا قويا وشكلتم سويا تحالف”جي 8″، هل ستكون معارضتكم بنفس الحدة التي تتعاملون بها مع حزب العدالة والتنمية بمعنى آخر هل ستتعاملون بمنطق التمايز مع أحزاب التحالف الحكومي؟

مشروع حزب الأصالة والمعاصرة ساهم في تأسيس تحالف”جي 8″ وتقاسم مع الأحزاب المكونة لها الكثير من القناعات والمبادئ خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار، وتتأسس قناعتنا على المشروع الحداثي الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب لكن دخول الحزب إلى الحكومة قرار سياسي نحترمه ولا يمكن أن نتدخل فيه. من الأكيد أن حزب التجمع الوطني للأحرار له أسبابه التي أدت به إلى الدخول للحكومة ولهذا فتعاملنا سيكون بمنطق المعارضة البناء مع كل المشاريع الحكومية أي حين تكون مشاريع الحكومة قوية فنحن سنساندها من منطلقاتنا وحين تكون مشاريع الحكومة سننتقدها ولن نتسامح مع أي قرار لن يكون في مصلحة المواطنين. وكل القرارات التي لن تنسجم مع  توجهات الحزب سنضعها تحت مجهر النقد.

أبرزت معركة إبقاء عبد اللطيف وهبي من على رأس الفريق البرلماني لحزبكم أن هناك صراع طاحن لمجموعة من التيارات، وهي التيارات التي لا تزال متصارعة إلى حدود اليوم، كيف تقرؤون هذه الصراعات، ألا تضر بسمعة حزبكم؟

ليس ذلك فقط، فقد زعم البعض أن في الحزب نزعات جهوية وقبلية وحتى حزبية، وهنا لابد من العودة إلى أصول تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، إذ كان هناك ما أسميه بالاجتماع حول مشروع حداثي من طرف تيارات مختلفة تبين لهم أن المغرب بعد 2007 لا يمكن أن يستمر بنفس الأحزاب وبنفس النخب وبنفس طريقة العمل التي كانت موسومة بالاتكاء على مركزية مفرطة وأفضت إلى بزوغ مغرب نافع وغير نافع، مواطن من الدرجة الأولى ومواطن من الدرجة الثانية وتهميش اللغة والثقافة الأمازيغيةـ فمنذ الاستقلال أصبحت عائلات بعينها تهيمن على المغرب بأكمله، وحزب الأصالة والمعاصرة انطلاقا من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية انتبه إلى هذا التوجه الخطير الذي كان يسير فيه المغرب وقرر أن يحدث القطيعة مع هذا المشهد عبر خلخلته، ومن ثم واجهنا مقاومة عنيفة من غالبية الأحزاب السياسية، ومن الذين كانوا مستفيدين من الوضع القائم حينذاك. من هذا المنطلق، أصبح خطاب البام يزعج أطراف من الدولة  وأطراف في الأحزاب وأطراف في أجهزة الدولة التي كانت مطمئنة إلى نموذج المغرب القديم.

ما تقوله عن خلخلة المشهد السياسي ربما لن يصمد أمام اتهامات توجه لكم بخصوص تكريس النزعة القبلية في حزبكم، إذ هناك سيطرة للتيار الريفي داخل المكتب السياسي، إلى أي حد هذه الاتهامات صحيحة؟

واهم من يعتقد أن الريفيين هم الذين ذهبوا إلى الأصالة والمعاصرة بل العكس فالحزب هو الذي ذهب إلى الريف وإلى الصحراء وإلى كل المناطق النائية، فمشروع الأصالة والمعاصرة وجد تربة خصبة في الريف، إذ كان لدى الريفيين إحساس قوي بالظلم والاحتقار والتهميش وبالتالي فتواجدنا في الأصالة والمعاصرة نتيجة انفتاحه على نخب الجهات، وأنتم تعرفون أن الأحزاب الأخرى قليلا ما تشرك هذه النخب في قراراتها، وإن تواجدوا فلا يساهمون في حسم القرارات المصيرية..

لكن تشير أًصابع الاتهام إلى القيادي الريفي إلياس العماري يكونه يريد أن يفرض هيمنة ريفية على المكتب السياسي، هل هذا صحيح؟

دعني أفشي لك سرا داخليا، فإلياس العماري يعاني أكثر من أبناء جلدته داخل الحزب أكثر من الآخرين، ولا يظن أحد أن تواجد الريفيين على سبيل الصدفة في المكتب السياسي هو تكتل ضد أي كان، ففي الاجتماعات واللجان لا يظهر هذا التكتل فلكل منا زاوية نظره إلى الأمور. وعليه، فهذه الاتهامات غير مسنودة أما في الوقت الحالي فنؤسس لمناضلين من إنتاج مدرسة الأصالة والمعاصرة بمعنى أنهم لم يأتوا من أحزاب أخرى كالمؤسسين الأوائل. ولا يجب أن ننسى أنه في عمر حزبنا خمس سنوات ولا يزال يتشكل كإطار تنظيمي وهياكل قوية إلى جانب أن المواطنين ينضمون إلى الحزب مما يسبب بعض المشاكل التنظيمية.

بيد أن انضمام الكثير من الأشخاص إلى حزبكم جاء نتيجة تواجد بعض الشخصيات ذات النفوذ الكبير كإلياس العماري حاليا وفؤاد عالي الهمة سابقا أي أنهم لا يؤمنون بمشروع الحزب بقدر ما يؤمنون بمنطق المصلحة الشخصية

اعتقد أنه لا يكفي فقط أن تكون رجلا قويا أو تتوفر على نفوذ في أقصى التقديرات لتستقطب المناضلين والمناضلات خاصة في المناطق المهمشة، والرجال الذين وصفتهم بالأقوياء انتقلوا إلى الجهات وأنصتوا للمواطنين وإلى همومهم، فمثلا في الريف لم يسبق لأي رئيس حكومة أن زار المغرب باستثناء رئيس الوزراء الأسبق إدريس جطو الذي زار المنطقة سنة 2004 أي في السنة التي شهدت فيه المنطقة فاجعة طبيعية مؤلمة، لكن نحمد الله أن ملك البلاد يعوضنا ويزور مختلف أنحاء المغرب، الشيء الذي يفسر الارتباط القوي للساكنة مع المؤسسة الملكية. وأذكرك أن حزبنا قريب من المواطنين، ويحاول أن يعبر عن مشاكلهم ويعبر عن الإحساس العميق الذي يعتري المغاربة من كون أن المغرب سيطرت عليه بعض العائلات منذ الاستقلال، حيث تعاقبت، أقصد العائلات، على تدبير شؤون المغرب وكأن سكان مناطق الهامش قدر لهم أن يكونوا خدام لتلك العائلات، وهذا الإحساس العميق بأنهم”محكورين” هو الذي جعل خطاب البام قريبا من المواطنين..

صرحت مؤخرا بأنه لو تنازل الملك عن صلاحياته ستدعون إلى تبني الحكم الذاتي، ما الأسباب التي حذت بكم إلى قول ذلك؟

مبعث هذا التصريح هو أن طبيعة المغرب تاريخيا منذ ماسينيسا إلى محمد السادس هو نظام ملكي جهوي، وهذا النظام البرلماني الوطني الحالي لا يساير الطبيعة التاريخية للبلاد لأن الجهات ضعيفة أمام المركز، وإذا تصورنا ملكية برلمانية بدون جهات معناه أن رئيس الحكومة سيكون من حزب معين ومن جهة معينة وبالتالي سيتعزز لديه هذا الانتماء إلى الجهة الأمر الذي قد يؤدي إلى تعامل تفضيلي، ونرى ذلك واضحا في تصرفات رئيس الحكومة، فكلما وقع حدث صغير يهرع إلى مدينة سلا ليقف على الأمور بنفسه، لكن لا يمكن أن يقوم بنفس الأمر مع باقي الجهات وهذا أمر جد عادي لأن طبيعة تكويننا كمغاربة يتأسس على الانتماء الجهوي.

إذن، فرئيس الحكومة الذي سيأتي من حزب معين ومن جهة معينة لن يضمن مصالح الجهات الأخرى ولن يتعامل معها بشكل عادل بخلاف الملك فهو فوق الجميع لا ينتمي إلى جهة وإلى حزب، وهو أمير المؤمنين ورمز وحدة المغرب منذ قرون ولذلك يحتكم إليه جميع المغاربة لأنه الضامن لمصالح الجهات. وأقول إنه إذا فكر المغرب أن ينتقل في المستقبل إلى الملكية البرلمانية لزام عليه أن يرسخ الجهوية المتقدمة لنحميها من تسلط أي رئيس حكومة أو أي حزب. بنسق مثالا في هذا المنحى، فلما أرادت أن تنتقل إسبانيا إلى من عهد الدكتاتورية إلى عهد الديمقراطية نصت في دستورها أولا على حكم الجهات والاختصاصات التي ستمنح لها.

هل تعتقد أن أحزابا يمكن لها أن تؤسس لثقافة التسلط في حال تخلى الملك عن صلاحياته؟

هذه ثقافة مغربية حيث أن أي حزب سيطر على المشهد السياسي تحذوه رغبة الهيمنة من موقعه الحزبي أو من موقعه الجهوي بدون استثناء. ولحماية المغرب من هذا الاستبداد الحزبي، يجب ليس فقط أن نثمن التعددية الحزبية بل حتى الجهوية للقطع مع هيمنة المركز كي لا نرسخ هذا المنحى الذي سار فيه المغرب منذ الاستقلال.

من الملاحظ أن هناك تأخر كبير في تنزيل مشروع الجهوية الموسعة، في اعتقادك ماهي الأسباب التي تفرمل تطبيق مشروع دعا إليه الملك؟

أكاد أجزم أن الملك هو وحده من يدافع عن هذا المشروع لأن النخب المركزية التي تسير الأحزاب المغربية ليست لها مصلحة في تطبيق الجهوية الموسعة، فالنخب السياسية والاقتصادية لا يمكنها أن تتخلى بسهولة عن امتيازات كانت تتمتع بها إلى وقت قريب. على سبيل المثال، إذا وزعت صلاحيات تسليم رخص النقل إلى الجهات لن يبقى هناك احتكار في يد البعض لكن الأمر غير المفهوم هو أن النخب المحلية فقدت الثقة في قدراتها بسبب هيمنة النخب المركزية وأصبح حلما هو فقط أن تنتقل إلى الرباط ومتى ستحصل على الامتيازات في الرباط، ونادرا ما نجد أن نخبا محلية تريد المساهمة في تنمية مناطقها من دون مركب نقص. لو كانت النخب المحلية والجهوية فعلا تؤمن بالتنمية الجهوية لدافعت عن المشروع بكل ما أوتيت من قوة.

فيما يتعلق بتنزيل القوانين المنظمة للجهوية، أقول دائما إن ليس من أولويات هذه الحكومة أن تتقاسم صلاحياتها مع الجهات، فهي تتذرع بكون أن لها خمس سنوات لتنزيل هذه القوانين من ثم فإنه بالإمكان أن تتأخر كثيرا، وحتى إن لم تتأخر فإنا متشائم من أن مشروع الجهوية سيقزم ولن يرى النور بالطريقة التي نادى بها صاحب الجلالة وأظن أن المشروع سيكون ضعيفا ولا يعطي صلاحيات واضحة للجهات، ولاحظتم أنه في الحكومة الثانية استقرت المفاوضات على تعيين 39 وزيرا تقاسما للكعكة الحكومية وما بالك بالجهات. هؤلاء لم يقدروا على توزيع الكراسي، ولو كان في وسعهم أن ينشؤوا مئة وزارة أخرى لفعلوا لأن الجميع يبحث عن مصالحه، ولذلك أرى أن الحكومة الحالية لن تعطي للجهات لا الحق في مباشرة الأشغال في الطرق القروية أو منح الرخص لـ”الطاكسيات”.

ماهي الجهة التي تريدها أنت؟

عندما أنادي بالجهوية المتقدمة، فأنا موقن من أنها ستفجر الكثير من الطاقات المحلية المتواجدة بالمغرب أو خارج المغرب وستضخ دماء جديدة في شرايين الاستثمار خاصة إذا رأت أن الجهات هي التي تحل المشاكل. بالنسبة لي مشروع الجهوية الموسعة لا يمكن تقزيمه فقط في مشروع سياسي بل هو مشروع تنموي يروم إلى ترسيخ الديمقراطية المحلية، إذ أحس أن المواطن هو الذي يشارك في صنع القرار المحلي والجهوي ويختار من يسيره سيكون مؤمنا بالديمقراطية. ودعني أخبركم بشيء: كيف تطلب الدولة من رؤساء المجالس البلدية أن يسهروا على تسيير الشأن المحلي 24 ساعة على 24 ساعة بـ2700درهم شهريا، والمنتخب هو في نهاية المطاف يشبه “بارشوك” مع المواطنين لأن لديه إمكانيات ضعيفة وتحفيزات منعدمة، وينبغي أن نر الاعتبار للمنتخب.

اشتعل جدل كبير حول أحداث عشرين فبراير ودعوت إلى فتح تحقيق فيما جرى لكشف ما أسميته بالحقيقة، ما الذي جرى بالضبط؟

سبق لي أن طرحت سؤالا في البرلمان حول أحداث عشرين فبراير بالحسيمة ولم أتلق إلى يومنا هذا أي جواب من وزير العدل وأتذكر أن حزبه طالب في ذلك الوقت بلجنة تقص للحقائق وسانده حزبنا كما لم يفعل من ذي قبل، واليوم مر على توليه لحقيبة العدل ما يربو من السنتين لم نسمع أي شيء جديد. أجدد مرة أخرى مطالبتي بفتح تحقيق في الأحداث التي عرفتها مدينة الحسيمة، وأين وصلت تحقيقات النيابة العامة لمعرفة الحقيقة فبغض النظر عن التظاهرات السلمية التي لها مطالب مشروعة، كان هناك من يريد تصفية الحساب مع الريف أولا ثم مع حزب الأصالة والمعاصرة..

من كان يريد تصفية الحساب مع الريف ومع حزبكم؟

هؤلاء الشباب الذين ماتوا في الأحداث ذهبوا ضحية لما أسميه أنا بتصفية الحسابات، ولا أعتقد أن أصحاب المظاهرات السلمية هم الذين أحرقوا المدينة. لقد هناك عناصر مدسوسة وقامت بما كان مطلوبا منها، وبكل صراحة هناك أطراف في المغرب تريد أن تقول للملك بأن هؤلاء الريافة لا يستحقون أي شيء وليسوا أهلا للثقة، ولكن لحسن الحظ فصاحب الجلالة يلتقي مع البسطاء في البحر والجبل ويتحدث إليهم ووصل إلى قناعة أن السكان يكنون له حبا صادقا وليس نفاقا كما يفعل البعض الذين يحاولون القول للملك إن الريفيين أعداء له.

اقترح عليك ثلاثة أسماء ونريد رأيك فيها:

إلياس العماري: لم يقدم خدمات للريف فقط كما يعترف أعداؤوه، بل قدم خدمات للمغرب

فؤاد عالي الهمة مؤسس حزبكم: مؤمن بمغرب الجهات وبالمشروع المغربي لا المشرقي

عبد العزيز أفتاتي: يمارس السياسة بالأحقاد

 


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading