بكاء بنكيران بين “اللا حصيلة” ووهم الحب..
رشيد الحاحي//
قبل تحليل حالة البكاء التي تحولت إلى “الماركة الخطابية” البارزة لعبد الإله بنكيران خلال الحملة الانتخابية لحزبه، لنتوقف عند تشخيص الحالة:
بعد أن يردد شكره لجماهير الأتباع، ويعبر عن تأثره بحجم الحاضرين مبالغا مرات في سرد عددهم، سرعان ما يعتريه شعور مفاجئ بالتأثر لما يقول أنه “حب الشعب له وللبيجيدي”، فيخفت صوته وتختنق نبراته، ثم يجهش باكيا أمام جموع مريديه وتحت أضواء كاميرات التصوير، فينتحب ويذرف دمعتين أو ثلاثة، ويزيل نظاراته تارة مخرجا من جيبه منديله الكلينيكس الشهير، ويرفع أكفه تارة أخرى، قبل أن يعود لمواصلة دعايته الانتخابية منتقلا بسرعة بين الأمزجة والملفوظات، فيرغي ويزبد ساعة، ويتهكم ويهاجم ويتوعد ساعات أخرى.
إنه المشهد الطريف الذي أصبح مألوفا، بل متوقعا بحكم تكراره، في خرجات بنكيران الخطابية وتجماعاته الانتخابية الأخيرة استعدادا لانتخابات 7 أكتوبر!
وفيما تفعل الدموع فعل السحر في الأنصار المتحمسين وبعض الحاضرين الواهمين ، يتساءل بقية المغاربة لماذا يبكي رئيس الحكومة في تجمعاته الخطابية؟ وكيف يتصادف أن تنتابه هذه الحالة الإنفعالية والوجدانية نفسها كلما اعتلى منصة الدعاية الانتخابية، ويقارنون حالة التذلل والمسكنة والوداعة تلك، بعنترياته وتجبره المعتاد في العديد من الحالات، خاصة خلال خرجاته وردوده على أحزاب المعارضة وعلى مواقف النقابات والحركات الاحتجاجية والفرقاء الاجتماعيين، وعلى عموم المواطنين والمواطنات الذين تألموا جراء سياسات وقرارات حكومته على امتداد خمس سنوات المنتهية.
والحال أن مآرب بنكيران من عروضه تلك لا تخفى على أحد، اللهم أعضاء الحزب والجماعة ممن يحول وهم الاصطفاء الجماعاتي ونشوة القوة المزعومة بينهم وبين أي تفكير عقلاني أو مسافة نقدية. فإخوان البيجيدي في سعيهم المحموم لولاية ثانية، وفي ظل عجزهم عن تقديم أجوبة حقيقية عن الإخفاق الذريع في تسيير الشأن العام، وتهربهم من تحمل المسؤولية عن النتائج الوخيمة لسياسات حكومتهم على المغرب والمغاربة، نراهم يراهنون على كل الأوراق ويستعملون كل الوسائل المتاحة لكسب الأصوات وتحييد ومهاجمة الخصوم السياسيين، متسلحين في ذالك بقاموس مراوغ ومفاهيم غامضة ودعاية وجدانية تمتح من خطابهم الوجداني والديني.
ويتبين ذلك من خلال الفضاء الافتراضي وأساليب الدعاية والإشاعة، كاستحضار صور عاطفية من الموروث عن بكاء السلف على أحوال الرعية والتهيب من جسامة الأمانة، في محاولة لضمان الأصوات باللعب على وثر العواطف عوض مخاطبة وإقناع العقول.
كما يتضح ذلك أيضا من خلال كيفيات مخاطبة بنكيران وأعضاء حزبه للتجمعات والحاضرين، فنراهم يتحدثون عن “نصرهم القادم” بصيغة الحاضر وليس المستقبل، وبيقين تحصيل الحاصل بغرض طبع “فكرة النصر” على وجدان المريدين وبرمجتهم عليها.
لكن الذي يثير الانتباه أكثر في ظاهرة الاستعراض البكائي لرئيس الحكومة المنتهية ولايته هو قدرات الرجل على الظهور بمظهر الصدق والإقناع، وهي مهارة الكاريزما الخطابية التي يمتلكها بعض السياسيين أو زعماء بعض الطوائف الدينية، وكبار الممثلين المسرحيين والسينمائيين، والتي تناولتها دراسات نفسية عديدة وخلصت من بين ما خلصت إليه أن هذا التّأثير لا يتأتى سوى عبر ممارسة الشخص لنوع من الإيحاء الذاتي autosuggestion تجعله يثق تماما في خطابه وموقفه، ومن ثمة ينبري بكل توهيم وحماس منافحا عما ينافح عنه.
إلا أن هذا السلوك الخطابي يعتبر من أكبر آليات التحريك والإيهام La manipulation des foules التي تعتمد في مجال السياسة والدعاية، وعرف التاريخ العديد من نماذج توظيفها في التأثير الجارف على الحشود، وللويلات التي غالبا ما ترتبت عنها.
غير أن الذي فات عبد الإله بنكيران وحزبه، للأسف، هو أن الاجتهاد الحقيقي للسياسيين الناجحين الذين تحتفظ بهم ذاكرة الشعوب وسجل الديموقراطيات، هم الذين يسخرون كل الطاقات والملكات في سبيل خدمة الصالح العام ويعملون على إبداع الحلول الصعبة للقضايا والملفات الكبرى، وتدبير الشأن العام بنزاهة ونكران ذات، وليس الإبداع في سبل وأساليب التمويه، لغرض الاستفادة من المواقع والاستمرار في الكراسي.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.